Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Nov-2017

قراءة في خطاب العرش السامي - الدكتور محمد أبوحمور

 الراي - جاء خطاب العرش السامي الذي ألقاه جلالة الملك عبداالله الثاني ابن الحسين في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الثامن عشر (12 /11 /2017 ،(معبراً عن المرحلة التي تمرّ بها المملكة، ومُبيّناً جلالته بكلمات مقتضبة ومركّزة نهج العمل المستقبلي، وأشار إلى نقاط جوهرية ومفاصل وعناوين ترسم رؤية واضحة وشمولية حول متطلبات وآليات العمل بما يؤسِّس لمرحلة أدقّ أوصافها هو الاعتماد على الذات ومباشرة العمل بجدية لتنفيذ الخطط والبرامج والاستراتيجيات التي اكتمل إعدادها. ومن الواضح أن مضامين هذا الخطاب تدعو إلى تجاوز الأقوال نحو الأفعال، وليس أي أفعال وإنما تلك المستندة إلى رؤى وأطر واضحة ومحددة تصبّ في النهاية في تحسين مستوى معيشة المواطنين، وحفظ أمنهم وكرامتهم، وتوفير غد أفضل لهم يستحقونه بجدارة.

 
إنَّ نهج الاعتماد على الذات، الذي شكَّل نقطة جوهرية في خطاب جلالة الملك، يفرض مسؤوليات جسيمة على فئات المجتمع كافة، وخاصة على الحكومة التي إنْ أرادت تكريس نهج الشراكة فعليها أن تكون جديرة بثقة المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، وأن تتواصل معهم من خلال تعزيز الشفافية والانفتاح، فالمواطن الذي يثق بحكومته يدرك أنها قد تتخذ قرارات صعبة ومؤلمة، لكنه على ثقة بأن ذلك يخدم مصلحته ومصلحة الوطن بالدرجة الأولى وصولاً إلى حلول لمشاكل مزمنة وأزمات مستعصية يعاني منها الاقتصاد الأردني. وقد أصبح واضحاً أن الاعتماد على الذات لم يعد خياراً بل هو ضرورة للسير قدماً نحو التغيير الإيجابي، خاصة في ظل الظروف الإقليمية المحيطة والتي يجب أن لا تشكِّل عقبةً أمام مسيرة الأردن نحو ما نتوخاه من تقدم وتطور وازدهار على مختلف الصعد.
 
كما أن نجاح نهج الاعتماد على الذات يحتاج إلى توافق مجتمعي يبدأ–كما أسلفت–بتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين ليكونوا مشاركين فاعلين في هذا التوجه، ويحتاج أيضاً إلى مواصلة تعزيز الإصلاحات في جميع المجالات وعلى المستويات كافة. ومن المؤكد أن والطاقة، والتخلّي عن الكثير من العادات الاستهلاكية غير الضرورية، والاعتماد المُبالغ فيه على العمالة الوافدة (ولا نتحدث هنا عن بعض مساهمة المواطن في هذا النهج سوف تشكِّل رافعة أساسية له لتحسين مستوى العيش من خلال وقف الهدر في استهلاك المياه فئات المواطنين التي بالكاد تحصل على الضروريات)، فإنَّ كل ذلك يساهم في تخفيض العجوزات المالية والتجارية، وتشجيع الادخار، والحد من الاستهلاك، وهذا هو سر تطور وتقدم الكثير من دول العالم، فالهدر مهما كان قليلاً إلا أنه وبمجموعه يشكِّل عبئاً ثقيلاً على الدول والشعوب، ويمكن القول بكل ثقة إن الاعتماد على الذات ليس مطلوباً من الحكومة فقط وإنما يجب أن يكون عنواناً رئيساً لحياتنا اليومية ومنهجاً متكاملاً وشاملاً يمكننا من مواجهة التحديات التي نعاني منها، وبحيث يتسنى لنا أن نحولها إلى فرص للإبداع والتميز.
 
يعاني الأردن من مصاعب اقتصادية جمة بما فيها العجز المزمن في الموازنة العامة، والارتفاع المضطرد في نسبة المديونية، وتراجع تنافسية الاقتصاد الأردني، والمشاريع الكبرى التي ما زالت تنتظر التنفيذ، والعوائق التي تواجهها الصادرات، والاستثمارات التي نحاول أن نرفع من مستواها كمّاً ونوعاً، وأن نوجِد البيئة الملائمة لها، وكذلك ارتفاع معدل البطالة الذي بلغ مستويات غير مسبوقة، والتحديات التي تفرضها الظروف الإقليمية بما فيها الكلف المترتبة على استضافة اللاجئين. ومن المعلوم أن الاقتصاد الأردني اعتمد ومنذ سنوات طويلة على المساعدات والمنح والقروض التي يتم الحصول عليها من الدول الشقيقة والصديقة، لذلك يتطلب الخروج من هذا الواقع أن يكون لدينا التصوّر الواضح للمدى الزمني الذي تستغرقه معالجة هذه الأزمات، كما يتطلب ذلك أيضاً الخروج بأفكار إبداعية وجديدة على المستويات كافة، ومعالجة التشوهات الاقتصادية التي نعاني منها.
 
وقد استطاع الأردن عبر تاريخه الطويل تجاوز العديد من الأزمات بفضل تلاحم المواطنين مع قيادتهم التي عملت على تطوير آليات تمكِّن ليس فقط من تجاوز الأزمات وإنما لتحويلها إلى فرص يمكن تحقيق الارتقاء من خلالها. لكن يجب الالتفات إلى ما نشهده مؤخراً من تراجع في إدارة العديد من المؤسسات وترحيل المشكلات دون اتخاذ القرارات المناسبة لحلها، مما يعني تفاقم المصاعب التي يترتب عليها أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية.
 
أوضحت التوجيهات الملكية السامية ضرورة البدء بتنفيذ خطة التحفيز الاقتصادي، وهذا يتطلب أن تعمل الجهات ذات العلاقة على ضمان نجاحها، وتفعيل ما ورد فيها، وفق معايير تبيِّن مدى النجاح وتعالج الثغرات حال ظهورها وأولاً بأول. وما يجدر التذكير به هو أن جزءاً أساسياً من الخطة يقع تنفيذه على عاتق القطاع الخاص، وهذا يعيدنا إلى ضرورة تحسين البيئة الاستثمارية واتخاذ قرارات تُظهر حُسن النية والرغبة الأكيدة في بثّ روح التعاون والمشاركة والتعاون بين القطاعين العام والخاص.
 
وكما هو معلوم فإنَّ خطة التحفيز الاقتصادي تهدف إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي مما يتطلب بذل عناية خاصة بالاستثمارات المحلية والاجنبية، وهذا الأمر–أي رفع معدلات النمو الاقتصادي–يساهم بشكل فاعل في مواجهة العديد من المصاعب الاقتصادية، ويؤدي إلى توليد فرص عمل، وتوسيع إمكانيات المالية العامة في تغطية الإنفاق الحكومي، ليس من خلال فرض مزيد من الضرائب ولكن عبر توسيع القاعدة الاقتصادية الوطنية. ومما يتوجب التأكيد عليه أن رفع مستوى النمو ورفع مستوى المنتجات المحلية يتطلب تعاوناً بين القطاعين العام والخاص، بما في ذلك رفع القدرة التنافسية للسلع الأردنية وتحسين جودتها، إضافة إلى العمل بكل السبل على تحسين البيئة الاستثمارية، وتبسيط وتسهيل الإجراءات، وصولاً إلى بيئة استثمارية محفّزة للاستثمار المحلي وجاذبة للاستثمار الأجنبي، وهذا من أهم الجوانب التي أولتها خطة التحفيز عناية خاصة، هذه الخطة التي سيؤدي تنفيذها إلى استعادة زخم النمو والاستفادة من الفرص المتاحة إقليمياً ودولياً بحيث ينعكس ذلك على مستوى معيشة المواطنين، وتمكين الطبقة الوسطى في المجتمع، وحماية الأسر ذات الدخل المتدني والمحدود.
 
لقد أكد جلالة الملك على ضرورة قيامنا بحل مشاكلنا بأنفسنا، وهي دعوة للجميع لتحمُّل مسؤولياتهم والقيام بالأدوار المطلوبة منهم بعيداً عن التأجيل والتسويف، فقد آن الآوان ليبدأ العمل على تنفيذ الخطط والبرامج وتكريسها حقيقة على أرض الواقع، باستخدام مواردنا الذاتية وقدراتنا البشرية التي أثبتت قدرتها على الإنجاز وتحدي الصعاب.
 
لا ريب أن أهم ما يميّز المرحلة القادمة، وكما أكد جلالة الملك، هو الانتقال من الخطط والاستراتيجيات إلى التنفيذ الفعّال والكفؤ. صحيح أن الطريق طويل والبدايات صعبة دوماً، إلَّا أن الأردنيين وعبر تعاونهم وتعاضدهم مع قيادتهم يستطيعون تقصير المسافات وتحقيق إنجازات يعزّ نظيرها، فالأردنيون الذين عايشوا وضع العديد من الخطط والمبادرات ولم يجدوا لها صدى على أرض الواقع تولَّد لديهم انطباع بعدم جدية بعض الجهات المسؤولة، أو عدم قدرتها على تنفيذ ما يتم وضعه من خطط واستراتيجيات، والبدء بالعمل فعلياً سوف يغيّر بلا شك هذا الانطباع.
 
تمثل إشارة جلالة الملك إلى ما تم إنجازه من تعزيز لسيادة القانون، والسير نحو ترسيخ ركائز الدولة المدنية، استمراراً للرؤية الأردنية المبكرة في الإصلاح الديمقراطي والإصلاح الإداري، والتي عبَّرت عنها الأوراق النقاشية الملكية.
ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة فقد استطاعت حكمة القيادة الأردنية أن تبلور رؤية واضحة لسيادة القانون بوصفها مسؤولية الدولة والمواطن معاً، وربط ذلك بالتعددية السياسية والتنوع الثقافي والاجتماعي كرافد من روافد الاقتصاد الوطني، وتعزيز العدالة الاجتماعية كتعبير عن ضمان سيادة القانون لحقوق الأقلية والأغلبية على السواء. وهي رؤية متقدمة ويمكن القول بأنها رؤية سابقة لتحديد مكامن النهوض الحقيقي للمجتمع والدولة ككل، من خلال الربط بين الإصلاح الإداري وسيادة القانون، وتوضيح مسارات هذا الربط عبر تطوير الإدارة وتطوير القضاء. كما تشكِّل هذه الرؤية نموذجاً جديراً بالاستفادة منه وتقديم الصالح العام ومصلحة الوطن والهوية الجامعة على كل ما عداها من مصالح فردية ضيقة وآنية، وما يعطل المسيرة نحو مستقبل آمن للأجيال.
 
واستذكر جلالة الملك «بالفخر والاعتزاز آخر المنجزات التي حققها الأردنيون بانتخابهم المجالس البلدية ومجالس المحافظات، والتي تدشن التجربة الأردنية في تطبيق اللامركزية سعياً نحو تعميق الديمقراطية، وتولّي الهيئات المحلية سلطات أوسع في صنع القرار التنموي. كما جاءت هذه التجربة ترجمةً لنموذج الإصلاح التراكمي والثابت الذي تميز به الأردن وتمسك به الأردنيون وسط تحديات إقليمية غير مسبوقة.»
 
وبخصوص اللامركزية التي تعتبر أحدى الادوات السياسية والتنموية في آن معاً، فهي تساهم في ترسيخ أسس الديمقراطية ورفع مستوى المشاركة المجتمعية في إدارة شؤون الدولة بما في ذلك الجوانب السياسية والإدارية والتنموية. وتوفر اللامركزية الفرصة لتعزيز مستوى المساءلة الإدارية على المستوى المحلي أمام المواطنين، لتكون أكثر استجابة لمتطلباتهم الخدمية، ويتحقق ذلك من خلال تفويض الصلاحيات وإتاحة المجال لاستقلالية القرارات بشكل أكبر، وهذا من شأنه أن ينعكس ضمن الإطار الكلي للعملية الإصلاحية، عبر تعزيز الممارسات الديمقراطية في المجتمعات المحلية ورفع درجة التمكين والمشاركة المجتمعية.
 
تعبِّر اللامركزية عن الأدوار الموكلة لمؤسسات الدولة بمستوياتها المختلفة، وهي تتضمن توزيعاً لهذه الأدوار بين المستويات المتعددة وتوضيحاً لدور كل مستوى من حيث المسؤوليات والصلاحيات المناطة به، ويمكن أن تقوم اللامركزية بتحقيق هدفين في آن معا أولهما على المستوى المركزي بحيث تتفرغ السلطات المركزية لمواجهة التحديات الأساسية على المستوى الوطني، ورسم السياسات التي تهم المؤسسات والمواطنين كافة بصرف النظر عن أماكن إقامتهم أو مستوى معيشتهم أو طبيعة الوظائف التي يؤدونها، خاصة أن السلطة المركزية تكون قد خفضت من أعبائها الإدارية والمالية. أما على المستوى المحلى فإنها (أي اللامركزية) تفسح المجال لتقديم خدمات بجودة أعلى وكلفة أقل، حيث إن الإدارات المحلية عندما تتولى مسؤولية تحديد الاحتياجات، ضمن السقوف المالية المتاحة، تستطيع أن تحدد أولوياتها بشكل أفضل من خلال تواصلها المباشر مع المواطنين ودرايتها باحتياجاتهم.
 
إذاً، لا بد من رفع مستوى الحوار ونقله إلى درجة أعلى تتناول كيفية تطبيق اللامركزية بشكل أفضل لنستطيع تحقيق الأهداف المتوخاة، ولا بد أيضاً من توسيع الحوار ليشمل الفئات الاجتماعية كافة، وضمان مشاركتها بشكل فاعل في رسم السيناريوهات المستقبلية لهذا التوجه، فلا ينبغي أن نكتفي بمنح دور أكبر للمجالس المحلية في المحافظات بتحديد الاحتياجات التنموية، بل لا بد أن تكون لدينا توجهات ورؤى واضحة لتطوير اللامركزية وتعزيزها، وصولاً إلى تسخيرها كأداة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، بما في ذلك التنمية البشرية والاقتصادية.
 
ومن المفهوم أن الأهداف التي يتم السعي إلى تحقيقها من خلال اللامركزية لا بد لها من الارتباط الوثيق بالأهداف الوطنية الكلية، من أجل تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي تحسن مستوى معيشة المواطنين في مختلف المناطق والمحافظات.
 
في هذا السياق، أود الإشارة إلى أن الرؤية الملكية السامية – كما عبرت عنها الأوراق النقاشية الملكية – تنطلق من أن تعميق المسيرة الديمقراطية وضمان أسباب النجاح لها هي مسؤولية جماعية، وفق نهج استشرافي للمستقبل يقوم على تخطيط استراتيجي واعٍ لمختلف الجوانب والعوامل المؤثرة في هذه المسيرة، وأن الأدوار ينبغي أن تتناغم وتتكامل، لضمان حصانة الأردن ووحدته الوطنية أمام التحديات التي واجهت هذا البلد منذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة وحتى يومنا هذا، الذي نشهدُ فيه، ومن جديد، أخطار التقسيم والشرذمة والتفتت في بلدان متعددة من الوطن العربي، كما يتحدث فيه البعض عن خريطة تقسيم جديدة للمنطقة، تحددها وتحكمها مصالح خارجية وأجندات إقليمية.
 
توضح الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك عبداالله الثاني (سيادة القانون أساس الدولة المدنية) المبادئ الثلاثة التي تنتظم محتوى الورقة، وهي أن سيادة القانون مسؤولية الدولة ومسؤولية المواطن معاً، وأن التنوّع هو مصدر الازدهار الثقافي والاجتماعي والتعدد السياسي، كما أنه رافد للاقتصاد، وأن ضمان حقوق الأقلية متطلب لضمان حقوق الأغلبية، وسيادة القانون هي ضمان للحقوق وتعزيز العدالة الاجتماعية.
 
وفي ضوء ذلك تتناول الورقة محورين رئيسيين:
الأول- سيادة القانون أساس الإدارة الحصيفة، ومن أبرز الأفكار التي يشملها هذا المحور:
- تطوير الإدارة، تحديث الإجراءات، إفساح المجال للقيادات الإدارية القادرة على الإنجاز وإحداث التغيير الضروري والمُلحّ، ليتقدَّم صفّ جديد من الكفاءات إلى مواقع الإدارة يتمتع بالرؤية المطلوبة والقدرة على خدمة المواطن بإخلاص (الإشارة هنا إلى جهود اللجنة الملكية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية، واللجنة الملكية لمتابعة العمل والإنجاز، التي انبثق عنها إنشاء هيئة مكافحة الفساد، وديوان المظالم).
- تطبيق القانون على المسؤول قبل المواطن والاستناد إلى تشريعات واضحة وشفافة، وإدارة حصيفة وكفؤة، ومحاربة الواسطة والمحسوبية، والحد من تأثير الولاءات الفرعية.
- ضرورة وجود نظرة شمولية للشباب، وانتقاد التعيينات في المواقع الحكومية بموظفين غير أكفياء وحرمان هذه المواقع من الكفاءات والقيادات التي تساهم بالارتقاء بها والنهوض بعملها، واعتماد الكفاءة والجدارة كمعيار أساس ووحيد للتعيينات.
- تطوير القضاء والأجهزة المساندة له، وتوفير كوادر خبيرة ومتخصصة، وتطوير سياسات وتشريعات لتسريع عملية التقاضي، وتفعيل مدوّنة السلوك القضائي، وتحديث معايير تعيين القضاة ونقلهم وترفيعهم، وتمكين أجهزة الرقابة والتفتيش القضائي.
أما المحور الثاني فهو يتناول فكرة «سيادة القانون بوصفها عماداً للدولة المدنية»، ومن أهم أفكاره:
- الدولة المدنية تحتكم إلى الدستور والقوانين، وهي دولة المؤسسات، التي ترتكز إلى السلام والتسامح والعيش المشترك، واحترام وضمان التعددية واحترام الرأي الآخر، وتحمي الحقوق وتضمن الحريات.
- الدولة المدنية ليست مرادفاً للدولة العلمانية، فالدين في الدولة المدنية عامل أساسي في بناء منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية.
 
إنَّ صياغة رؤية الأردن الاستراتيجية الوطنية المستقبلية؛ تستند إلى أن المسؤولية جماعية «في احتضان القيم والممارسات الديمقراطية والاستمرار في تطويرها مستقبلاً، بحيث تتجذر في المنظومة القيمية والتربوية والتشريعية». وأن هذه الأوراق التي يطرحها جلالته على شعبه تسعى إلى «تحفيز المواطنين للدخول في حوار بنّاء حول القضايا الكبرى التي تواجهنا؛ مؤكداً جلالته ثقته بأن رؤية المواطنين للعملية السياسية والإصلاحية هي فرصة للوصول إلى أفضل الأفكار والحلول.
 
ومرة أخرى، لا بد من التأكيد بأن القيادة الأردنية قدمت العديد من المبادرات التي يكفل تنفيذها انعكاساً إيجابياً على الاقتصاد والمواطن الأردني، فكلنا يذكر الطروحات الملكية حول الإصلاح الاداري وضرورة مكافحة الترهل والتسيب في الجهاز الإداري للحكومة، ومبادرة المدينة الإعلامية، والأفكار التي طرحت حول تحويل الأردن إلى مركز مالي عالمي، وموضوع البطاقة الذكية للتعامل مع الدعم، والحكومة الإلكترونية، وغيرها من المبادرات والأفكار. لكن وكما هو ملاحظ، فقد استطاعت بلدان أخرى في المنطقة أن تقوم بتنفيذ مثل هذه المبادرات، في حين ما زلنا نقف عند مرحلة الأفكار دون أن تتم المباشرة بتنفيذ المبادرات.
 
ومن جهة أخرى، فقد تبنَّت الحكومات المتعاقبة العديد من الخطط والبرامج، وكلنا يذكر الأجندة الوطنية، والخطة العشرية، ورؤية الأردن 2025 ،وخطة التحفيز، وصندوق المحافظات، والصندوق السيادي الاستثماري، وبرامج التصحيح الاقتصادي التي نُفذت أو تنفذ بالتعاون مع الجهات الدولية، لكن تواضع الإنجازات أو افتقادها يؤدي إلى اهتزاز الثقة لدى المواطن والمستثمر على حد سواء.
 
إن الخطط المتعددة التي اعتمدتها الحكومات الأردنية تتشابه في نبل أهدافها وسمو غاياتها، وعادة ما يظهر الفرق في الإدارة الجيدة، وجدية التنفيذ، والقدرة على ترجمة الخطط إلى برامج عمل وإجراءات محدَّدة ومحكومة بفترات زمنية ومؤشرات أداء، فضلاً عن المتابعة الحثيثة لما يتم إنجازه من أعمال مع التطبيق العلمي والعملي لمبادىء المحاسبة والمساءلة والحكم الرشيد والإدارة النزيهة. وكثيراً ما يتشكَّل الفرق بين الفشل والنجاح من خلال القدرة على استغلال المزايا المتاحة في التغلب على القيود والمحدِّدات وتحويل التحديات ةإلى فرص نجاح.
 
وفي حال تم البحث عن العامل المشترك لتنفيذ هذه المبادرات، فسوف نجد أنها الإدارة المناسبة التي تستطيع أن تحول الأفكار والمبادرات إلى برامج عمل على أرض الواقع، وهنا تتدخل أيضاً الإرادة المؤسسية الصادقة التي لا بد من توافرها على المستويات التنفيذية من أجل المبادرة إلى العمل الفعلي والمتابعة حتى تحقيق الإنجازات التي يأمل الجميع بتحققها.