Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Nov-2017

الباحث! - د. لانا مامكغ

الراي -  دخلَ صالون الحلاقة بعد أن ضمنَ خروجَ آخر الزّبائن.. حيّا الرّجلَ وهو يتحسّسُ الشّعيرات البيضاء على جانبيْ صُدْغِه وفي شاربِه ليقول: «المعلوم لو سمحت!» بعد مدّة، خرجَ من المكان بشعرٍ وشاربٍ داكنيْن بلون الليل.. وكان أوّل ما فعله لمّا وصلَ البيت هو مناداة ابنه الشّاب ليطلبَ منه فتحَ « اللابتوب « سريعاً وهو يقولُ وقد قطّبَ جبينَه: «عندي ورقة عمل في مؤتمر الغد... افتح ملف المؤتمرات السّابقة؛ يعني مشاركاتي القديمة في التّسعينات.. اذكر لي العناوين الرّئيسيّة فقط».

وبدأ الشّابُ يقلّبُ فيما وجده ليقول: البيئة وتحدّيات المستقبل.. استراتيجيّات السّلام في الشّرق الوسط.. الصّناعة المحلّية وتحدّيات العولمة.. التّنمية المستدامة وتحّديات الفقر.. تحدّيات سوق العمل.. أزمات المرور بين الواقع والمأمول.. استراتيجيات التّطوير الإداري.. حقوق المرأة بين مطرقة التّشريع وسندان... هنا رفع رأسَه عن الشاشة ليسأل: «شو يعني سندان؟ ولا هي سنديان؟»
وبدا سارحاً مستغرقاً في التّفكير، فلم يجبْه عن سؤاله، ليطلبَ منه بسرعة سحبَ الورق المتعلّق بالتّطوير الإداري.. ثمَّ ليأمره لاحقاً بنسخِ مقدّمة البحث وإدماجها مع الورقة الأخرى التي تبحثُ في تحدّيات سوق العمل!
وهكذا، اكتملت لديه ورقة جديدة سمّاها: «أثر الواسطة والمحسوبيّة في الفساد الإداري.. «ثمَّ عادَ إلى توصيات المؤتمر السّابق.. وجعلَ منها خاتمة للبحث!
في صباح اليوم التّالي، أسعدَه للغاية أنَّ صورتَه تصدّرت أحدَ الأخبار المتّصلّة بالمؤتمر وتسميتَه متحدّثاً رئيسيّاً فيه.. فاستعدَّ للخروج بحماسة؛ ومضى إلى المكان بكاملِ أناقته، ليتعمّدَ الجلوسَ في الصّف الأوّل حتى يكونَ على مرمى الكاميرات وعدساتِ المصوّرين ووسائل الإعلام!
استمعَ بضجر إلى جلسةِ الافتتاح وكلمات المنظّمين إلى أن جاء دورُه أخيراً، فقرأ الورقةَ التي أعدّها متعمّداً التّلويحَ بيدِه عند الفقرات التي رآها مؤثّرة.. ثمَّ ليضعَها جانباً بعد انتهائه من القراءة، فيرتجلَ بضعَ جُمَلٍ وهو يُّركزُ نظراتِه في الحضور قائلاً بصوتٍ حازمٍ مؤثّر إنَّ لا سبيلَ لأيّ تطويرٍ إداري إلا بالقضاء المُبرم على ثقافة الواسطة والمحسوبيّة لإنصاف الكفاءات الحقيقيّة وفتحِ الآفاق أمامَ المتميّزين حتى نسموَ ببلدِنا الغالي إلى مصافِّ الدّولِ المتقدّمة..
انتهت الجلسة، فتوجّه المشاركون إلى قاعةٍ قريبة لتناولِ وجبة الغداء، فأسرعَ ليتّخذَ مقعدأً له قربَ أحدِ كبارِ المسؤولين، تبادلَ معه بعضَ عبارات المجاملة مؤكّداً على تميّزِه وإنجازاته وبأنّه الرّجلُ المناسب في المكانِ المناسب.. وأنَّ القوسَ أُعطيت باريها أخيراً!
قامَ المسؤولُ أخيراً مستاذناً بالمغادرة، فقامَ وراءه لمرافقته دونَ أن يتوقّفَ عن كيلِ عبارات المديح والثّناء والإطراء.. عند الباب، أخرجَ من جيبه ورقةً مطويّة بعناية ليقولَ له هامساً: «سيدي، هذه السّيرة الذّاتيّة لابني... تخرّج مؤخّراً ومعدّله الجامعي مش تمام بصراحة، يعني كلّك نظر.. ربّي يديمك سيدي وتاج راسي، دبّره بمعرفتك.. االله يعلّي مراتبك!»