Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Jan-2018

القدس مدينة التنوع...معركة حضارية - بلال حسن التل

 الراي - نؤمن تماماً نحن الأردنيون أننا رأس الرمح في المعركة المحتدمة الآن, للدفاع عن القدس, التي تجسد أروع مافي حضارتنا من مزايا, هي ميزة التنوع. فقد قامت حضارتنا العربية الإسلامية على التنوع بكل ألوانه, وأولها التنوع العقدي, الذي كفله القرآن الكريم في الكثير من آياته مثل قوله تعالى» لكم دينكم ولي دين» وهو التنوع الذي جسدته واقعاً حياً وثيقة المدينة, وهي الدستور الذي وضعه رسول االله عليه السلام, وكفل فيه لأهل المدينة بما فيهم المشركون حرية الاعتقاد, لذلك ظل وطننا الكبير متميزاً بتنوعه الديني, ففيه الأديان السماوية الثلاث, بالإضافة إلى طيف واسع من المعتقدات الدينية الأخرى خارج أطر الأديان السماوية الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية, ناهيك عن التنوع داخل الدين الواحد. وهو تنوع على اتساع مروحته لم يحرم طيفاً من حقه في ممارسة عبادته, مثلما لم يحرمه من المساهمة في بناء حضارتنا التي نعتز بتنوعها.

 
غير التنوع العقدي فإن حضارتنا قامت على التنوع العرقي الذي أكده القرآن الكريم بقوله تعالى « إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» وهو التنوع الذي رسخه رسول االله عليه الصلاة والسلام عندما قال « السُباق أربع: أنا سابق العرب, وصهيب سابق الروم, وسلمان سابق الفرس, وبلال سابق الحبشة», وهذا التنوع العرقي كان مصدر ثراء لحضارتنا أعطاها البعد الإنساني العالمي المنفتح على الجميع, تأخذ منهم وتعطيهم, ولهذا كانت جسراً للتدافع الحضاري,فحضارتنا هي التي حفظت حضارات الأقدمين وزادت عليها, ثم نقلتها للغربيين الذين تعلموا منا سواء في جامعات الأندلس أو في جامعات ومدارس الشرق, أوعبر الرحالة, أوحتى من تجارنا الذين كانوا يجوبون الأرض, يبيعون ويشترون, وينقلون معهم الكثير من مكونات حضارتنا, خاصة على صعيد السلوك الذي كان يتصف به أبناء هذه المنطقة, على تنوعهم العرقي عرباً وأكراداً وتركاً وفرساً وأمازيع وآشوريين وكلدانيين...الخ, آخذين بعين الاعتبار أن الإسلام لعب دوراً مركزياً وحاسماً في ترسيخ ميزة التنوع العرقي في هذه المنطقة لسببين الأول: كفالته لحرية الاعتقاد وهذه الكفالة هي التي حمت غير المسلمين من الهجرة وأسهمت في استقرارهم في المنطقة, أما السبب الثاني والأهم فهو أن محمداً عليه السلام لم يرسل إلى عرق بعينه, بل أرسل للناس كلهم, على اختلاف أعراقهم, فدخل في الإسلام العربي والحبشي والفارسي والرومي والتركي والكردي دون أن يضطر أحدهم للتنكر لقوميته وعرقيته كما هو الأمر في اليهودية على سبيل المثال, التي جاءت لقوم بعينهم, وهنا يكمن مصدر مهم من مصادر الخطر على مدينة القدس التي نخوض هذه الأيام معركة الحفاظ على هويتها.
 
لقد شكلت القدس منذ الفتح العمري نموذجاً لحضارتنا القائمة على التنوع, فلم يُمنع يوماً صاحب دين سماوي من ممارسة طقوسه فيها, فمثلما كان فيهم المسلمون كان فيها المسيحيون واليهود, وكان فيها مساجد وكنائس وكنس. وهو الذي ينطبق على حاراتها التي تعكس التنوع العرقي الذي قامت عليه حضارتنا, والذي ظلت القدس تمثله أصدق تمثيل بسبب ميل الكثير من أبناء الأعراق المختلفة للإقامة في هذه المدينة المقدسة, لأسباب دينية باعتبارها المدينة المقدسة لدى الأديان السماوية الثلاث, ولأسباب علمية فقد اشتهرت القدس بعلمائها وبمدارسها وبمكتباتها, ولأسباب اقتصادية ايضاً.
 
إن كل هذا التنوع الذي تمثله القدس صار اليوم مهدداً بسبب الاحتلال الإسرائيلي للمدينة, فاليهودية بطبيعتها ديانة مغلقة نزلت لقوم بعينهم, لذلك فإن أتباعها يرفضون كل الأمم والأجناس والأعراق, ويعتبرونهم «أغيار» يحل ذبحهم, وتجوز سرقتهم, وخداعهم, والكذب عليهم, لذلك لاغرابة أن تمارس «حكومة إسرائيل» كل هذا التطهير العرقي خاصة في القدس, سعياً منها للوصول إلى الدولة اليهودية الخالصة,فالهدف النهائي لكيان الاحتلال أن تكون القدس ومعها كل فلسطين خالية من المسلمين والمسيحيين, ومن كل الأعراق والأديان والمذاهب ومن كل الأماكن المقدسة لهذه الأديان, وأول ذلك إقامة الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى, ففي العقيدة التلمودية لا مكان للتنوع الديني والعرقي, مما يعني أن معركتنا في الدفاع عن الأوضاع السكانية والتاريخية للقدس هي معركة حضارية, على كل من يؤمن بالتنوع وبحقوق الإنسان أن ينحاز إلينا فيها.
Bilal.tall@yahoo.com