Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Aug-2018

عدوى الفساد..!* علاء الدين أبو زينة
الغد - 
يضعون في أسباب الفساد، انتقال عدواه من دول مجاورة فاسدة. لكنّ له عدوى أقرب، في داخل البلدان نفسها. مثلاً، إذا رأى مراجع في دائرة حكومية أناساً يضعون نقوداً في جيب مراسلٍ هناك، فينجزون معاملاتهم ويذهبون وهو في مكانه، فإنه سيجد إغراء في أن يحذو حذوهم. وإذا تجاوزه السواقون كل يوم وفي كل مكان عن يمينه وعبروا الإشارة الضوئية قبله وتركوه خلفهم، فسيفكر في أن يفعل مثلهم في المرة المقبلة. وإذا كان كثيرون حولهم يتدبرون معظم أمورهم، من استخراج وثيقة إلى تأمين وظيفة، باستخدام الواسطة، فإنه سيتعلّم اختصار طرقه بالواسطة هو الآخر. ومرّة على مرّة، يصبح هذا النوع من فساد الأخلاق سائداً وسواه الاستثناء. وسوف يصبح الالتزام بأي مبادئ مُكلفاً لصاحبه.
 
عند نقطة ما، يصبح الفساد السلوكي والأخلاقي عدوى يصعب الإفلات منها، مثل هجمات الانفلونزا الموسمية في الشتاء. فإذا تواجد الفرد في جمع معظم أفراده مصابون، فيغلب أن يُصاب بالعدوى، وإلا فإن عليه أن ينعزل ويتجنب الاختلاط. وفي هذا ما يكفي من تعطيل الحال وقتل الحيوية وإشاعة التوتر. لذلك، من السيئ أن يصل الفرد إلى حدّ اختصار نشاطه خوفاً من سوء السلوك في الشوارع وكثرة منتهكي القانون، أو خوفاً من مصادفة العنف، أو أن يتوتر من اضطراره لمراجعة دائرة حكومية خوفاً من البيروقراطية، أو سوء الخدمة، أو رؤية أصحاب الواسطة وهم يأتون بعده ويذهبون قبله. أو يكره أن يصلح خللاً في بيته أو أشيائه، لأنه يتوقع الغش من الفني وصاحب الصنعة أكثر مما يتوقع منه الصدق والإخلاص.
 
عند نقطة ما، يصبح هذا النمط المقلق جزءاً من الثقافة والممارسة اليومية، ويطبِّع القلق الاجتماعي. ويجد الفرد نفسه وهو يتفاوض مع مقولات تُشجع الانضمام إلى المجموع: "مثل الناس، ولا باس"؛ "إذا جُنّ ربعُك، عقلُك لن ينفعك". وبذلك، تتحرك عدوى الفساد أفقياً وتدفع الأفراد إلى التشكيك في جدوى التزامهم بالقانون أو الإجراءات، بل ويواجه الفرد اللوم من الآخرين ومن الذات لأنّه "حنبليّ" في إطار يعزل الحنبليين.
 
ثمة عدوى أفقية مشابهة لا بدّ أنها تسري في المستويات الأعلى، في المؤسسات والهيئات والإدارات. وهناك، ينضم نفوذ الأفراد وتوفر الأدوات بين أيديهم إلى الجشع والميل إلى تغليب المصلحة الذاتية. وقد يكثر الفاسدون إلى حد يصنع بيئة طاردة لا تقبل فيها ناشزين. وإذا انضم إليها شخصٌ منتقد لا يريد أن "يُفيد ويستفيد"، فإنهم يعزلونه ويقصُونه. ومن هنا تأتي الصعوبة التي يواجهها المكلفون بمكافحة فساد من النوع الكبير، لأنهم في معرض مواجهة أفراد -بل ومنظومات- نافذين يتألبون ويدافعون عن مكتسباتهم. وسيكون تفكيك منظومة الفساد مشروعاً صعباً وجيلياً. وله متطلب مسبق صعب: توفُّر وعي مختلف بتعريف المصلحة، وإرادة الاستفادة بطريقة أخرى على أساس احترام القانون وتعظيم الأخلاق.
 
الفساد غالباً ليس أفقياً فقط، لكن عدواه لا بد أن تكون عمودية أيضاً. فلا يمكن لمسؤولين فاسدين أن يصنعوا مجتمعاً من الأفراد العاديين الفاضلين. ولا يمكن لترتيب بيروقراطي أو غير ديمقراطي أو لا يترك مجالاً للنقد والاستقصاء أن يُعفي الناس من سلوك الطرق الملتوية. ولا يمكن لتحييد حُكم القانون وإفلات عدد كبير من الناس منه بلا عقاب سوى أن يشجع سلوك الرعاع وكسر القوانين. وكذلك، لا يملك جمهور تحول الفساد في خبرته إلى الطبيعية أن يختار مسؤولين صالحين -إذا تسنى له ذلك. وغالباً ما تميل الجموع إلى الفوضى إذا لم تضبطها حدود يصعب تجاوزها وتوجيه وقوانين. ولا بد أن الفساد الصغير يعيش فقط برعاية الفساد الكبير وفي حضنه.
 
التطرُّف العنيف نفسه فساد أخلاقي متطرف، يشجعه ويبرره الفساد الأفقي والعمودي العام. وباستثناء المنظِّرين الأيديولوجيين الذين يعون أغراضهم بخبث، فإن "الأتباع" هم في الغالب أشخاص محرومون، ارتفع عندهم منسوب القلق واليأس من الفرصة إلى حدّ بروز النزعات العدوانية والانتقامية على حساب الضمير والأخلاق والمنطق.
 
السؤال المهم هو، مِن أين يبدأ مشروع الإصلاح في فساد أصبح شبكة من المربعات المترابطة أفقياً وعمودياً، ومنظومة أخلاقية وسلوكية مختلة على أي مستوى؟ ربما يبدأ من حيث تتوافر الأدوات والآليات ويمكن إنفاذ الاقتراحات. وعلاجه أصعب حتماً من حقنةٍ صغيرة سريعة مضادة لفيروس العدوى.