Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jul-2017

المُطلق الهيجلي على حصانه - ابراهيم العجلوني
 
الغد- لم تَحُلْ ميتافيزياء ارسطو دون عنصريته حين أقام سياسته على الفوارق ما بين سيد وعبد، ويوناني وبربري، كذلك لم تَحُلْ منهجية هيجل الشمولية دون قراءته العنصرية للحضارات الانسانية ولا سيما حضارة الاسلام.
 
وعلى الرغم من هذا التناقض في فكر هذا الفيلسوف الفذ الذي كان ديالكتيك الفكرة عنده تخريجاً فلسفياً لثالوث مجمع نيقية اللاهوتي (325للميلاد) الا انه لم يكن يملك اغفال اثر الاسلام في تطور الروح الانسانية وان كان يستشعر قارئ كتابه: «دروس في تاريخ الفلسفة» انه ينتزع الشهادة للإسلام من بين أسنانه انتزاعاً..
 
يقولُ مثَلاً: إن الإسلام حطّم كل خصوصية وارتهان وطهّر الروح والطبع جاعلا من الواحد الاحد موضوع الانتباه والتفاني المطلق، ويجاوز الإله اليهودي الحصري الى (ربّ العالمين) وانه «حرّر الفكر من هذه الخصوصية اليهودية التي أعاقت الروح عن ادراك حقيقتها الكونية المجرّدة».
 
وفي التفاتة بالغة الدقة والذكاء الى معنى خلافة الانسان في الارض بحسب المفهوم القرآني يقول هيجل ان كل شيء في الاسلام «مقدر له ان ينمو ويتطور بالنشاط الحي الى ما لا نهاية في رحابة الكون اللامحدود، ولا شيء يجمع او يربط هذا العدد الهائل من الانشطة والعلائق سوى عبادة الواحد» (سبحانه تعالى)..
 
ونحن نرى هنا ان لو تفكر هيجل في قوله تعالى «كل يوم هو في شأن» وقوله جلّ وعلا: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم» لأمكن له فهمٌ أعمقُ وابعد مدى لتواصل الايجابية الفاعلة والتجديد السديد اللتين ينبغي للمسلم تحقيقهما بصفتهما برهانين على الامتثال للتعليم القرآني.
 
ان من شأن المؤمن الذي يتخلق بأخلاق الله ومن يتمثل اسماءه الحسنى وصفاته العليّة ان يكون هو – وبمقتضى هذا التمثل – (كل يوم هو في شأن) وهذا هو حافزه الاكبر على التجديد، والابداع، والمبادرة ودفع الكسل والتهيب عن ارادته.
 
ثم ان هيجل كان معاصرا لنُخبٍ ألمانية لها لون اطلاع على الاسلام وتاريخه وآدابه، ولبعضها اعجاب معلن به (جوته مثلا) وليس بمستغرب في ضوء ذلك، ان يقول: «ان نبالة الشعر وحرية المخيلة الاسلامية هما اللتان اوقدتا ما يماثلهما عند الجرمان، وهذا ما جعل جوته يوجه انتباهه نحو الشرق (ديار الاسلام) وينظم في ديوانه «الديوان الشرقي للشاعر الغربي» – وقد ترجم مرتين الى العربية – دُرراً غنائية مستلهمة من الشرق لا يُضاهيها شيء في الحرارة والخيال».
 
لقد كان للنخب الاوروبية توجه واضح لدراسة الاسلام، وكان ذلك على اشده في اعقاب حركة الاصلاح الديني التي تاثرت بالاسلام تأثرا بالغا، ولكن الاستشراق الصهيوني/الاستعماري غَلَّبَ بتوجهاته المغرضة الحاقدة على هذا التوجه النزيه (العلمي) على نحو ما جاء في كتابيْ ادوارد سعيد: «الاستشراق» و»تغطية الاسلام» ثم اظلّتنا العولمة او «الاستعمار الجديد» بظلال ثقيلة كئيبة، وتغشّت واقعنا منها ظلمات كثر الخفافيش فيها كما كثرت الكائنات الرمادية التي لا نكاد نتبين من ملامحها الا ما تضاهئ به المستعمرين او تتماهى به معهم فكرا وهيئة وسلوكا..
 
***
 
لقد اضطر هيجل فيما نعتقد الى شيء من الموضوعية في حديثه عن الاسلام، بسبب من اهتمام النخب الالمانية الجاد به آنذاك، ولكنه تغافل عنه في سياق رؤيته الشمولية (!) لما يسميه تطور الروح في التاريخ وقفز عن حضارته قفزَهُ عن حضارات انسانية أُخرى ليستقر عند «اللحظة الجرمانية» التي انتهى اليها، بحَسَبِهِ تطورُ المطلق.
 
***
 
على اننا لا نتوقع من هذا الفيلسوف اللاهوتي شيئا وراء ما انتهى اليه.
 
وكيف نتوقع قراءة نزيهة (موضوعية) لتاريخنا العربي الاسلامي من رجل لم يتورع عن القول حين رأى في مدينة «يينا» الالمانية (نابليون) المجرم التاريخي الذي قتل ما قتل من العرب والمسلمين، ولا سيما اهل يافا الذين غدر بهم بعد اعطائهم الامان، وقتل منهم على شاطئها ثلاثة آلاف إنسان دفعة واحدة، ان يقول: «لقد رأيت «المطلق» على حصانه»
 
وكان هيجل حين قال ذلك يتلمس مواضع الكدمات التي تلقاها من جنود «مطلقه» بعد ان تضرع اليهم ان لا يهينوا شيخوخته او يمرغوا كرامته في التراب.
 
***
 
لقد آن أوان تحررنا من انبهارنا بمثل هؤلاء الفلاسفة اللاهوتيين. وبغيرهم من منظّري الاستعمار ومبشّريه في الارض. وذلكم هو اول علائم احترام الذات فيما يقرره العقل وتقتضيه الكرامة.