Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Aug-2020

رحيل إبراهيم القاضي... «أبو الفنون» الهندية وجسر التواصل

 

الدمام - الشرق الاوسط-  ميرزا الخويلدي - بعد مسيرة حافلة بالفنّ، مسرحاً وسينما وفنّاً تشكيلياً، توفي في الهند الاثنين الماضي، المخرج المسرحي الهندي (السعودي الأصل)، إبراهيم حمد علي القاضي، ‬ الذي وافته المنية عن عمر يناهز 95 عاماً، ووري الثرى بعد الصلاة عليه في مومباي.
 
عمل مبكراً على تأسيس الفنون في الهند، وأصباح رائد الإنتاج المسرحي وعملاق الأدب الهندي، وألف وأخرج أكثر من 50 مسرحية، وعد أول من قام بتنفيذ مسرحياته في الهواء الطلق، وحققت أبحاثه الأكاديمية نتائج عملية انعكس صداها في مجال التصميم والإخراج المسرحي. كما أسس منظمات تعنى بالفنون وتنمية المواهب، وأشرك كبار الممثلين الهنود في مسرحياته، وبعضهم بدأ مسيرته معه عبر مسرحه. وفي المحصلة، فقد ترك أكبر الأثر في تأسيس أهم حركة مسرحية عرفتها الهند وتتلمذ بعض أهم روّاد بوليوود على يديه حين دراستهم في مدرسة «الدراما الوطنية» التي أسسها وأدارها لخمسة عشر عاماً، ولذلك استحق إبراهيم القاضي بجدارة تبجيل العاملين في سلك المسرح والسينما الهندية (بوليوود).
 
وقد كان للقاضي الفضل الأكبر في إحداث نقلة تاريخية في التراث الفني للهند، تأتّى ذلك من مزيج الثقافات التي اطلع عليها ودرسها وقطف أينع ثمارها عائداً بها للهند كالإنجليزية واليونانية. وقد كانت للثقافة العربية الحظ الأوفى، إذ تعلّم القاضي اللغة العربية بالإضافة إلى العلوم الإسلامية على يد معلّم عربي عاش في منزلهم في مدينة بونا في الهند. كما عكف على قراءة الكتب العربية من مكتبة والده يتدارسها ويختار منها ما يمكن ترجمته لأعمال مسرحية تناسب الثقافة الهندية.
 
تعود قصة إبراهيم القاضي، ابن الرحالة التاجر الذي خرج من مدينة عنيزة، إلى مطلع القرن الماضي، حين هاجر والده من مدينته عنيزة في وسط السعودية، إلى القارة الهندية، حيث أرسله أعمامه إلى بومباي في الهند للبحث عن العمل والاستثمار، وبدأ حياته بالعمل لدى أحد أفراد عائلة البسام في تجارة الشاي قبل أن يشق طريقه في تجارة الشاي والأقمشة وغيرها. وقد استقر في الهند وفيها ولد ابنه إبراهيم في مدينة «بونا» التي تبعد ما يقارب 150 كيلومتراً عن مدينة بومباي عام 1925.
 
نشأ إبراهيم في مدينة بونا، ثم انتقل إلى بومباي للدراسة في كلية خافيير وفيها تعرف على سلطان بادامسي وهو أحد أساطير المسرح الهندي وكان هذا أحد أهم الأسباب لانخراط إبراهيم في مجال الدراما والمسرح ومن ثم تزوج إبراهيم بأخته. وفي عام 1947 ذهب إلى إنجلترا لدراسة الفن، ودرس في الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية، حيث تلقى تدريباً في مسرح معترف به من قبل الجامعة البريطانية للعمل الدرامي ثم حصل على جائزة استحقاق من «بي بي سي» عام 1950.
 
وجهت له وزارة التعليم الهندية دعوة للإشراف على تأسيس وإنشاء الكلية الوطنية للدراما التي أصبحت فيما بعد تقدم شهادات وتدريباً لمدة ثلاث سنوات على مختلف فنون العمل المسرحي وجذبت طلاباً من مختلف أنحاء العالم وساهم إنتاج الكلية في الثورة الثقافية في العاصمة دلهي وتأسيس مسرح وطني حقيقي. وحظيت مسرحياته بحضور شخصيات مجتمع بارزين أمثال رئيس الوزراء الهندي وزوار الدولة من رؤساء حكومات ومشاهير العالم، وقد أشرك كبار الممثلين الهنود في مسرحياته وبعضهم بدأ مسيرته من مسرحه. ويعود له الفضل في تأسيس أهم حركة مسرحية عرفتها الهند. ويُعتبر المؤسس الحقيقي للمسرح الهندي بشكله الأكاديمي الراقي المتطور، وعندما يذكر المسرح الهندي يرِد اسم القاضي مباشرة على أذهان السامعين حيث ألف وأخرج أكثر من 50 مسرحية لم يمل المشاهدون من حضورها ولم ينسوها رغم مرور الوقت، وقد تتلمذ على يديه أكبر المخرجين والممثلين في الساحة الدرامية والسينمائية والمسرحية في الهند.
 
وكما نجح في المسرح، حقق نجاحاً باهراً في السينما، التي انتقل إليها وقد استحق إبراهيم القاضي بجدارة تبجيل العاملين في السينما الهندية «بوليوود» وتتلمذ بعض أهم روّاد «بوليوود» على يديه حين دراستهم في مدرسة الدراما الوطنية التي أسسها وأدارها لخمسة عشر عاماً.
 
عمل القاضي مديراً للمدرسة الوطنية للدراما في نيودلهي لمدة 15 عاماً، ثم أسس «مؤسسة القاضي» في عام 2006 التي تعنى بدراسة تاريخ الثقافة الهندية والحفاظ على إرثها. وحاز على جائزة «أكاديمية سانجيت ناتاك» مرتين، وهي أكاديمية وطنية هندية تعنى بالموسيقى والرقص والدراما، حيث حاز على الجائزة في المرة الأولى عن فئة العمل الإخراجي في عام 1962، ثم نال في المرة الثانية الجائزة الأهم التي تقدمها الأكاديمية، وهي جائزة «الزمالة»، وذلك عن مساهمته على مدى حياته في خدمة المسرح والعمل من أجله.
 
وكان وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، قد أعلن في مايو (أيار) 2019 من نيودلهي عن تأسيس «كرسي إبراهيم القاضي»، احتفاءً وتقديراً لإسهامات الفنان إبراهيم القاضي الفنية والإبداعية.
 
وقال وزير الثقافة السعودي إن «الأعمال الرائدة التي قدمها إبراهيم القاضي فتحت آفاقاً واسعة في مجالات المسرح والفنون في دولة الهند، وأنجبت جيلاً مميزاً من الفنانين»، مضيفاً أن «القيم الشخصية التي حققها الفنان في المشهد الفني الهندي، إضافة إلى التزامه المستمر في تعليم الآخرين وتنمية مهاراتهم الثقافية، تجد تقديراً بالغاً في المملكة العربية السعودية».
 
وكرمه مهرجان أفلام السعودية، الذي يقام في الدمام في دورته الثانية (2015) لأنه «حقق أحد الأهداف السامية وهي تبادل الثقافة بين الحضارات، فقد كان القاضي صلة وصل بين الحضارة الهندية العريقة، مع الحضارة العربية، وبالذات في كونه سعودي الأصل»، وبهذه المناسبة تم إصدار كتاب وفيلم وثائقي لحياته الفنية تحت عنوان «إبراهيم القاضي... جسرٌ بين ثقافتين».
 
كما منح وسام «بادما فيبوشان» عام 2010. وهو ثاني أعلى وسام مدني تمنحه الحكومة الهندية، وجائزة فارس الفنون والكتابة من السفارة الفرنسية.