Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Jun-2019

دراما ترمب الكارثية تجاه إيران*حسن أبو هنية

 الراي-عاش العالم على مدى يوم كامل دراما ترامبية مثيرة من مسلسل الحرب والسلام الأميركي الإيراني المشترك مع حلول فجر الخميس الماضي 20 يونيو 2019 عقب إعلان الحرس الثوري الإيراني إسقاط «طائرة تجسس أميركية مسيرة» قالت إنها اخترقت «المجال الجوي للجمهورية الإسلامية»، «في ساعات الصباح الأولى» في محافظة هرزمكان في جنوب إيران، وأصرت البحرية الأميركية على أن «التقارير الإيرانية بأن الطائرة كانت فوق إيران زائفة»، وادعت أن إسقاط الطائرة تم في المجال الجوي الدولي فوق مضيق هرمز، وكالعادة في مثل هذه الأزمات الدراماتيكية، لا يمكن الجزم واليقين بمعرفة حقيقة ما حدث بين المزاعم والمزاعم المضادة، خاصة في إسقاط الطائرة المسيرة (آركيو- 4 غلوبال هوك) والتفجيرات التي استهدفت ناقلتي النفط في خليج عمان، فلا جدال أن إيران تصرفت بطريقة استفزازية لكنها في المقابل استفزت أميركيا، إذ لم يكن ممكنا تجاهل نشر 2500 جندي أميركي وحاملة طائرات ومقاتلات (بي-52) وأنظمة باتريوت، ومع كل ذلك يزعم الطرفان أنهما لا يريدان الحرب مع التشديد على رفض الإهانة والاستخفاف والاستعلاء.

 
الحبكة الدرامية المثيرة في سيناريو الأزمة وقرار الحرب فالسلم في البيت الأبيض تناولته ببراعة صحيفة «الواشنطن بوست» عندما أعلن ترمب بنفسه بأنه اعطى مسؤولي البنتاغون الأوامر للتحضير لـ «ضربات عسكرية» ضد ايران لكنه استدعى كبار مستشاريه إلى المكتب البيضاوي مساء الخميس وبدأ بطرح اسئلة حساسة قبل دقائق من بدء العملية، وحسب الصحيفة فإن قرار ترمب التراجع جاء تتويجاً لـ 24 ساعة محمومة ومليئة بالاضطرابات والتناقضات والحيرة لدى الكونغرس والقلق الواضح في اوساط خبراء الأمن القومي من أن الإدارة قد تنزلق عن غير قصد إلى صراع دامٍ في الشرق الأوسط لطالما وقف ترمب ضده.
 
في سياق اكتمال المشهد الدرامي تحدث الرئيس الأميركي عن كواليس تلك الدقائق المثيرة في مقابلة مع شبكة «إن بي سي نيوز» الأميركية قائلا: «كانت الطائرات على وشك الإقلاع، وكنا على وشك أن تصبح الأمور خارج نطاق السيطرة، حيث لن يكون هناك مجال للتراجع عن الهجوم»، وتابع «كان الجميع ينتظر الضوء الأخضر، وكنت على وشك أن أصدر قرارا بشن الهجوم»، واستطرد «لكني في اللحظة الأخيرة سألت أحد الجنرالات، أود أن أعرف حقيقة شيئ ما قبل أن تذهبوا، كم من الناس سيقتلون»، وأردف «أجابني قائلا: قرابة 150 شخصاً سيقتلون»، ومضى قائلا «فكرت في الأمر لثانية واحدة، وقلت لنفسي: لقد أسقطوا طائرة من دون طيار، أو أي ما تريد تسميتها، وسنقتل في مقابلها 150 شخصا أو أكثر في أقل من نصف ساعة، ولم يعجبني الأمر، واعتقدت أنه سيكون رداً غير متناسب».
 
يبدو ترمب في هذه الحبكة الدرامية المثيرة رجلا عقلانيا حكيما وبطلا رحيما، لكن الحقيقة أن ترمب هو نقيض تلك الصفات، فهو مقاول براغماتي مراوغ بارع في عقد الصفقات التجارية وفق حسابات باردة للكلفة والمنفعة، إذ يحتفظ سجل قراراته بعمليات قتل موثقة من قبل الأمم المتحدة خارج نطاق القانون لأطفال ونساء ورجال في بلدان تفتقر إلى السيادة تحت ذريعة «حرب الإرهاب» كما يحدث في أفغانستان واليمن والصومال، فضلاً عن تدميره مدناً بأكملها كالموصل في العراق والرقة في سوريا، وكمقاول فإن ترمب يدرك أن تلك البلدان تفتقر إلى إرادة الرد بل إنها تساعده في تلك الجرائم، الأمر الذي يختلف مع حالة إيران التي تمتلك القدرة على الرد وتربك حسابات ترمب.
 
ومع ذلك فإن قرار دونالد ترمب التوقف في اللحظة الأخيرة عن ضرب إيران يعد أول قرار حكيم يتخذه في رئاسته، حسب مقال روجر كوهين في صحيفة «نيويورك تايمز»، إذ يقول كوهين: إن «ترمب الاستعراضي وضع نفسه في مأزق من خلال التفاخر والكذب، ومزق الاتفاقية النووية ليقول لاحقا إن هدفه هو منع إيران من الحصول على القنبلة النووية، وهو ما حققته الاتفاقية، فهو بلطجي، وكل ما يهمه هو التمسك بالسلطة، والحفاظ على إمبراطوريته المالية، وهذه النزعات تتجاذب في الاتجاهات المضادة كلها وتخلق الفوضى».
 
في هذا السياق يخضع الأمر برمته لحسابات الكلفة المنفعة الفجّة، فالسياسة الأميركية البراغماتية تدرك أن إيران قادرة على خلق مشاكل عديدة لأميركا في المنطقة وأن كلفة مواجهة إيران باهظة جدا كما أن أميركا تفتقر إلى قدرات فعلية على الأرض في العراق وسوريا قادرة على الحد من النفوذ الإيراني وبحسب نيكولاس هراس من مركز الأمن الأميركي الجديد: «إنه ومن أجل مواجهة إيران أو تحجيم نفوذها ربما تجد نفسك قد انزلقت إلى صراع قد يؤدي إلى تدمير الاقتصاد العالمي فهل الرأي العام الأميركي أو حلفاؤنا على استعداد للتحمل؟».
 
بعيداً عن الحكمة الأخلاقية تستند المواجهة المحتملة بين أميركا وإيران إلى حسايات الكلفة/ المنفعة الباردة، فثمة شبه إجماع على أن أميركا لا تتوافر على استراتيجية شاملة للحد من التمدد الإيراني في المنطقة، وهي مسألة عابرة للإدارات الأميركية للافتقاد للإرادات الباعثة على اتخاذ قرارات المواجهة مع إيران فالوجود الإيراني يقدم بطرائق عديدة خدمات مجانية لأميركا وهو لا يشكل تهديداً فعلياً للولايات المتحدة، وإن كان يشكل إزعاجاً لحلفائها في المنطقة، ورغم انزعاج حلفاء أميركا من السلوك الإيراني إلا أن أميركا لم تقم بأي محاولة جدية للحد من النفوذ الإيراني بل إن سياسات أميركا في المنطقة هي التي ساهمت في تمدد النفوذ الإيراني.
 
إن كلفة حرب محتملة مع إيران في المنطقة لا يمكن احتمالها، وكلفتها باهظة جدا، وقد تكشفت مغامرة الحرب الأميركية على العراق 2003، عن نتائج كارثية على الولايات المتحدة، فرغم إسقاطها نظام صدام حسين بسهولة فائقة في إطار الحرب الكلاسيكية، برهنت المقاومة العراقية على قدرتها على إلحاق هزيمة منكرة بأميركا في سياق الحروب اللامتماثلة، وأجبرتها في النهاية على الانسحاب، فقد أسفرت ثمان سنوات من الاحتلال الأميركي للعراق عن خسائر بشرية ومادية جسيمة، حيث قتل (5000) جندي أميركي وأصيب (35000) جريح، وقدرت خدمة أبحاث الكونغرس الكلفة المالية المباشرة للحرب على العراق لوحدها بأكثر من 823 مليار دولار، وقدرت الكلف المادية غير المنظورة بأكثر من 3 ترليون دولار»، فضلا عن الخسائر الهائلة في صفوف حلفائها.
 
إن قرار خوض حرب أميركية مع إيران سوف يكون كارثياً ولا أفق له سوى الدمار، فمن جهة تفتقر أميركا إلى حلفائها الأوروبيين باستثناء بريطانيا التي تتبعها في دوما، ومنظومة حلفائها في المنطقة يملكون الكلام وما تبقى من مال، وأحد نتائج أي حرب في المنطقة تنامي «الإرهاب»، ولن يستغرق تنظيم «الدولة الإسلامية» وقتا بإعادة بناء «خلافه» ممتدة من الموصل إلى حلب، ولذلك تساءلت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية عن السبب وراء امتناع ترمب عن ضرب إيران، وقالت بمستهل إجابتها إنه يرغب في حل سلمي وإن نهجه المتشدد الذي اتبعه تجاه طهران توارى ليحل محله تعهده بإبعاد بلاده عن الصراعات المكلفة في الشرق الأوسط، وأوضحت أن ترمب أعاد، من ناحية، المواجهة الأميركية ضد إيران وحشرها في زاوية ضيقة وشل حركتها بعقوبات قاسية نفّرت حلفاء أميركا الأوروبيين من واشنطن، ومن ناحية أخرى، يكون قد نفذ تعهده الانتخابي -وهو من منتقدي حرب العراق منذ فترة طويلة- بتخفيف التدخل الأميركي المكلف الذي استمر عقودا بمنطقة الشرق الأوسط.
 
كشفت تطورات الأزمة الأميركية ــ الإيرانية الراهنة في ظل تصاعد استراتيجبة «الضغوط القصوى» أميركا عقب انسحاب ترمب من «الاتفاق النووي» وإعادة فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، وصولاً إلى إدراج «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، عن منطق المواجهة وحدود سياسة «حافة الهاوية» وطبيعة وماهية «المعارك المستقبلية» في حال اندلاعها، ومرتكزات الاستراتيجية الإيرانية للأمن القومي التي تقوم على نمط «الحروب اللامتماثلة» بالاعتماد على قدرتها الصاروخية، وجيش ظل «الحرس الثوري» الذي يديره «فيلق القدس» المكون من مليشيات شيعية ممتدة جعرافيا ومترابطة عقديا ومتنوعة ديمغرافيا، تتبع إيديولوجية «ولاية الفقيه» وتنفذ رؤيته واستراتيجيته، فملامح الاستراتيجية الإيرانية بالرد تأتي عن طريق شبكة محكمة من المليشيات الخارجية التي تعمل بنمط هجين من المركزية واللامركزية، حيث مركزية قرار الولي الفقيه، ولا مركزية تنفيذ المليشيات الشيعية المسلحة، حيث تتابعت سلسلة من الهجمات المتنوعة في مناطق مختلفة جغرافيا وبطرائق متعددة عسكرياً.
 
خلاصة القول أظهرت إيران عقب تصاعد حدة الأزمة مع الولايات المتحدة والاقتراب من حافة هاوية الحرب، على ثبات إرادتها وقدرتها على جعل كلفة الحرب باهظة، عبر قدراتها الصاروخية، وعن طريق جيش الظل المكون من شبكة مليشياتها الممتدة في العراق وسوريا وغيرها من المناطق، وبرهنت الأسابيع الماضية على قدرة إيران على المناورة وفق استراتيجية الحرب اللامتماثلة ومنطق حروب العصابات، وإذا كانت الولايات المتحدة وحلفائها تتفوق في الحروب التقليدية بصورة حاسمة، فإن إيران تتمتع بميزة الحروب الهجينة اللامتكافئة، وهي ميزة طورتها إيران خلال العقود الثلاثة الماضية عبر جيش الظل الذي يقوده قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، وهو جيش بات ركيزة أساسية في عقيدة الأمن القومي الإيراني، ويستند إلى عقيدة قتالية ملتزمة بمرجعية الولي الفقيه في طهران، ومستعد لخوض حروب الوكالة المحتملة دون تردد.