Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Oct-2019

كيف يُمكِّن الأطباء الإسرائيليون صناعة التعذيب في “الشاباك”؟

 الغد-د. روشاما مارتون* – (مجلة 972+) 7/10/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
إذا كان “الشاباك” (1) يدير مدرسة لتعليم عملائه ومحققيه، فإن الخطة الدراسية لا بد أن تتضمن بكل تأكيد مساقاً في كيفية صنع الأكاذيب. ويبدو أن النصوص التي يقومون بتدريسها هناك لا تتغير مع مرور السنين. في العام 1993، ورداً على اتهامات بأن “الشاباك” قام بتعذيب المحتجز الفلسطيني حسن الزبيدي بوحشية، قال قائد القيادة الشمالية لجيش الدفاع الإسرائيلي في ذلك الحين، يوسي بيليد، للصحفي الإسرائيلي غابي نيتزان: “لا يوجد تعذيب في إسرائيل. لقد خدمت لمدة 30 عاماً في جيش الدفاع الإسرائيلي وأعرف تماماً ما أتحدث عنه”.
وبعد ستة وعشرين عاماً من ذلك، كرر نائب رئيس “الشين بيت” والمحقق السابق في الجهاز، يتسحاق إيلان، نفس الفكرة لمقدّم الأخبار يعقوب إيلون على شاشة التلفزيون الوطني أثناء حديثه عن سامر العربيد، وهو فلسطيني عمره 44 عاماً، تم نقله إلى المستشفى في حالة حرجة بعد تعرضه للتعذيب على أيدي عناصر “الشاباك”. والعربيد مشتبه بقيامه بتنظيم تفجير مميت أدى إلى مقتل فتاة إسرائيلية مراهقة وجرح والدها وشقيقها في آب (أغسطس) في إحدى مناطق الضفة الغربية. ورد إيلان بغضب على فكرة أن “الشاباك” كان مسؤولاً بطريقة ما عن حالة العربيد الصحية.
بتنحية هذه الأشكال السخيفة من الإنكار جانباً، كنتُ دائماً -كطبيبة ومؤسِّسة لمنظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان- إسرائيل” في غاية الانزعاج من الكيفية التي يعاون بها الأطباء الإسرائيليون مع صناعة التعذيب في إسرائيل وتمكينها.
في حزيران (يونيو) 1993، قمتُ بتنظيم مؤتمر دولي في تل أبيب نيابةً عن منظمة “أطباء بلا حدود” ضد التعذيب في إسرائيل. وفي المؤتمر، عرضتُ وثيقة طبية لجهاز “الشين بيت” كان قد اكتشفها بالصدفة الصحفي الإسرائيلي ميكال سيلا. وفي الوثيقة، سُئل طبيب الشاباك عما إذا كانت لدى السجناء المعنيين أي موانع أو قيود طبية عندما يتعلق الأمر بوضعهم في الحجز الانفرادي، أو إذا كان يمكن تقييدهم، أو تغطية وجوههم، أو ما إذا كان من الممكن إجبارهم على الوقوف لفترات طويلة من الوقت.
وقد أنكر “الشين بيت” وجود مثل هذه الوثيقة من الأساس. “ليست هناك وثيقة. كانت هذه مجرد ورقة تجريبية لا تُستخدم”. وبعد أربع سنوات، خرجَت إلى النور وثيقة ثانية تشبه الأولى بشكل مريب. وطلبَت هذه الوثيقة من الأطباء المصادقة على التعذيب وفقاً لعدة بنود متفق عليها مُسبقاً.
نُشرت الوثيقة الأولى، إلى جانب النتائج الأخرى، في كتاب بعنوان “التعذيب: حقوق الإنسان والأخلاقيات الطبية وحالة إسرائيل”. ولا يمكن العثور على هذا الكتاب في إسرائيل؛ فقد حظرت “ستيماتزكي”، أقدم وأكبر سلسلة متاجر لبيع الكتب في إسرائيل، بيعه. وربما يكون هذا في حد ذاته دليلاً آخر على وجود تعذيب في إسرائيل.
بعد الكشف عن الوثيقة، التفتت منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” إلى “الجمعية الطبية الإسرائيلية” وطلبت منها الانضمام إلى الكفاح ضد التعذيب. وطلبت الجمعية الطبية الإسرائيلية من منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” تسليمها أسماء أطباء “الشين بيت” الذين وقعوا على الوثيقة حتى يمكن التعامل معهم داخلياً.
لكنني رفضتُ تسليم الأسماء وأبلغت محامي الجمعية الطبية الإسرائيلية بأنني لست مهتمة بمطاردة أطباء بعينهم -لقد أردت تغيير النظام بالكامل. وكان هذا يعني نزع الشرعية عن الاعترافات التي تم انتزاعها تحت وطأة التعذيب، وتثقيف أعضاء الجمعية الطبية الإسرائيلية بشأن عدم التعاون مع إجراءات التعذيب، وخاصة تقديم مساعدة نشطة لأولئك الأطباء الذين يقومون بالإبلاغ عن الاشتباه في التعذيب أو الاستجواب الوحشي.
في ذلك الوقت، كانت “الجمعية الطبية الإسرائيلية” راضية بمجرد تسجيل أقوالنا بينما لم تفعل أي شيء لمنع أطباء “الشين بيت” من التعاون مع التعذيب. وعلاوة على ذلك، فشلت المنظمة في الوفاء بالتزامها بإنشاء منتدى للأطباء للإبلاغ عن التعذيب المشتبه به.
فشل أخلاقي، وأدبي، وعملي
ولكن، ليس الأطباء في جهاز “الشين بيت” ودائرة السجون الإسرائيلية وحدهم هم الذين يتعاونون مع التعذيب. فالأطباء في غرف الطوارئ في جميع أنحاء إسرائيل يكتبون آراء طبية مزيفة وفقاً لمطالب جهاز “الشاباك”. ولنأخذ على سبيل المثال قضية نادر قمصية من مدينة بيت ساحور بالضفة الغربية. فقد تم اعتقاله في منزله في 4 أيار (مايو) 1993، وقاموا بنقله إلى مركز سوروكا الطبي في بئر السبع بعد خمسة أيام لاحقاً. وهناك، شخص طبيب المسالك البولية في المركز وجود نزيف وتمزق في كيس الصفن.
وشهد قمصيه بأنه تعرض للضرب أثناء استجوابه وركله في خصيتيه.
بعد عشرة أيام، تم جلب قمصية إلى طبيب المسالك البولية نفسه لإجراء فحص طبي آخر بعد أن تلقى الطبيب مكالمة هاتفية من الجيش الإسرائيلي. وكتب أخصائي المسالك البولية تقريراً بأثر رجعي (كما لو كان قد كُتب قبل يومين من ذلك)، ومن دون إجراء فحص إضافي للمريض. وكتب في التقرير الجديد أنه “وفقاً للمريض، فإنه سقط على الدرج قبل يومين من وصوله إلى غرفة الطوارئ”. وهذه المرة، كان التشخيص: “ورم دموي سطحي في منطقة كيس الصفن، مترافق مع كدمات محلية موجودة منذ ما بين يومين وخمسة أيام قبل إجراء الفحص”. واختفى تقرير أخصائي المسالك البولية الأصلي، الذي كان قد كُتب بعد الفحص الأول، من ملف قمصية الطبي.
يعلِّمنا التاريخ أن الأطباء في كل مكان يستوعبون بسهولة وفعالية قيَم النظام، والكثيرون منهم يصبحون خدَماً مخلصين للنظام. كان هذا هو واقع الحال في ألمانيا النازية، والولايات المتحدة، وفي بلدان مختلفة في أميركا اللاتينية. وينطبق الشيء نفسه على إسرائيل. وتعكس قضية قمصية، إلى جانب عدد لا يحصى من الحالات، الفشل الأخلاقي والأدبي والعملي للمؤسسة الطبية في إسرائيل في ما يتعلق بالتعذيب. في وقت مبكر هو القرن الثامن عشر، كان فقهاء القانون -بدلاً من الأطباء- هم الذين ينشرون الآراء القانونية، مصحوبة بالأدلة، على أنها لا توجد صلة بين التسبب في الألم والوصول إلى الحقيقة. وهكذا، تم استبعاد كل من التعذيب والاعترافات المستخلصة بواسطة التسبب بالألم من الناحية القانونية. ويستطيع المرء أن يفترض فقط أن رؤساء “الشين بيت” والجيش والشرطة يعرفون هذا الجزء من التاريخ.
ومع ذلك، فإن التعذيب -الذي يشمل القسوة الوحشية العقلية والجسدية على حد سواء- ما يزال يُمارَس على نطاق واسع. لماذا ا؟ لأن الهدف الحقيقي من التعذيب والإذلال هو كسر روح السجين وجسده، والقضاء على شخصيته/ شخصيتها.
يعتمد الفهم القانوني لحظر التعذيب على فكرة النفعية التي تقول إنه لا يمكن للمرء الوصول إلى الحقيقة من خلال التسبب بالألم. لكن الأطباء ملتزمون -أولاً وقبل كل شيء- بفكرة أن أي شيء يتسبب بأذى بدني أو عقلي لأي مريض هو شأن محظور.
تسمح وثيقة الأهلية التي يعتمدها “الشين بيت” بمنع السجين من النوم، وتتيح للمحققين تعريض السجناء لدرجات حرارة قصوى، وضربهم، وتقييدهم لساعات طويلة في أوضاع مؤلمة، وإجبارهم على الوقوف لساعات حتى تنفجر الأوعية الدموية في أقدامهم، وتغطية رؤوسهم لفترات طويلة من الزمن، وإذلالهم جنسياً، وكسر معنوياتهم عن طريق قطع صلاتهم بالعائلة والمحامين، وإبقائهم في عزلة إلى أن يفقدوا عقولهم.
ليس نموذج الأهلية الطبية الذي يعتمده “الشين بيت” هو نفسه الذي يُستخدم للتحقق من الأهلية للانضمام إلى القوات الجوية -أو حتى لقيادة سيارة. إن هذا النوع من “الأهلية” يقود السجين مباشرة إلى غرفة التعذيب -والطبيب يعرف ذلك. ويعرف الطبيب إلى أي نوع من العملية المنهجية لتعظيم الألم والإذلال هو الذي يعطي مصادقته عليه. إنهم الأطباء هم الذين يشرفون على التعذيب، ويفحصون السجين المعذَّب، ويكتبون الرأي الطبي أو التقارير عن الحالات وأسبابها.
يمر الرداء الأبيض عبر حجرة التعذيب مثل ظل مختبئ أثناء الاستجوابات. والطبيب الذي يتعاون مع صناعة التعذيب الإسرائيلية هو شخص متواطئ في هذه الصناعة بالذات. وإذا مات سجين أثناء الاستجواب، فإن هذا الطبيب يكون شريكاً في قتله. كما أن الأطباء، وكادر التمريض، والطاقم الطبي والقضاة الذين يعرفون ما يحدث ويفضلون التزام الصمت، هم جميعهم شركاء متواطئون أيضاً.
يجب علينا معارضة جميع أشكال التعذيب من دون قيد أو شرط -وبلا استثناء. ويجب علينا، كمواطنين لدولة ديمقراطية، أن نرفض التعاون مع جريمة التعذيب، وبشكل خاص عندما يتعلق الأمر بتواطؤ الأطباء.
كما يجب علينا أيضاً أن لا نختبئ وراء فكرة أن التعذيب هو أحد أعراض الاحتلال؛ حيث يُقال لنا إن هذه الممارسة ستختفي عندما ينتهي الاحتلال. إن التعذيب هو رؤية عالمية، والتي لا يكون فيها لحقوق الإنسان أي مكان أو قيمة. وكان التعذيب موجوداً قبل الاحتلال وسيظل موجوداً ما لم نغيِّر هذه النظرة العالمية.
إن ممارسات التحقيق العنيفة والوحشية لا تفيد الأمن القومي، حتى لو تم ارتكابها باسمه. فالتعذيب يسبب تدميراً متصاعداً ودائم الاتساع لنسيجنا الاجتماعي. ولا يقتصر الأمر أن أولئك الذين يقومون بهذا النوع من “العمل” الرهيب يفقدون قيَم الأخلاق والكرامة الإنسانية والديمقراطية فحسب، وإنما يخسرها أيضاً أولئك الذين يظلون صامتين وغير راغبين في المعرفة -وفي الواقع، كلُّنا جميعاً.
 
*طبيبة ومعالِجة نفسية ونسوية ناشطة في مجال حقوق المرأة، ومؤسِّسة منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان-إسرائيل”.
*نُشر هذا المقال تحت عنوان: How Israeli doctors enable the Shin Bet’s torture industry
 
هامش المترجم:
الشاباك: هو جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، وأحد الأقسام الثلاثة لأجهزة الأمن العام الإسرائيلية التي تضم أيضاً وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) وجهاز المخابرات العسكرية (أمان). والشاباك (الكلمة العبرية لاسم جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) هي الاسم المتداول فلسطينياً، والجهاز معروف بطرق التحقيق والأساليب المثيرة للجدل التي يستخدمها ضد المعتقلين الفلسطينيين. تتألف تسمية “الشاباك” بالعربية من اختصار بجمع الأحرف الأولى للاسم العبري “شيروتي بتحون كلالي”، الذي يعني “خدمة الأمن العام” واختصاره بالعبرية “شين بيت”.