Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Sep-2017

الأحزاب الحية ضرورة استراتيجية للدولة الأردنية - رومان حداد
 
الراي - تبدو المرحلة مهيأة سياسياً لتكوين عدد من الأحزاب التي تعكس الحراك في الأردن، حيث تظهر أهمية أن يتحول هذا الحراك إلى منظومة أو منظومات حزبية، ويبدو اليوم أن الحراك في الأردن أعمق من أي وقت مضى، فما حدث في المنطقة خلال السنوات الماضية وما أفرزته هذه الأحداث من نتائج ،أثار قلق العديد من الفئات داخل المجتمع، ولكن ما يمكن أن يحدث من فرز داخلي إن بقيت هذه الفئات صامتة أو غير منظمة قد يضر بمصالحها ويهدد وجودها، وقد يدخل الأردن في مرحلة من الفوضى والانقضاض على هيبة الدولة، من دون تأسيس حقيقي للمرحلة القادمة التي يمكن للأردن أن يشكل فيها نموذجاً يمكن تعميمه على المنطقة.
 
الإدراك الأولي الضروري بأهمية الدخول إلى عالم السياسة محصنين بأدوات سياسية وتعبيرات سياسية كالحزب والتنظيم السياسي المعلن قد يكون واحداً من أهم النتائج التي يجب أن تفرزها المرحلة الحالية، فدخول فئات مهمة كانت تزهد بالسياسة إلى هذا العالم المعقد، عبر تنظيم جماعي هو الحزب يعني أن العديد من المفاهيم قد تغيرت، فلن يعود الفرد بعلاقاته القوية مع مفاصل الدولة والقرار قادراً وحده على العمل على حماية مصالحه، فحماية مصلحته يتطلب حماية منظومة المصالح التي تحيا فيها، وهو ما يتطلب العمل الجماعي المنظم وليس العمل الفردي مهما كان الفرد قوياً.
 
ولكن السؤال المهم هو هل ستظهر هذه الأحزاب كـ(طفح جلدي) على جسد الحياة السياسية أم أنها ستكون ذات عمق ودلالة وقابلة للحياة؟
 
لا يمكن البت في هذا الموضوع منذ الآن، فكل حزب سيخوض تجربته الخاصة، مع التأكيد أن الحياة العامة في الأردن لم تنضج كفاية لتطوير واستدامة الحياة الحزبية، ولكن قد يُقدّر لقلة من الأحزاب البقاء والاستمرار، خصوصاً إذا وجدت لها الأطر التنظيرية والفكرية المناسبة، واستطاعت أن تقدم ما هو مقنع للمواطن الأردني، وكان لها طعم ومذاق خاص بها، بغض النظر عن حجم تمثيلها في مجلس النواب القادم، واستمرت بمتابعة الشأن العام والتفاعل معه.
 
ولا يستطيع أي كان أن يتنبأ بالمعادلة الدقيقة لنجاح حزب رغم أنه يمكن لنا أن نعرف الأخطاء التي يجب ألا يرتكبها حزب حتى لا يفشل، وعليه فالأحزاب الجديدة يجب أن تبتعد عن (اللاءات) الكبرى أو ما يجب الامتناع عنه حتى لا تكتب فشلها بيدها، ومن هذه (اللاءات) أن لا يغرق الحزب في شعبوية طرحه أو نخبويته، فالشعبوية في الطرح قد تجلب مناصرين لحظيين غير كافين لتحقيق نجاح باهر في الانتخابات، وفي ذات الوقت ترتب على الحزب مسؤوليات جساما يعجز عن الوفاء بها فتصبح ثقلاً ينوء الحزب تحته.
 
أما النخبوية فهي التي تبعد الجمهور عن الحزب فيصير الحزب قلعة على رأس الجبل، لا تصله الناس ولا يفتح أبوابه لاستقبالهم، فلا يعرف ساكنو القلعة هموم الناس ولا يعرف الناس من هم ساكنو القلعة، وحينها يفقد الحزب معناه، ويصير لا مبرر لوجوده في الأساس، وكل يوم يمضي عليه هو يوم من الموت السريري بانتظار لحظة إعلان موته العيادي.
 
كما أن على أي حزب جديد أن ينأى بنفسه عن معادلة كونه ولد من رحم علاقته بالدولة، أو نتاج محاولة (مخبرية) لمواجهة حزب أو تيار محدد، لأن في هذا التوصيف أو التعارف الأولي مع الجمهور يكمن مقتله، فالأساس في الحزب أن يعبر عن مصالح فئة عريضة من المجتمع، وقد تتقاطع هذه المصالح مع الدولة ومؤسساتها، ولكن لا يجوز أن يكون الحزب معبراً عن مؤسسات الدولة، لأن أساس الأحزاب هو المواطن الذي يتفاعل مع الحزب ويذهب إلى صندوق الاقتراع ويصوت له لتنفيذ برنامجه، وبالتالي فالحزب يجب أن يعبر عن مصالح جمهوره وليس أي طرف آخر.
 
إذا اختار الأردنيون في المرحلة الحالية عدم تشكيل الأحزاب والانخراط بها فهذا يعني أن الأردنيين غير مدركين لأهمية اللحظة ودقتها، وغير مصدقين بقوة العمل الحزبي المنظم والجماعي، وأن هذا العمل هو الذي سيحدث الفرق، والأهم من كل ذلك فالأردنيون يكونون بخيارهم عدم تشكيل الأحزاب والانتماء إليها قد فقدوا بإرادتهم فرصة الإصلاح والتطوير، وقرروا أن يبقوا خارج الزمان وعلى هامش تلاطم الأمواج، بحيث يصيرون منفعلين بالحدث لا فاعلين له.
 
وهنا يبرز دور النخبة السياسية ممن كانوا خارج مؤسسات الدولة أو أولئك الذين انخرطوا في العمل العام عبر مؤسسات الدولة من وزراء ورؤساء وزراء، فتغيير قواعد اللعبة السياسية وضبطها على أسس سياسية حضارية وحداثية هو في مصلحة الدولة ومؤسسة الحكم في الأردن، ويحقق مفهوم المصلحة الوطنية العليا بصورته الصحيحة.
 
إننا ننتظر حركة مدروسة من النخبة السياسية للبدء بتشكيل أحزاب ذات ألوان واضحة، كما ننتظر من المعارضة أن تتحرك بعقلانية وتشكيل أحزابها الحقيقية المعبرة عنها.