Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Aug-2018

مخيم ضانا الإبداعي الثالث - د.صلاح جرار

 الراي - مخيمات الإبداع التي تنظمها وزارة الثقافة في مواقع مختلفة من المملكة سنويا ليس الهدف منها التسلية والترفية، بل إن لها فوائد جمة، فهي توطد العلاقة بين المبدع والمكان ولاسيما إذا كان هذا المكان يحمل رمزية ودلالات خاصة تلهم المبدع في إبداعه، سواء أكان هذا المبدع فنانا تشكيليا أم موسيقارا أم مسرحيا أم مصورا أم أديبا أم غيره، من خلال تفاعل هذا المبدع مع تفاصيل المكان وطبيعته وملامحه وتاريخه ودلالاته الوطنية والثقافية والتاريخية والإنسانية.

إن حاجتنا لتعزيز علاقة الإنسان بالمكان حاجة ماسة وضرورية للحفاظ على وجودنا وهويتنا ولاسيما في هذا الزمان الذي أضحت فيه أوطاننا ومقدراتنا وثقافتنا وتراثنا مهددة من قبل الدول الطامعة والشريرة، وإن معايشة المكان ومعاينة تفاصيله الصغيرة والكبيرة والتأمل في أسراره الجمالية وعمقه التاريخي والإنساني تفضي إلى مزيد من التعلق به والاستماتة في الدفاع عنه والحفاظ عليه.
ولأن المبدع أقدر من غيره من الناس العاديين وسفيرا بين المكان من جهة وعقول الناس وقلوبهم من جهة أخرى، ولا بد أن تتاح له فرص التعبير عن المكان وتصويره من خلال اللوحة والمنحوتة والصورة الفوتوغرافية والقصيدة والخاطرة والقصة القصيرة والأغنية والمعزوفة الموسيقية والعمل المسرحي وغير ذلك.
أقول ذلك بعد مشاركتي في أعمال مخيم ضانا الإبداعي الثالث الذي نظمته مديرية ثقافة الطفيلة لمدة ثلاثة أيام متتالية من الأسبوع الماضي، فقد حقق هذا المخيم نجاحا ملموسا ومتميزا عندما تمكن نحو ثلاثين من الفنانين التشكيليين من الأردن والدول العربية الأخرى أن يرسموا انطباعاتهم وتداعيات المكان في نفوسهم في لوحات بديعة فائقة الجودة عبرت عن روعة محمية ضانا وقريتها التراثية ومحيطها الخلاب بما جعل دهشة المكان ودهشة المبدعين تتجلى في لوحاتهم.
خرج الفنانون المشاركون كلهم ومعهم مصورون بارعون من تلك التجربة بانطباعات فريدة كان تقرأ في نظراتهم وفي تعبيراتهم وعباراتهم وإعرابهم عن رغبتهم الصادقة والشديدة بالعودة إلى ذلك المكان مرات أخرى، كما تجلت تلك الانطباعات في لوحاتهم التي كانت تنبض بالمحبة والدهشة.
وقد زاد من إعجابهم بالمكان أن مخيم الرمانة الذي أقام فيه المشاركون يطل على جبال فلسطين ومدنها الجنوبية كما يطل على الطرف الجنوبي للبحر الميت وعلى قرية ضانا التراثية وعلى جبال وأودية ساحرة تتلفع ليلا وفجرا بضباب أخاذ، وقد صادف في الليلة الأخيرة من تلك التجربة الفريدة حدوث حالة خسوف نادرة في القمر، فراقب المشاركون الخسوف بمناظيرهم وآلات تصويرهم ولم يفتهم تسجيل ذلك كله في أعمالهم الإبداعية.
إن مثل هذه التجربة تزيد من فاعلية التخيل لدى المبدع والإحساس بأهم شروط الإبداع وهي الحرية والتأمل وصفاء الذهن والتركيز في أجواء من الجمال والروعة.
ولم يكن لمثل هذه التجربة أن تتكلل بالنجاح الباهر لولا دقة التنظيم ولولا المتابعة الدقيقة من كوادر وزارة الثقافة وكوادر مديرية ثقافة الطفيلة على وجه الخصوص الذين لم يدخروا جهدا في توفير كل ما يلزم المشاركين لإطلاق إبداعاتهم وتحقيق الأهداف المنشودة من إقامة المخيم.
ونظرا لأهمية مثل هذه المخيمات فإنني أدعو وزارة الثقافة إلى إيلاء هذه الأنشطة مزيدا من العناية والرعاية والاهتمام.