Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-May-2017

الدولة المدنية تترسخ قيمها من خلال النقابات المهنية - م. وائل سامي السماعين
 
الراي - كنت قد أشرت في مقالة سابقة بان من اهم الركائز في التطور الحضاري للغرب هو ادماج التكنولوجيا في عمل الحكومات بشكل شبه فوري وهذا ما لايحدث في دول العالم الثالث اي الدول التي لا تنتمي الى الدول الغربية الصناعية او دول المعسكر الشيوعي سابقا. اما الامران الاخران المهمان, فهما دور الابحاث العلمية في الجامعات, وكذلك دور مؤسسات المجتمع المدني وهذه الاخيرة تلعب دورا محوريا بالغ الاهمية في مسيرة التطور الحضاري لأي بلد. وقبل ان نخوض في الاسباب لابد لنا من تعريف مؤسسات المجتمع المدني, فهي تلك الجمعيات التطوعية او المنظمات الانسانية او النقابات المهنية والعمالية التي تعتبر غير ربحية وغير حكومية, ويكون لها دور بارز في التعبير عن قيم او اهتمامات اعضائها او الاخرين وتلعب دورا بارزا في ازدهار المجتمعات. فعلى سبيل المثال يكون لنقابة المهندسين او الاطباء دور مهم في تنظيم العمل الهندسي او الطبي بحيث يضمن حقوق الاعضاء, ومن المفترض ضمانة وحماية متلقي الخدمة من المجتمع من اية اضرار قد تلحق به من اعضاء تلك النقابة. ومن هنا تتميز نقابة المهندسين والاطباء والمحامين في دول العالم والاردن ايضا عن غيرها من النقابات بأن لديها انظمة داخلية تسمح باجراء محاكمات داخلية لاعضائها ومحاسبتهم. تترواح العقوبات من التنبيهات الى الغرامات المالية او فرض اعادة تأهيل علمي او مهني او سحب رخصة مزاولة المهنة او تحويل القضية الى المدعي العام اذا كانت القضية ناجمة عن ارتكاب خطأ مهني مقصود به الحاق الضرر. من هنا برزت اهمية المساءلة الطبية والتأمين الالزامي للاطباء و المهندسين كشرط اساسي لمزاولة المهنة, فاذا تضرر متلقو الخدمة فان التعويض المادي والمعنوي بمحاسبة مزود الخدمة عن اهماله كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية. فمدونة السلوك الاخلاقي للمهنة هي الاداة في تقييم وضبط العمل المهني. النقابات المهنية الغربية لكل منها مدونة سلوك اخلاقي غاية في الروعة, ويشترط للحصول على رخصة مزاولة المهنة ان يتقدم المهندس الى امتحان تحريري في اخلاقيات المهنة يستغرق اربع ساعات متواصلة. ومن الناحية العملية يحاسب اعضاؤها بشكل يثير الاعجاب مما تساهم في المحافظة على قيم المجتمع في العدالة الاجتماعية فلا احد يعتدي على احد وكل يأخذ حقه بالقانون. وهذه من سمات الدولة المدنية ,فعندما يحصل خطأ طبي مثلا يتم تعويض المريض ويحاسب كل من ارتكب اخطاء. في الاردن تجد وبكل اسف ان نقابة الاطباء تعرقل اقرار قانون المحاسبة الطبي الذي ينتظره الاردنيون بفارغ الصبر. اخر زيارة لرئيس مجلس النواب تمكنت النقابة من تأخير اصدار القانون لمزيد من الدراسة والتي نأمل ان تنتهي باسرع وقت ممكن. جميع النقابات المهنية ومعظم مؤسسات المجتمع المدني لم تقم بدور فعال بالمستوى الذي نرضى عنه وخصوصا انه مضى على تأسيس البعض منها ما يفوق على الستين عاما. فدورها في ترسيخ القيم المجتمعية والمهنية لم يلاحظ, واذا افترضنا جدليا ان لها دورا فلم يكن لهذا الدور تأثير في ترسيخ اي قيمة مجتمعية يمكن ان يسلط الضوء عليها. كثير من هذه المؤسسات اضاعت جهدها في مناكفة الحكومات المختلفة ولعبت ادوارا بعيدة كل البعد عن دورها المهني, فمعظم الانتخابات كانت تجرى على اساس حزبي وهذا فيه خرق صريح وواضح للقانون بسبب تضارب المصالح, فالنقابات المهنية كانت تقع رهينة وتستغل لتحقيق مكتسبات سياسية اثناء وبعد انتخابات مجالسها. قبل عدة سنوات ارسلت لنقابة المقاولين عدة اقتراحات تتعلق برفع كفاءة العاملين في قطاع الانشاءات واقترحت في حينها ان تبدأ النقابة في التفكير بانشاء معهد تعليمي لعقد دورات مهنية الغرض منها اصدار الشهادات الاعتمادية من اجل تصنيف العاملين في هذا القطاع على غرار ما يجري في دول العالم المتقدمة ولكنني لا اعلم مصير ذلك الاقتراح. القلة القليلة من مؤسسات القطاع الخاص او الشركات تعي اهمية دورها تجاه المجتمع لادراكها اهمية المسؤولية المجتمعية التي تشمل ليس فقط في خلق فرص العمل في المناطق النائية بل في انشاء معاهد تعليمية لتأهيل جزء مهم من القوى العاملة وهي ما تسمى بالتعليم المستمر مما جعلها تستحق التكريم من قبل جلالة الملك. قد يقول قائل اننا نقلل من الانجاز ولكن الصحيح اننا نتطلع الى انجاز ملموس واكثر تاثيرا لتنهض فيه البلد, فلا القدرات البشرية او المادية تمنعنا من ذلك سوى اننا نحتاج الارادة وروح الانتماء نحو التغير للافضل.
 
الورقتان السادسة والسابعة اللتان اصدرهما جلالة الملك عبدالله الثاني تطرقتا الى موضوعين في غاية الاهمية وهما الدولة المدنية طرحها في السادسة, واما السابعة تمحورت حول بناء القدرات البشرية وتطوير العملية التعليمية لانهما جوهر نهضة الامم. من هنا يبرز الدور المحوري والمهم للنقابات المهنية في ترسيخ القيم المجتمعية التي تطرق اليهما جلالته لانهما الحجر الاساس في نهضة الاردن المستقبلية. فبناء القدرات البشرية لا يقتصر على الدور الحكومي كما يظن البعض بالرغم من اهميته بل يشمل جميع مؤسسات المجتمع المدني بما فيها النقابات المهنية كما اسلفت, والتي لها دوران اساسيان في تنمية القدرات البشرية وهما الشق المهني والشق الاخلاقي, وهذا الاخير يضبط ايقاع تقديم الخدمة فلا اطباء ُيعتدى عليهم ولا فوضى في سوق العمل فكل يعمل ضمن مجال اختصاصه حسب التصنيف والترخيص وكل يحاسب ويأخذ حقه حسب معايير الدولة المدنية التي تترجمها النقابات المهنية من خلال ادائها لعملها وتطبيق مدونة السلوك الاخلاقي المهني.