Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Jan-2020

لكي لا نقع في «فخ» التاريخ*حسين الرواشدة

 الدستور

حين «تعطلت» السياسة في عالمنا العربي اندفعت الشعوب قبل نحو تسع سنوات الى الميادين والشوارع للمطالبة «باسقاط» الانظمة او اصلاحها على امل اعادة حركة السياسة بمواصفات جديدة وعادلة، لكن القوى المضادة نجحت في اجهاض المد الشعبي، فتعطلت عجلة السياسة مرة اخرى، وعلى ايقاع تعطلها خرج على الفور مارد العنف من قمقمه، سواء على شكل حركات احتجاجية، او صراعات وحروب عسكرية.
الأخطر من ذلك أن عالمنا العربي حين ذهب الى خيار الصراع لا خيار التفاهم (أو اضطر إليه: لا فرق) كمحاولة للدفاع عن وجوده، أو كبديل عن الخيار السياسي الذي لا يمتلكه في الواقع لأسباب يطول شرحها، وجد نفسه حائرا في تحديد عنوان هذه الصراع ، ومن هو العدو الذي يحظى بالأولوية، وأي الجهات يجب أن نبدأ منها، وفي ظل اختلاف التقديرات والاولويات لكل دولة عربية، وقعنا في فخ التسرع والارتباك (ان شئت فخ التاريخ)، فاصبحت إيران هي العدو الأول بدلا من اسرائيل، وهكذا اختلطت الاوراق في عالمنا العربي الذي تغيرت اولوياته بشكل دراماتيكي، ولم تعد مشكلته سياسية فقط وانما طائفية ودينية وانسانية ايضا.
 السؤال الأهم الذي ما زال معلقا بلا إجابات: من هو العدو الاول الذي يمكن للعرب ان يحتشدوا لمواجهته: إسرائيل أم إيران أم الوضع العربي البائس؟ لا احد يستطيع ان يحذف اسرائيل –علنا على الاقل – من قائمة «الاعداء»، فهي ما تزال تشكل التهديد الاساسي للمنطقة، كما لا يستطيع احد ان يغض الطرف عن «التهديد» الايراني الذي بدأ يتمدد في المنطقة العربية، لكن هل ثمة فرق بين الخطرين..؟ البعض يرى ان التهديد الاسرائيلي وجودي واساسي (خطر اسرائيل لذاتها وفي ذاتها وممارساتها)، وبالتالي فان مواجهته لن تتوقف وان كانت مؤجلة الآن، فيما التهديد الايراني طارئ وله ظروف تتعلق بحالة الضعف العربي والفراغ السياسي الذي نشأ بعد الربيع العربي، (هو خطر ممارسات اذا) كما انه يتعلق بطموحات غير مشروعة للنظام في طهران لا علاقة لها بالشعب الايراني الذي تربطنا به اواصر الدين والحضارة والمشاعر والمصالح المشتركة.
 لا شك أن تل أبيب التي عبرت عن حفاوتها «بالصراعات» التي تجري في عالمنا العربي هي المستفيد الاول من كل ما يجري، سواء أكانت الحرب في اطار الدولة الوطنية أو لإعادة ترتيب الاوضاع داخل الدول التي لم تتمكن من حل خلافاتها بالتفاهمات السياسية او في اطار التحالفات التي تظهر لمواجهة النفوذ الايراني، ليس فقط لأن هذه الحروب والنزاعات تستنزف العرب وتشغلهم عن قضيتهم المركزية (فلسطين) وانما ايضا لانها قد تدفع البعض الى اعتبار اسرائيل جزءا من الحل، او على الاقل الى تأخير ترتيبها في قائمة «الخطر» الى الدرجة الثالثة، ربما تمهيدا لشطبها من القائمة.
يبقى أن العرب يخوضون اليوم حروبهم بأنفسهم، وضد أنفسهم أيضا، فيما المطلوب من الانظمة العربية ان تتصالح مع شعوبها على اعتبار ان الخطر الذي يواجهها بالدرجة الاولى ليس خطرا خارجيا (لا إيران ولا إسرائيل) وانما خطر داخلي محض، كما ان أصابع امريكا (ومعها اسرائيل) ليست بعيدة عما حدث ويحدث من فوضى وحروب داخل عالمنا العربي، وعليه فان استعادة روح السياسة والارادة الحقيقية المستقلة هي المخرج الوحيد لدولنا العربية اذا ما ارادت ان تتجاوز «نكبتها» التاريخية الثالثة.. وتستعيد عافيتها ايضا.