Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-Jul-2017

أطباق وأطباع - سليم ايوب قونة
 
الراي - عندما ترتفع درجات الحرارة في الصيف كما هو حاصل هذه الايام فقد تفسد بعض الاطعمة التي يجب ان تحفظ بدرجات حرارة مناسبة لمكوناتها الغذائية الكيميائية حتى لا يكون مصيرها حاوية القمامة. لكن ماذا يفعل الاصدقاء عندما يشعرون ان درجة حرارة علاقاتهم أو صداقاتهم ببعض الناس بدأت بالتذبذب، ترتفع صباحا وتهبط مساء بلا سابق تحذير؟ وكيف يمكن التخلص من تبعات هذه العلاقة بحجة تطبيق مبدأ « الاختلاف لا يفسد للود قضية « ؟
 
لو سمح قيس في مسرحية «مجنون ليلى» مثلا للخلاف ان يطغى لماتت قضيته ولما استمر حبه لليلى ومعاناته. ألم يتساءل الشاعر أحمد شوقي على لسان هذا «المجنون» عن الذي اضحك العامريات بقوله :
 
ما الذي اضحك مني الظبيات العامرية ؟ ألأني من اتباع علي وليلى أموية ؟
 
لكن بحنكة الملهم ورجاحة العقل وليس الجنون، توصل كلاهما شوقي وقيس، للحل وهو: ان اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية!
 
فأنت اذا اعتمدت هذا الشعار واتخذته نبراسا لك فأنت مراوغ بارع تمارس الدبلوماسية في أبهى صورها، وانت أيضا انسان واقعي براغماتي تعرف حدودك التي تفصلك عن العالم الخارجي.
 
مشكلة كثير من الصداقات انها غير متكافئة لأنها في الاصل قد تكون مبنية على أسس غير متجانسة. فالصداقة الناجحة اشبه بنبتة قابلة للنمو ومن ثم العطاء اذا ما توفرت لها الظروف الملائمة. لكن يحدث الخلل عندما تجد ان أحد الطرفين يستغل صداقته مع الطرف الاخر، ماديا او معنويا، لأن هذا الاخير ما هو الا ضحية وهم انه الطرف الاقوى في المعادلة.
 
قد تأتي العلاقة بين طرفين على شكل صداقة أو زواج أو شراكة أو رفقة طريق وسفر مؤقتة. حتى علاقتك ببائع الخضار أو صاحب اية مهنة كالسباك أو الميكانيكي هي عقد شفوي مؤقت لتبادل منفعة محددة.
 
ما يحدث احيانا ان احد طرفي هذا العقد او التفاهم يسعى لزيادة مكتسباته متغافلا عن حقوق الطرف الاخر، فينشب النزاع ويقع الخلاف الذي يفسد فعلا للود قضية!
 
لهذه العلاقة القائمة على استغفال فريق للفريق الاخر تعريف مرادف أكثر غموضا وخبثا يمارسه الطرف الاول بتحريك الطرف الثاني في اتجاه معين ومحدد. وهذا من أسوأ انواع الروابط والعلاقات بين الناس لأن الطرف الذي يتم تحريكه كدمية لا يدرك تماما ما يحصل، أو اذا كان مدركا فهو غير قادر على رفع الراية الحمراء في اللحظة المناسبة لأكثر من سبب.
 
كحالك تماما كثيرة هي المناسبات التي وضعتني وانا بكامل وعي في موقف المجنون «قي» من ليلاه حيث رجحت كفة الالتفاف حول الاختلاف لكي لا أخسر قضيتي. وكثيرة هي المواقف أيضا التي مارست فيها حقي في توضيح الرأي ورفع الراية الحمراء حتى قبل محاولة التحريك والايحاء المباشر فخسرت قضيتي.
 
لكنها قليلة جدا ومعدودة المناسبات التي اشتممت فيها رائحة الاستغلال والانتهازية والتحريك فأخمدتها في مهدها ولم اترك للاختلاف ان ينهض بيني وبين الفريق الاخر، لأنني في تلك الاوقات الحرجة تذكرت مقلبا في خاطري ما قاله في عصر الجاهلية الشاعر طرفة بن العبد :
 
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
 
مثلك ايضا اكتشفت متأخرا ان الناس مثل أطباق الطعام. فبعض الاطعمة ومهما لمع الصحن الذي وضعت فيه لن يصلح من أمرها الا حاوية!