Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Sep-2017

الحسين في خطابه الأممي..رحلة الانتقال من الشرعية إلى المشروعية - رومان حداد
 
الراي - حين وقف الحسين على منبر الأمم المتحدة ليلقي كلمة الأردن في الجمعية العمومية بدا أنه يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، فهو يمثل جيلاً كاملاً لم يتح له المجال ليعبر عن نفسه، وكان الآخرون هم من يعبرون عنه، وكانت تلك اللحظة مهمة لأننا سنسمع صوت جيل الشباب من على منبر أممي رفيع المستوى.
 
فبعد ما أنجزه الحسين حين استطاع الأردن أثناء ترؤسه لمجلس الأمن أن يضع قضية الشباب في مناطق النزاع ودورهم في صناعة سلم مستدام، وبعد استضافة الأردن لمؤتمر الشباب العالمي وصدور وثيقة عمان حول دور الشباب في صناعة الأمن والسلم في مناطق النزاع، واستصدار قرار دولي صادر عن مجلس الأمن بهذا الخصوص، جاء دور الحسين كي يكون هو مرة أخرى صوت الشباب العالمي في المحفل الدولي بعيداً عن «الكياسة السياسية».
 
ما قام به الحسين هو انطلاقة مؤثرة في رحلة طويلة من الشرعية إلى المشروعية، فمن شرعية تمثيل الأردن بصفته ولياً للعهد، إلى مشروعية تمثيله لأكبر جيل من الشباب يشهده العالم على الإطلاق، حيث أن الحسين استطاع أن يؤسس مشروعيته الدولية والعربية والوطنية بعيداً عن اتكائه على شرعيته الوطنية.
 
فمن يقرأ كلمة سموه جيداً يرى أن مشروع الحسين يقوم على ثلاث روافع هي: المواطنة العالمية، الأخلاقية السياسية، والسلم والعمران.
 
هذه الأعمدة الثلاثة لمشروع الحسين تظهر بوضوح في خطابه صراحة حين يطرح تساؤله المركزي والمحوري في كلمته «...يتساءل أبناء وبنات جيلي من الشباب: ما هي القيم التي ترسي المواطنة العالمية اليوم؟ وإلى أي اتجاه تشير بوصلتنا الأخلاقية؟ وهل سترشدنا إلى عدالة وازدهار وسلام يعم الجميع؟»
 
طرح الحسين مشروعه بهذه الرؤية يعني أن الدولة الأردنية بدأت رحلة استعادتها لمشروع وطني إقليمي عالمي سيتيح لها مستقبلاً لعب أدوار متعددة لتحويل مشروع الحسين إلى واقع ملموس وحقيقة معاشة.
 
ماذا يعني وقوف الحسين ليطلق مشروعه من على منبر الأمم المتحدة؟
 
هذا سؤال يجب التفكير به ملياً، فالتصور الملكي الذي يحمل عنوان مشروع بناء (الدولة الأردنية الهاشمية الوطنية)، كمشروع حقيقي سيكون أول مشروع نهضوي حقيقي في المنطقة التي تعيش صراعات ضخمة لتحديد هوية كل دولة فيها.
 
ولا يمكن السير خطوة واحدة للأمام في هذا المشروع ما لم تكن مؤسسة ولاية العهد قادرة على لعب دورها الضروري والحيوي، فولاية العهد كمؤسسة تقوم على ثلاث أفكار تكاملية الأولى أنها تعطي إشارة واضحة إلى استمرار الحكم عبر التأكيد على الشرعية، والثانية أنها مرحلة إعداد جدي حيث يتم إعداد ولي العهد تدريجياً للحكم، أما الفكرة الثالثة فهي دينامكية الحكم الملكي، فولاية العهد تساعد على خلق ديناميكية داخل مؤسسة المُلك، هذه الديناميكية تنشأ نتيجة تفاعل كل جناح من جناحي المُلك مع الواقع والطموح من موقعه المختلف عن الآخر، فموقع الملك يتفاعل مع القضايا اليومية الملحة والتي تحتاج إلى قرارات حاسمة، في حين أن شكل هذا الضغط غير موجود على مؤسسة ولاية العهد ولا على سمو ولي العهد، وعليه فإن هذا الاختلاف هو الذي يخلق الفارق.
 
فسمو ولي العهد قادر على تبني موقف محدد من عدد من القضايا الجوهرية، وهذا الدور يعد من الأدوار المهمة التي من الضروري أن تقوم بها مؤسسة ولاية العهد، لأنها عبر هذا الدور تستعيد مؤسسة المُلك (حركية) الدينمو الضرورية لاستمرار الحيوية في مؤسسة المُلك.
 
واليوم، بعد خطاب الحسين العالمي، على النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التقاط الإشارة وإدراك ما يحدث، وأن تبادر لتضع مدخلاتها في عملية الإصلاح، والاستناد إلى الأوراق النقاشية التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني بالإضافة إلى كلمتي الحسين في مجلس الأمن والجمعية العمومية في الأمم المتحدة، لتشكل بمجموعها أدبيات السياسة والاقتصاد والاجتماع في مشروع الدولة الأردنية الهاشمية الوطنية، وتأخذ دورها الفعال في بناء تصور وطني واضح ومتوافق عليه، فاليوم نحن نبدأ مشروعاً ضخماً عنوانه (بناء الدولة الوطنية الحديثة)، هذه الدولة التي ستكون نموذجاً بارزاً في المنطقة، حين سيهدأ الصخب الذي يدور في دول الجوار، وتبدأ هذه الدول ببناء مشروعها الوطني، وسيظهر حينها مصطلح جديد اسمه (التجربة الأردنية).
 
على النخب الأردنية ألا تبقى محصورة في خاناتها القديمة وقراءتها التقليدية، فمشكلة النخب الأردنية أنها حتى اللحظة لم تلتقط الرسائل ولم تدرك مدى التغيير الحاصل، وما زالت تراهن عبثاً أن عقارب الزمن ستعود إلى الوراء، ومشكلة العامة أنها لم تستطع إفراز قيادات مجتمعية ونخب نوعية حقيقية، ومازالت تقرأ ما يحدث وفق كتاب وصفات قديمة.
 
ما قاله الحسين مشروع يؤسس لحالة متقدمة وعلى حلقات الحكم والنخب والعامة أن تتفاعل معه لتحقيقه بعد إدراك مقاصده ومعانيه.