Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Feb-2017

نفثة أسى من خالد الساكت - ابراهيم العجلوني

 

الراي - كان صديقنا الراحل الاستاذ خالد الساكت, يقول, في تصوير بلادة الضمائر المعاصرة إنه اذا ابتلع المحيط قارة استراليا فإن احداً لن يستشعر فقداناً لها أو ألماً لما اصاب سكانها.
 
وفي الحق ان ابا قيس الشاعر العروبي الذي كان يتوقد غيرة على أمته كان يضرب المثل بالبعيد (وهو هنا استراليا) ليستدل السامع منه على القريب, وهو الامة العربية التي لم تعد جسداً واحداً, اذا اصابت علّة عضواً منه تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمّى, ولم يعد يهتم شاميها بعراقيها ولا مغربيها بمصريها, وتفرقت «أيدي سفه وجهالة» وحكمت الغربي المستعمر بنواصيها وعميت عما فيه حياتها من دين واخلاق ومروءات, واستخذت أمام الاعاجم والعلوج, فأثبتت انقطاعها عن اصولها العظيمة وسبلها المستقيمة, وصار امرها كلّه عليها غمة, وهانت على الامم المتربصة بها. وصار يجوز لواصف أحوالها أن يجزم بفقدان الحسّ في جسدها الذي ترامت اطرافه وتباعدت امشاجه, بحيث لم تعد فيه تلك العضوية الحميمة, ولا ذلك التواد والتراحم, وبحيث صار شعار: «وما شأني انا» هو السائد من الماء الى الماء, الى مزيد تجاهل وتغافل, ومزيد امتثال لرغائب المستعمرين, قدماء ومحدثين, الامر الذي يؤكد نفاذ بصيرة شاعرنا الراحل خالد الساكت, وتوافر أسباب ألمه الممض لما انتهت اليه أمته من شنار وبوار, وانخداع وضياع, وانهيار واندحار, وما شئت من هذه المترادفات الموجعات. 
 
لقد كان خالد الساكت رحمه الله ضميراً حيّاً غاضباً, حمل هموم أمتّه مدى حياته, ثم قضى ولما يستبن لها فجراً حقيقياً أو كاذباً. فأيّة حسرة كظيمة انطوى عليها وهو يغادر عالمنا, وأي دين كبير له وأياد مستحقة علينا توجب أن نهتم بتراثه, وأن نوجه الدارسين اليه, وأن نقيم الندوات حوله؟
 
وعلى أن هذه نفثة أسى, ما زلت أجد دواعيها في نفسي كلما استذكرت خالد الساكت ومواقفه, إلا أنها لن تقدّم ولن تؤخر ما لم تأخذ سبيلها الى الضمائر والعقول فتصبح عملاً مشهوداً نحسن الوفاء به لذكرى هذا الاديب العروبي الكبير.