Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Feb-2017

خمس وأربعون دقيقة بين «ترامب» و «بوتين» -د. حسام العتوم
 
الراي - نعم هكذا بدأ المشوار السياسي وفي بطانته بطبيعة الحال الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين (واشنطن) و (موسكو)، بمكالمة هاتفية ارضية من وسط مكتب الرئيس (دونالد ترامب) في البيت الابيض الذي امتلأ بالأوراق والأضابير وبحضور اربع شخصيات هامة من فريقه الرئاسي الجديد وهم (مايكل بينس) نائب الرئيس وأمين عام البيت الابيض (راينس بريبوس)، ومستشاره للأمن القومي (مايكل فلين)، ومستشاره للمسائل الاستراتيجية (ستيفن بانون) بتاريخ 28/ 1/ 2017، وهو مؤشر على أهمية المكالمة والمتحدث من الطرف الأخر والذي هو الرئيس فلاديمير بوتين الغني عن التعريف الخبير السياسي والأمني والاستراتيجي وصاحب كاريزما الزعامة وليس الرئاسة فقط، وفي استمرارها 45 دقيقة تحت اجواء من الترجمة الفورية من الانجليزية الى الروسية وبالعكس، ومن الرقابة الامنية أيضاً فتحت الطريق والأبواب امام علاقات امريكية روسية جديدة نتوقعها حميمية تنهي الحرب البادرة على الأقل بين بلديهما بشكليها العلني والسري وترسي ثقة متينة بينهما من اجل معالجة كافة القضايا العالمية الساخنة والعالقة من دون حل ناجع حتى الساعة.
 
لقد سبق هذه الخطوة الطيبة الهاتفية من جانب الرئيس (ترامب) اخرى مماثلة من طرف الرئيس (بوتين) عندما هاتفه في وقت سابق مهنئاً بفوزه في الانتخابات الرئاسية الامريكية بالتنافس وعبر صناديق الاقتراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بتاريخ 20 كانون الاول من العام المنصرم 2016، ولقد جهز (الكرملين القصر الرئاسي الروسي) ذاته جيداً لخطوات مقبلة إيجابية مع امريكا باعتبارها شريكا سياسياً واقتصادياً هاماً فربط الاحزمة وواجه الاستفزازات والمماحكات (الاوبامية) السابقة إن صح التعبير ببعد النظر والرد الجميل، فأحبط خطوة الرئيس الراحل (باراك اوباما) بطرده لـ (35) دبلوماسياً روسياً بالابراق له وتهنئته بعيد رأس السنة الميلادي 2017، ووجه دعوة لأطفال الدبلوماسيين الاميريكان لحضور ايقاد شجرته الاحتفالية، ومضت روسيا في تسيير خيارها العسكري لطرد الارهاب في سورية العربية الشقيقة وحققت نتائج هامة، تكللت حسب قول لوزير الدفاع الروسي (سيرجي شايغو) بتاريخ 22 كانون أول 2016 بقتل وتصفية 35 الفاً من المقاتلين الارهابيين جراء تنفيذ جيشه لـ 71 الف غارة جوية، وتدمير 725 من مخيماتهم التدريبية، و405 من مصانعهم للمتفجرات، و150 من تجهيزاتهم العسكرية، وتصفية 204 من القيادات الارهابية وسط تعالي السنة زوابع الاشاعات الإعلامية المبرمجة ضدها واتهامها (أي روسيا) بإلحاق الاذى بسلامة المواطنين ومنهم الأطفال مع عدم قبول فرضية الخطأ في ميادين القتال عبر الجو رغم دقة عمل سلاحهم العسكري، وتصريح أحد قادتهم العسكريين الهامين مثل الجنرال (ايغور كوناشينكوف) في وقت سابق بأن سلاح جو بلاده كان يعود ادراجه عندما يرصد تجمعات سكنية في وسورية، وإصرار روسي استراتيجي حكيم بعدم الهبوط بجيشهم على الارض على غرار افغانستان عام 1979 لإبعاد تهمة اعلامية أخرى مثل الاحتلال والاستعمار. 
 
واستمرت روسيا في المقابل وبشكل رديف في دفع عجلة السلام على الارض السورية وبالتعاون مع امريكا والأمم المتحدة ودول مجلس الأمن في تحريك مؤتمر جنيف(1) عام 2012، ومن ثم مؤتمر جنيف 2 عام 2014، وأرست قواعد هامة لإنجاح هدنة نوعية بين نظام دمشق والمعارضة الوطنية وبجهد تركي وإيراني بعد ترطيب العلاقات معهما، وكانت سبّاقة في عمق الأزمة السورية وبدايتها في فك لغز السلاح الكيماوي السوري بإصدار قرار جماعي من مجلس الأمن رقم 2118 بهدف تطويق مخاطر على المنطقة الشرق اوسطية برمتها، ولم تحرك أي روسيا سلاحها ولا حتى سلامها إلا بعد اخذ اذن نظام دمشق ومجلس الدوما النواب والأعيان والكرملين ومجلس الأمن والأمم المتحدة، واجتهدت في موضوع الدستور الواجب تركه لطاولة الحوار السوري بين السلطة والمعارضة الوطنية في دمشق، وتشكل لجنة ثلاثية مع إيران وتركيا لمراقبة الهدنة السورية.
 
وفي الوقت الذي اتوقع فيه حضور كل من دميتري بيسكوف الناطق الاعلامي لقصر الكرملين ورئيس ديوان الكرملين انطون فاينو ووزير الخارجية سيرجي لافروف وغيرهم من الكبار أثناء تلقي الرئيس (بوتين) لمكالمة (ترامب) التي حملت معانٍ جديدة لأمريكا وللعلاقات مع روسيا كنا ننتظرها طويلاً عبر الحقب الرئاسية الامريكية المتتالية والمتعاقبة، وهنا لا يسعني إلا أن اسلط الاضواء على أهم مفرداتها مع السماح لنفسي بالتعليق عليها وهي:
 
أولاً: التنسيق الحقيقي للقضاء على (داعش) والإرهاب في سوريا، وهو امر هام من وجهة نظري ويحتاج أيضاً لجهد دولي منظم ودائم يربط بين الحلول العسكرية والأمنية والايدولوجية، وهو خطاب ركز عليه جلالة الملك عبد الله الثاني في المحافل المحلية والإقليمية والدولية، ويحضرني هنا قول جلالته في البادية الوسطى ( 21 / 1/ 2015) (ان الحرب ضد التنظيمات الارهابية هي حرب إستباقية ونخوضها ضد المتطرفين دفاعاً عن الدين الاسلامي الحنيف، ويجب تبني منهج شمولي لمواجهة الإرهاب والتطرف عسكرياً وامنياً وأيدولوجياً، والحرب اليوم داخل الاسلام ويجب ان يأخذ العرب والمسلمون زمام المبادرة نصرة للإسلام ورسالته السمحة. وعبر وكالتنا الوطنية للأنباء (بترا) من واشنطن نستمع لقول حديث لجلالته بتاريخ 31/ 1/ 2017 مفاده أن المسلمين هم الضحية الأولى للإرهاب على هامش لقاء الملك بنائب الرئيس الأمريكي (مايك بنس).
 
ثانياً: ترسيخ العمل المشترك وبالمنفعة المتبادلة وفق بيان صدر عن الكرملين، وهو الأمر (والكلام هنا لي) الذي اسانده لفتح صفحة جديدة تلغي معيقات الماضي اثناء الاقتراب من ملفات العالم المحتاجة لحلول ناجعة ومن دون وسيط، ولي هنا في الشرق الاوسط مثلاً على مستوى العرب وإيران وافغانستان، وابعد من ذلك حيث الملف الكوري ومسألة منع نشر الأسلحة النووية الخطيرة المدمرة للبشرية وللحضارات.
 
ثالثاً: توحيد الجهود في محاربة الارهاب الدولي، وهو أمر الساعة والدائم إلى الأمام كما اعتقد بعد الارتكاز على اجتثاث الايدولوجيا المتطرفة القادمة من عمق الجناح السلبي للوهابية والمستغلة من قبل الاستخبار العالمي لتحقيق اهداف متنوعة ومسمومة لا تخدم الإنسان ولا مجتمعه ولا دوله؛ عبد الباري عطوان في كتابه القاعدة- التنظيم السري. ص. 370 كتب يقول:(فالقاعدة تضم بين صفوف اعضائها والمؤيدين لها اشخاصاً ويرتبطون بالوهابية والشافعية والمالكية والحنفية، بل أن بعضهم يعتنق معتقدات وممارسات تتعارض تعارضاً مباشراً مع السلفية. وفي صفحة 15 منه كتب عطوان قائلا: (ما يميز تنظيم (القاعدة) عن غيره من التنظيمات الأخرى، هو قدرته على المفاجأة، وتطوير نفسه من خلال التوسع، وإنشاء فروع جديدة في ناطق عديدة من العالمين الاسلامي والغربي، وهذا يفسر فشل محاولات استئصاله أو القضاء عليه رغم الجهود والأموال الضخمة وتعدد الجهات الاستخبارية العالمية المتحالفة من أجل تحقيق هذا الهدف. والآن نراهن على حماس الرئيس الامريكي (ترامب) وخطته الجديدة الهادفة لتطويق الارهاب وسحقه وكنسه من وسط بلادنا العربية ومن على خارطة العالم، والتركيز الامريكي في هذا المجال هو على عصابة (داعش) المجرمة تحديداً مع ملاحظة تحييد مثيلتها (النصرة) وتحويلها ربما لورقة سياسية غير واضحة.
 
رابعاً: فتح المجال للقاء خاص قريب بين الرئيسين (ترامب) و(بوتين)، وهو أمر ضروري سبق وأن دعوة له في مقال سابق لي، ففي وسط العلاقات الشخصية الحميمة تكمن مفاتيح ايجاد حلول جذرية لأهم القضايا خاصة منها تلك المتعلقة بالعلاقات الأمريكية الروسية وتشنجاتها السابقة الواجب ان لا تتكرر ويتم اسدال الستارة عليها وتصفيرها، وأملي كبير هنا بإعادة واشنطن للدبلوماسيين الروس الـ35 إلى مكان عملهم في سفارة بلادهم بعد ثبوت سرابية تعكير الانتخابات الامريكية الاخيرة التي افضت إلى نجاح (ترامب) وحزبه الجمهوري)، وخسران هيلاري وحزبها الديمقراطي بفارق قليل من اصوات الناخبين الامريكان، والحاجة ماسة الآن لمناقشة المناطق الامنة حسب مقترح امريكي جديد للرئيس (ترامب)، وملف اللاجئين السوريين.
 
خامساً: جرى التركيز في المكالمة الهاتفية الرئاسية تلك على قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وعمق القضية الفلسطينية تحديداً هي مسألة في غاية الأهمية في وقتنا المعاصر، والقضية العادلة الوحيدة على وجه الأرض التي لم تجد حلاً ناجعاً وجذرياً منذ فتح ملفها عام 1948، وهي المحتاجة اليوم لإنصاف دولي بهدف اقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني الموحد، والاعتراف بالقدس الشرفية عاصمة لها مع ضمان حق العودة والتعويض وتجميد الاستيطان، واخلاء المستوطنات من ساكنيها اليهود، والعزوف عن فنتازيا ومشروع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس السرابي والمهيّج للإرهاب في المنطقة والعالم؛ قال جلالة الملك عبد الله الثاني حديثاً ومن وسط القيادة الأمريكية بواشنطن بتاريخ 31/ 1/ 2017، بأن نقل السفارة الأمريكية للقدس يقوّض السلام وحل الدولتين (حسب جريدة الرأي ونقلاً عن وكالة الانباء الأردنية (بترا) تاريخ 1/شباط/2017 وأمريكا (ترامب) مدعوة اليوم في المقابل لإعادة التصويت في مجلس الأمن صالح تجميد المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية على ارض فلسطين وعدم الاصغاء لمنظمة العلاقات الامريكية اليهودية (الصهيونية) الايباك وأفكارها المسمومة.
 
سادساً: جرى حديث بين الرئيسين (ترامب)، و(بوتين) حول الاتفاقية النووية مع إيران (5+1) المشهورة، والموقعة في العاصمة النمساوية (فيّنا) بتاريخ 14/تموز/2015 من قبل مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة (روسيا. امريكا. فرنسا. بريطانيا. المانيا). وبالإضافة لإيران بالطبع، واحيط هذا الموضوع بالذات بإشاعات إعلامية مفادها عزم (ترامب) على إعادة النظر بالاتفاقية وإلغائها بينما هي أمريكا ليست الوحيدة الموقعة عليها، وفي الابقاء على وكما اعتقد ضمانة لأمن منطقتنا الشرق اوسطية وللعالم أيضاً، وكما يقال (سلام ضعيف خير من حرب مدمرة)، وإيران لاعب سياسي ماهر خبيث وخلايا هلالها الشيعي ضارب وسط العرب والشرق وفي اركان العالم.
 
سابعاً: تطرق الطرفان (ترامب) و(بوتين) في مكالمتهما الهاتفية تلك للمسألة الأوكرانية التي تعتبرها روسيا انقلاباً على الشرعية بينما ساندت أمريكا السلطة الانقلابية بقيادة (باراشينكا) وتوقفت عند حد توقيع اتفاقية Minsk لعام 2015، والتي لازالت تتعرض لخروقات من قبل (كييف) في وقت تقدم فيه (موسكو) المساعدات الإنسانية الكبيرة لشرق أوكرانيا الموالي لها والناطق بالروسية، ورغم أن اوكرانيا دولة مستقلة منذ انفصالها عن الاتحاد السوفيتي المنهار عام 1991 إلا أنها لا تملك حق إدارة الظهر سياسياً واقتصادياً لعمقها التاريخي لروسيا بحجة الانضمام للغرب ومغازلة أمريكا والاتحاد الأوروبي وحلف(الناتو العسكري)، وهنا بقي علينا أن نؤكد أهمية التأسيس لعلاقات امريكية روسية ودولية متينة تنهي الحرب الباردة فعلاً لا قولاً وسباق التسلح كذلك خدمة للإنسان والبشرية جمعاء ولأمن العالم.