Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Nov-2019

نداء إلى مجلس الأمة*عيد جويعد

 الراي

سبق لنا قبل حوالي عقد من الزمن أن أطلقنا صرخة نهيب بها بمجلس الأمة لمناقشة نصوص القانون المدني الذي تم إقراره كقانون دائم دون مناقشته. وها نحن نعيد الصرخة آملين أن تجد آذانا صاغية لدى السادة أعضاء مجلس الأمة نوابا واعيانا.
 
أليس الصبح بقريب ونحن نكرر ما ابديناه في المرة الأولى تسهيلاً للمهمة حيث قلنا إن القانون المدني في الدولة - أي دولة - هو أهم وأخطر التشريعات بعد الدستور، ويقال عنه أبو القوانين المدنية «لأنه يضع الحلول لكافة معاملات الناس كالبيع والشراء والوكالة والكفالة والوديعة والإعارة والشركة والعمل... ومنه تنبثق العديد من التشريعات الخاصة التي تعالج جوانب معينة من حياة المواطنين بشكل تفصيلي، ومع ذلك يبقى القانون المدني هو المظلة الكبرى للقوانين الخاصة يرجع إليه في كل ما لم تنص عليه من حلول، فعلى سبيل المثال يعالج قانون المالكين والمستأجرين ينما يتعلق بالعقارات المعدة للسكن أو التجارة أو لغايات أخرى. فإذا لم نجد فيه نصا قاطعا لحل مشكلة ما فإننا نعود في ذلك لأحكام عقد الإيجار في القانون المدني وهكذا.
 
والقانون المدني هو مرآة الأمة في كل معاملاتها المدنية، وعنوان حضارتها ورقيها وتقدمها، وبه تفاخر الأمم الأخرى، حتى ليقال إن الذي خلد نابليون ليس فتوحاته وحروبه ووقائعه، وإنما هو القانون المدني الفرنسي الذي صدر في عهده وأمر بإحلاله محل القانون الروماني الذي أخذت به فرنسا وغيرها من الدول ردحا طويلا من الزمن.
 
والقانون المدني بحسب طبيعته و المراحل التي اجتازها حتى يصبح نافذا يتسم بالثبات و الاستقرار أكثر من غيره من القوانين الأخرى ذات الصفة المدنية، وهو لا يقبل التبديل أو التعديل إلا في حدود ضيقة حسب مقتضى الحال.
 
لقد كانت مجلة الأحكام العدلية (المأخوذة من الراجح من الفقه الحنفي و احيانا من المرجوح من هذا الفقه للمصلحة الزمنية التي اقتضتها) كانت هي قانوننا المدني والتي صدرت قبل حوالي قرن ونصف من الزمان أيام الدولة العثمانية.
 
واستمر تطبيقها عندنا حتى عام 1977 عندما أصدر مجلس الوزراء القانون المدني المؤقت و الذي أصبح دائماً منذ عام 1996 حيث أقره مجلس الأمة كقانون دائم دون مناقشة و بذلك حل محل مجلة الأحكام العدلية وعلى الرغم من حداثة ورقي قانوننا المدني إلا أنه - في رأينا الشخصي) لا يخلو من بعض الهنات والنواقص والملاحظات التي سنعرض لها فيما يلي تأييده أو معارضة، أصبنا أم أخطأنا يسعفنا في ذلك ما قاله الأقدمون ((لكل مجتهد نصيب)).
 
1- هناك بعض التعارض والالتباس - حتى لو قيل ظاهرياً - بين بعض نصوص القانون من ذلك ما ورده المشرع في أماكن متفرقة - من أحكام في خيار العيب، (وهو خيار قريب من خيار الرؤية، وليت المشرع أورده بعده مباشرة وقبل خيار التعيين).
 
- فقد نصت المادة (193) على حكم عام في فسخ العقد بخيار العيب يقول «يثبت حق فسخ العقد بخيار العيب في العقود التي تحتمل الفسخ دون اشتراطه في العقد» وبدهي أن عقد البيع يدخل في عموم هذا النص، لأنه من أبرز العقود التي تحتمل الفسخ بخيار العيب.
 
- ونصت المادة (196) على الحكم الذي يترتب على فسخ العقد للعيب حيث قالت: «يترتب على فسخ العقد للعيب رد محله إلى صاحبه و استرداد ما دفع».
 
- ومع ذلك فإن المادة (198) من ذات القانون قد أعطت لصاحب خيار العيب خياراً آخر غير الرد، حيث نصت «على أنه لصاحب خيار العيب أيضاً إمساك المعقود عليه والرجوع بنقصان الثمن ».
 
حتى الآن فالنصوص المشار إليها أعلاه متسقة ولا تثريب عليها؛ إلا أن المشرع عاد في عقد البيع تحت نبذة (ضمان العيوب الخفية–خيار العيب) فنص في الفقرة الأولى من المادة (513) على أنه «إذا ظهر في المبيع عيب قديم كان المشتري مخيراً إن شاء رده أو وإن شاء قبله بالثمن المسمی. وليس له إمساكه والمطالبة بما أنقصه العيب من الثمن».
 
2- وهناك سياسة متضاربة في استعمال بعض الألفاظ و/أو التعابير–وإن كانت نادرة من ذلك أن واضع القانون استعمل في المواد من (143–150) من القانون المدني تعبير (الغرر والتغرير) للدلالة على الغش والخداع بوسائل احتيالية، وهو تعبير سليم من تعبيرات الفقه الإسلامي العتيد، في حين استعمل في المادة (467) من ذات القانون (في عقد البيع) لفظ التدليس (المؤسس على نظرية الغلط دون أن يذكر له تعريفا مع أنه يمكن اعتباره مظهرا من مظاهر التغرير)، ولفظ التدليس هذا - غريب على الفاظ قانوننا المدني - وإن كان ليس غريباً عن ألفاظ الفقه الإسلامي وألفاظ بعض القوانين العربية وهذا اللفظ (التدليس) لم يرد في القانون المدني إلا مرة واحدة–وقريبة من ذلك استعمال المشرع عبارة (الرجل المعتاد) في المادة (2/ 841) الباحثة في التزامات الوكيل (والتي سيأتي تعليقنا عليها بينما استعمل عبارة (الشخص العادي) في المادة (1/ 873) الباحثة في التزامات المودع لديه مع أنهما تعبيران يؤديان نفس المعنى كما سنرى وكان يحسن بالمشرع لو استعمل أحد التعبيرين دفعاً لأي غموض أو التباس، وإن كنا نفضل تعبير (الشخص العادي) حتى يكون شاملاً للذكر والأنثي.
 
3- وهناك بعض النصوص غير المنطقية ولا تتفق مع النظر السليم من ذلك مثلا نص المادة (700) من القانون المدني الباحثة في التزامات المستأجر حيث قالت في الفقرة الأولى منها أن «على المستأجر رد المأجور عند انقضاء مدة الإيجار إلى المؤجر بالحالة التي تسلمه بها » وقالت في الفقرة الثانية: «فإذا أبقاه تحت يده دون حق كان ملزماً بأن يدفع للمؤجر أجر المثل مع ضمان الضرر».
 
نقول: بعد أن أورد المشرع نص الفقرتين السابقتين أتبعهما بالفقرة الثالثة وتتضمن حكما غریباً غير منطقي حيث قال: ويلتزم المؤجر بنفقات الرد، ونحن نرى أن الأمر يجب أن يكون معكوسا بان يلتزم المستأجر بنفقات الرد عملا بقاعدة «الغُرم بالغُنم» وهذا ما أخذ به التشريعان المصري واللبناني، ولأن هذا ما تقضي به طبيعة الأشياء، سيما وأن نص المادة (700) المشار إليها قد ورد تحت عنوان (التزامات المستأجر)، وما نحسب (والله أعلم) إلا أن هناك خطأ مطبعيا وقع في صياغة هذه الفقرة) وهناك احتمال (وإن كنا نراه ضعيفاً) أن يكون المشرع قد استوحى نص هذه الفقرة من المواد (591–595) من مجلة الأحكام العدلية، وحتى لو كان ذلك كذلك فنحن لسنا مع هذا الاتجاه.
 
4- وهناك نصوص تثير الإضراب إذا ما صادف نصوص تثير الاضطراب إذا ما صادف تطبيقها في حالات معينة–على سبيل المثال ايضا–ما نص عليه الشارع في المادة 841 من القانون المدني الباحثة في التزامات الوكيل حيث تنص هذه ما نص المادة على ما يلي:
 
1–علی الوكيل أن يبذل في تنفيذ ما وكل به العناية التي يبذلها في أعماله الخاصة إذا كانت الوكالة بلا أجر.
 
2- وعليه أن يبذل في العناية بها عناية الرجل المعتاد إذا كانت بأجر.
 
- وهنا نقع في تناقض غريب في بعض الحالات، إذ لو فرضنا أن عناية الوكيل (المنصوص عليها في الفقرة الأولى) بما له هي أزيد من عناية الرجل المعتاد، فكيف نطالبه بأن يعتني بما وُهل به عنايته بماله في هكذا حالة وهو لا يتقاضى أجرا على وكالته، في حين لا يلتزم إلا بعناية الرجل المعتاد مع أنه يتقاضى أجراً على وكالته (مع ملاحظة أن المقصود بالرجل المعتاد أو الشخص العادي في هذا المقام هو الرجل المتوسط لا هو بالحريص جداً ولا هو بالمهمل قليل الاكتراث).
 
ونحن نرى أن سلامة النصين أن يضاف إلى نهاية الفقرة الأولى عبارة (دون أن يكون مكلفا بازيد من عناية الرجل المعتاد)، وأن يكون نص الفقرة الثانية كما يلي «وعليه أن يبذل في العناية بها عناية الرجل في أعماله الخاصة على الا تقل عن عناية الرجل المعتاد إذا كانت بأجر».
 
5- وهناك نصوص تحتاج إلى صياغة أوضح لإزالة أي غموض أو اضطراب في الأحكام كنص الفقرات الأولى والثانية والثالثة من المادة (1078) من القانون ذاته الباحثة في الكنوز والمعادن، فتنص الفقرة الأولى على أن «الكنوز والمعادن وغيرها التي يعثر عليها في أرض مملوكة لشخص معين تكون مملوكة له وعليه الخمس للدولة »، وتنص الفقرة الثانية على أن «الكنوز والمعادن التي تكتشف في أرض مملوكة للدولة تكون مملوكة لها كلها» وتنص الفقرة الثالثة على أنه «إن كانت الأرض موقوفة وقفاً صحيحاً فإن ما يكتشف يكون لجهة الوقف».
 
هكذا ورد نص الفقرات الثلاث مطلقاً بدون قيد أو شرط وهو أمر غريب، إذ ما القول إذا ثبت أن هذه الكنوز والمعادن وما يكتشف في ارض الوقف لها صاحب معروف كأن يكون قد خبأها شخص معين أو أحد اصوله او فروعه (على سبيل المثال)، فكيف تكون لمالك الأرض و/ أو للدولة و/ أو لجهة الوقف. ثم ألا ترى أن الواقف مثلاً عندما وقف الأرض لم يقصد أن يقف معها ما عسى أن يكون في باطنها من كنوز أومعادن مدفونة خبأها هو أو أحد إسلافه؟! فكيف تكون ملكا للوقف وصاحبها معروف؟!
 
صحيح أن القواعد العامة ومبادئ العدل والإنصاف تقضي بأن يحكم بهذه الدفائن لمن يثبت أنه صاحب الحق في ملكيتها، ولكن يحسن بالمشرع لو اشترط في هذه الكنوز جهالة صاحبها حتى يجرى عليها الأحكام الواردة في المادة (1078) المذكورة! ثم لا ندري لماذا حشر المشرع عبارة (المعادن) سواء صراحة أو ضمنا في هذه المادة؟ فإذا كان يقصد بالمعادن التي توجد ويعثر عليها مخبوءة أو مدفونة هي تلك التي توجد على شكل مال منقول كالقطع الذهبية أو الفضية أو غيرها من معادن منقولة كالسيوف والأسلحة المعدنية وما شابهها من معادن أخرى، والتي غالباً ما لحقتها صنعة الإنسان وغالباً ما كانت في الأصل مملوكة لأحد الناس أو أمن الدول الغابرة ولكن لا يعرف صاحبها، نقول: إذا كان ذلك كذلك فإن مثل هذه المعادن تدخل في معنى الكنز والكنوز ولا حاجة لذكرها وإذا كان مقصود بالمعادن تلك الموجودة في باطن الأرض كجزء منها ومختلطة بالحجارة والتراب والماء ولم تلحقها الثعنة بعد كالذهب والحديد والمنغنيز واليورانيوم والنفط والتي تكون على شكل مناجم، فإن مثل هذه المعادن إنما تعتبر جزءاً من الأرض وهي ليست مدفونة او مخبوءه ولا يمكن اعتبارها كنوزا بالمعنى الذي قصده المشرع في المادة المشار إليها، سيما وأن التنقيب عن هكذا معادن وامتلاكها غالباً ما يكون من حق الدولة لتعلق ذلك بسياستها وسيادتها كما تحكمها القوانين الخاصة كقانون سلطة المصادر الطبيعية وغيره من القوانين ذات العلاقة، وكان الأفضل إلا يورد الشرع عبارة (المعادن) في هذه المادة منعاً لأي التباس.
 
وهناك ملاحظات نبديها على بعض النصوص في القانون المدني - ولا نقول بحتميتها - ولكنها تظل محل نظر وجدل، من ذلك:
 
أ- تنص المادة المادة (93) على أن التعبير عن الإرادة يكون باللفظ والكتابة وبالإشارة المعهودة عُرفاً ولو من غير الأخرس وبالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي وباتخاد وباتخاذ أي مسلك أخر لا تدع ظروف الحالشكا في دلالته على التراضي.
 
وفي رأينا انه يمكن الاستغناء عن عبارة «بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي» ويفضل أن تترك للاجتهاد حسب كل حالة، وإن كنا نحبذ بالاضافة الى ذلك استبدال عبارة على التراضي الواردة في نهاية هذه المادة «بعبارة » على التعبير الحقيقي للإرادة.
 
ب - ابتدأ المشرع المادة (142) من القانون المدني - في معرض حديثه عن أثر الإكراه بعبارة الزوج ذو شوكة على زوجته.. إلى نهاية المادة.
 
وباعتقادنا أنه يمكن الاستغناء عن هذه العبارة لأنها قاعدة غير مضطردة فكثيراً ما تكون الزوجة هي ذات «الشوكة» على زوجها لسبب أو لآخر وفي رأينا أنه إذا كان لا بد من هكذا عبارة فيمكن أن تبدأ صياغة المادة بعبارة «إذا أكره أحد الزوجين الآخر»... إلى آخر المادة.
 
ج - تنص المادة (139) من ذات القانون على أن يختلف الإكراه باختلاف الأشخاص وسنهم وضعهم ومناصبهم ودرجة تأثرهم وتألمهم من الاكراه شدة وضعفاً، وفي رأينا أن هذا النص هو من تقريرات الفقة والقضاء ولا يلزم أن يرد في نص قانوني وظيفته أن يضع حلولا معينة لوقائع معينة.
 
د - وهنالك العديد من الملاحظات الأخرى لا مجال للتوسع في ذكرها ونحن نتمنى على الجهات المختصة وذات العلاقة السعي لاتخاذ الخطوات الدستورية اللازمة لتمكين مجلس الأمة من مناقشة ما يعتقد أنه ضروري من مواد قانوننا المدني مناقشة مستفيضة بحضور عدد من المشتغلين بالقانون واتخاذ القرارات المناسبة في هذا الشأن - إن وجد وجهاً لذلك.
 
هذا هو رأينا نعرضه بأمانة وصدق طوية لا نبتغي منه إلا وجه الله ووجه الحق والعدالة، سائلين المولى سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أصحاب الأجرين فإن فاتنا ذلك فمن أصحاب الأجر الواحد.
 
والله من وراء القصد.