Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Jul-2017

عن فن الطبخ ومدارسه أو (Top chef) مش أي شيف - رومان حداد

 

الراي- تشاهد ابنتاي سلسلة من حلقات الإعادة لبرنامج الطبخ (Top chef) بنسخته العربية، فقررت أن أشاهد بعض الحلقات معهما، لم يشدني البرنامج كثيراً، ولكن ما لفت انتباهي هو كيفية تقييم المحكمين للطعام الذي يأكلونه، حيث تبرز فلسفة الطبخ لدى كل واحد منهم، سواء بالنظر إلى طبيعة المادة المطبوخة، وتقنيات الطبخ والفكرة من وراء الطبق المطبوخ، وهنا شعرت أن للطبخ فلسفة مهمة قد لا ندركها، وهو ما يفرق بين طباخ محترف وآخر هاوٍ.
 
العارفون في فن الطبخ يقسمونه إلى مدارس، هذه المدارس تختلف في تعاملها مع عناصر الطبخة استناداً لرؤيتها ومفهومها عن الطبخ، فهناك المدرسة الكلاسيكية للطبخ وهي أقرب للمدرسة الشخصية تقوم على فكرة أن الطبخ (نَفَس) وتركز على شخص الطباخ، حيث أن المقادير تقديرية ويمكن قياسها بحكم الدربة وتستخدم فيها بعض المصطلحات الخاصة بهذه المدرسة مثل (شوية فلفل، رشة ملح، كمشة بقدونس، وليمون حسب الرغبة، وغيرها من المصطلحات الشبيهة)، وبالتالي هي تؤمن بالفرد (الطباخ) ورغبته وحبه لمن يطعمهم، فإذا كانت (نفس) الطباخ (طيبة) ويحب (المعازيم) سيكون الطعام طيباً والعكس صحيح، أي أن شخصية الطباخ هي البارزة في هذه المدرسة.
 
المدرسة الثانية في الطبخ يمكن تسميتها بالمدرسة الآلية وهي أقرب للمدرسة الموضوعية، وهي لا تعطي ذات الأهمية لشخص الطباخ بل تهتم أكثر بجودة نوع الخضار والتتبيلات المستخدمة، وبدقة المعايير والنسب وبالتالي يظهر في هذه المدرسة أدوات جديدة كالميزان ومن المصطلحات المميزة لها (تحديد الكميات بالغرامات، ملعقة ملح، درجة حرارة الفرن 240 درجة، تحديد وقت الطبخ بالدقائق، وغيرها من أدوات القياس الواضحة والدقيقة)، وهذه المدرسة قد لا يكون ناتجها طعاما لذيذا كما يمكن أن تنتجه المدرسة الأولى (الكلاسيكية)، ولكن ميزتها أنها تضمن أن عدم ارتياح الطباخ للمعازيم لن يؤثر بصورة واضحة على الطعم، فهي وبسبب معادلاتها الواضحة تنتج طعاماً مقبولاً في النهاية.
 
وبالطبع هناك مدرسة ثالثة (كالعادة) وهي المدرسة المختلطة التي تجمع بين المدرسة الكلاسيكية والمدرسة الآلية، حيث أن الطباخ عليه التقيد بالمعايير الخاصة بالطبخة مع إعطائه هامشاً لإظهار شخصيته ومهاراته الخاصة، ولكن خطورة هذه المدرسة هي أن على الطباخ أن يكون قادراً على اتباع المعايير وتطبيقها بالإضافة إلى امتلاكه لمسته الخاصة و(نَفَسه) الخاص، وإلا فإن النتائج كارثية، ولذا فهذه المدرسة لا يلجأ لها إلا كبار الطباخين الذين يملكون حس المغامرة والرغبة بحفر أسمائهم كأسياد للعبة الطبخ.
 
وللعجب فثمة مدرسة رابعة وهي المدرسة الوظيفية، هذه المدرسة لا تكترث بطعم الطعام ولا بحرفة الطباخ بل المهم عندها أن يقوم الطعام بوظيفته المرحلية وهي ملء البطون، وغالباً ما يتبناها من لا يجيدون الطبخ ويجدون أنفسهم فجأة في المطبخ، وعليهم عبء إطعام مجموعة من الأشخاص، وتركز هذه المدرسة على نوع معين من الطبخ وهو الطبخ السريع، فلا مبرر للطبخ المعقد والذي يحتاج كثيراً من الوقت إذا ما كانت الغاية من الطبخ ملء البطون فقط.
 
على أي طباخ أن يحدد المدرسة التي ينتمي لها، حتى يتدرب على أساليبها، فلا يمكن أن يتبنى المدرسة الكلاسيكية وهو لا يرغب في المعازيم، ولا يجيد حرفة الطبخ أساساً لأنه حينها ستكون الطبخة (محروقة)، ولا يمكن أن يذهب إلى المدرسة الآلية دون امتلاكه أدوات القياس الدقيقة لأنه سيرتبك بين الأواني والسكاكين وسيقدم للمعازيم طبخة غريبة غير التي أرادها، وبالتأكيد لا يذهب إلى المدرسة المختلطة إذا لم يكن حرّيفاً بالمدرستين الكلاسيكية والآلية لأنه سيدمر المطبخ ويقتل المعازيم، وأخيراً لا يمكن لطباخ ماهر أن يختار المدرسة الوظيفية لأنه في هذه الحالة يقول للمعازيم أنه لا يحترم ما يملك من قدرات، ولا يحترم ما يقدم من طعام، ولا يحترم معازيمه.
 
الطبخ فن ومدارس، ولمن لا يجيده أن يتعلم حتى لا يقطع أصابعه بالسكين أو يحرق نفسه بالنار، والأهم حتى لا يدمر المطبخ بأدواته أو ينفر معازيمه، هذا ما تعلمته من برنامج (Top chef)، وأرجو عدم قراءة المقال خارج إطار المطبخ وحرفية الطباخين.