Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Nov-2019

السيجارة.. نحرقها بأموالنا وتطفئ لظاها في قلوبنا*محمد عبدالجبار الزبن

 الراي

في شهره الثاني عشر وقد كاد سعيد ينتهي من حبوته إلا أنه كان كثير الآلام والبكاء، ولم يكن يعلم أبواه في مطلع السبعينيات من القرن العشرين بأن سعيدا سيبقى طوال عمره مقعدا لأن فيروس شلل الأطفال لم يكن قد تعرف الناس عليه.
 
وفي أواسط السبعينيات هُرعت وزارة الصحة الأردنية في تثقيف الآباء والأمهات بضرورة التطعيم، وبذلك ينتهي من الأردنّ المرض الثالث العضال، فقد غادرَنا الكوليرا والسلّ حيث لا رجعة.
 
لم تكتمل الفرحة ففي عام 1978م تبيّن أنّ الهيشة التي يتعامل معها كبار السنّ من الرجال وقليل جدا من النساء أنها تسبب مرضا خبيثا لا يبقي ولا يذر، وجحيمه شرّ مستطير، ولا يفرق بين غني ولا فقير ولا كبير ولا صغير، مَن أصيب به يتمنى الموت الزؤام على انتظار العلاج الكيماوي في الظلام... إنه السرطان، ولا عجب!!، فقد جاء مع السيجارة يحميها وتحميه، وتحصد الملايين من جيوب الفقراء وهو يُجهز عليهم على حين غِرةٍ، ولات حين مَندمِ.
 
وفي مطلع الثمانينيات انتبهت شركات التصنيع للدخان، وأنها أصبحت ملاحقة قانونيا، فأشار عليها مَن أشار: عليكِ أن تبرئي نفسَكِ وتقدمين العون للمساكين المدخنين، وعليك أن تتبعي الرشاد وتبتعدي عن الزيغ والضلال. فجاء السؤال من الحيرى: ماذا نفعل؟ أرشدونا أيها القانونيون، فنحن لا نقدر على أن تقلّ مكاسبنا ولو استقلّ زبائننا جميعا أسرة القلب والشرايين والضغط والفقر والفاقة.. والسرطان.
 
فجاء الجواب الحكيم، الذي لا يمنع المدخنين زمانا ومكانا من زيارة الطبيب الحكيم: يا صناع الكترة والغبرة والفقر والفاقة يا صناع السيجارة عليكم اتباع الآتي:
 
صناعة فلتر راق يمنع الموت البطيء ليس رحمة بالمدخن، بل ليتمكن من الشراء أكثر وأكثر، ثمّ عليكم بوضع مواد تؤدي إلى الإدمان وممكن – والله يسامحنا ويسامحكم، والمسامح كريم- ممكن أن تضطرون لوضع مواد كيميائية، وأخيرا وليس آخرا: عليكم أن تضعوا ليبل على كل باكيت دخان -إبراء للأمانة- وعلى حساب المدخن نفسه، تكتبون عليها عبارات: التدخين مضر بصحتك وهو سبب رئيس للسرطان والقلب والشرايين. ولا عليكم فمعظم دول العالم الفقير لا يقرأون وإذا قرأوا سيهزأون، بل سيزدادون عشقا للسيجارة ولدمار حياتهم، فمعظمهم يعيش لعشرات السانتيمترات أمامه، وليس لعشرات السنين أمامه.
 
وفي عامه الأربعين وتحديدا عام: 2012م كان سعيد الذي أصيب بشلل الأطفال قد أنهى دراسة الطب البشريّ، وعاش سعيدٌ سعيدًا فلم يكن يتعاطى التدخين، وفي إحدى المستشفيات قام ليُجري عملية قلب مفتوح لزميل له في طفولته وقد أدمن على التدخين، مع أنّ سعيدا كان ينصحه كلّ مرّةٍ أن يحمَد الله على الصحة وأنه يمشي على قدميه لا كسعيد الذي أصيب بالشلل، وكان زميله في كلّ مرة يضحك عليه ويقول له أنّ جدَّه فلان مضى من عمره ثمانون سنة وهو يدخن ولم يصب بأذى.
 
وهل نسينا الآية القرآنية: «ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة» وهل تناسينا تحذيرات الأطباء من بشاعة التدخين؟. إذا نسينا كلّ شيء فلا ننسى تلك المباني الضخمة التي نمر عليها في وسط كلّ مدينة من مدن العالم، وهي عبارة عن مستشفيات متخصصة بالسرطان، وكلّما نمرّ عليهم ندعو لهم بالشفاء وننسى أننا نتعاطى سببا رئيسا لما يرقدون بسببه.
 
فلنُفهم أنفسنا أننا بالأمس استهزأنا بالنيكوتين فسرى بدمائنا وانتقل إلى أبنائنا وبناتنا حتى أصبح السيلُ الجارف الذي نحتاج إلى عزيمة الجبال لنقول لأنفسنا: كفى مقتا وعذابا بسبب تعاطي التدخين.