Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Jul-2017

فنجان قهوة الصباح - رزان الزيود
 
الراي - هذه رسالتي إليك علّك تقرأ ما فيها حينما تستيقظ من النوم لقراءة الجريدة مع فنجان قهوة الصباح.
 
يُقال أن من يحب القهوة كثيراً يكون مزاجه معكراً في الصباح، ويقال ان لها القدرة على الانتقال بمزاج الإنسان من تعاسة إلى سعادة، وكأن الله أودع فيها من السحر الحلال ما ليس في غيرها.. أتشرب القهوة؟
 
هل تبحث في الجريدة عن الأخبار الأكثر كآبة؟ أم لك من الخفة ما للنحلة في ارتشاف الرحيق فتكتفي بالنظر إلى العناوين القصيرة؟
 
أتقرأ الأبراج؟ وتبني على توقعاتها مصيرك؟
 
أكره هذه العادة، لي صديقة لها قلب إنسان حيّ ممتلئ بالإحسان تفتح صفحة الوفيات على الفور علّها تجد أحداً تعرفه؛ لتقدّم واجب العزاء، وفي ذات الوقت لها بين جنبيها روح تشبه روح الأطفال، تنتقل للعبة الكلمات، ذلك فحسب ما يجعلها تقرأ الجريدة كل صباح.
 
ولي صديقة أخرى تشتريها رأفة ببائع الجرائد، الذي يقف على الإشارة الضوئية في الحر الشديد، لكنها لا تقرأها، إنما شيء من الإنسانية يدفعها إلى ما تفعل.
 
أما أنا فلي طقوسي الخاصة مع الجرائد، فهي رفيقتي كل صباح، فنشرب القهوة سوياً، إذ لا أقرأها إلا مع فنجان قهوة الصباح، في مرارتها شيء يدغدغ خلايا عقلي ويبعث فيه النشاط، وقد قالها محمود درويش في كتابه ذاكرة النسيان.
 
«لم يعد لي من مطلب شخصي غير إعداد فنجان القهوة، أبدأ فيه يومي. وأبعث من خلاله في تفاصيل اليوم رائحة النشاط والحيوية.
 
القهوة لمن أدمنها مثلي هي مفتاحُ النهار، هي جيش مدجج بأفتك أنواع الأسلحة تقضى على الكآبة والمزاج المعكر، والقهوة لمن يعرفها مثلي هي أن تصنعها بيديك، لا أن تأتيك على طبق جاهز، لأن حامل الطبق هو حامل الكلام.»
 
أتحب الكلام مع فنجان القهوة أم القراءة، أما أنا فأفضل الرسائل عن الكلام، فهي من دون شك مفعمة بالمشاعر، وأحيانا أنكبّ في صمت وسكُون، وأنزوي في ركن قَصي أجمع به كل تركيزي في كتاب.
 
دعني أعود للقهوة التي أرتشفها الآن في هذه اللحظة التي أكتب لك فيها، ذاك السواد فيها وبياض فنجانها الذي يحويها يذكرني بأيام خلَت كانت من أجمل تفاصيل العمر الذي حُفر في ذاكرتنا، هل لديك حائط ذكريات في بيتك يحمل صورك وأنت ما زلت طفلاً صغيراً؟
 
أنا أنظر إليه الآن، وأنا أحتسي قهوتي؛ فأنا أحب هذا، عادة الإنسان أن يحن إلى ماضيه، أقرأ الجريدة في هذه الزاوية بالذات، وأرتشف قهوتي، كل رشفة توقظ خيالاً بعبق نسيم متأرجح بين مرارة الأيام وحلوها، كل رشفة من فنجان هذا المشروب الساحر يحرك العقل ويستفزه ليستثير ركوده.
 
أليس غريباً أن تتحكم حاسة التذوق بعقولنا قليلاً؟