Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Mar-2020

من هنا مرّ «جنكيز كورونا»..!*حسين الرواشدة

 الدستور

كل ما فعله «كورونا» انه أيقظنا من غفلتنا، نحن – البشر- الذين تصورنا أننا امتلكنا مفاتيح الكون لندخل من أي الأبواب نشاء، نحن الذين شعرنا في لحظة غرور اننا استغنينا بعلمنا وخبراتنا وعقولنا عن السماء، نحن الذين تجبرنا على إخواننا من بني آدم وسخرنا كل ما لدينا من اجل ان نقتلهم او نجعلهم لنا عبيداً، نحن الذين حولنا هذه الأرض بكل ما أودع الله فيها من خيرات الى جحيم... فجأةً يطرق باب كهوفنا «كورونا» لنصحو على ما فعلنا بأنفسنا وبالآخرين، ولنكتشف ان ما فعلته أيدينا أقبح وأبشع مما فعله هذا المخلوق الصغير.
 
لقد كشفنا كورونا بعد ان تخيلنا ان كل ما أنتجناه من ثورات صناعية وعلمية وتقنية كفيلة ان تغطي عورات نفاقنا وعجزنا  وأنانيتنا  وسفاهة «السادة» الذين أوهمونا انهم يملكون مصباح «علاء الدين»  وعيون «زرقاء اليمامة»، حتى اذا اطل برأسه سقطت أوراق التوت فإذا بنا - كبشر- مجرد مخلوقات صغيره في هذا الكون، نحتاج لمن يرشدنا الى الصواب، لمن يضربنا على أدبارنا حتى نصحو ونفوق. 
 
بعد ان انقطع خبر السماء مع آخر الأنبياء، عليه الصلاة والسلام، أصبحت الإنسانية احوج ما تكون إلى «صرخة» جديدة تزلزل كيان الإنسان، إلى خبر نسمع عنه ولا نراه، نحس بقدرته ولا نملك الاّ أقل القليل لاستدراك سطوته، وها قد جاء محملاً بالخوف والذعر، يطير بلا أجنحة من بلد إلى آخر، حتى عمّ البشرية كلها، مؤذناً بعصر جديد، انقلبت فيه الدنيا رأساً على عقب، واستسلم فيه الإنسان للقدر المحتوم أو للمجهول، وتنازل عن حريته وكل ما يملك بحثاً عن الخلاص. 
 
قبل شهور كان كل شيء على ما يرام : السادة الكبار في هذا العالم يتحكمون بكل شيء، الإنسان بلغ آخر ما يتنماه، الأرض اهتزت فأنبتت من كل صنف بهيج، الطبابة وحركة الطائرات والمصانع وتغريدات الساسة ومواعظ رجال الدين وتنبؤات «الافاكين» في الاقتصاد وحقوق الإنسان والاكتفاء الذاتي، وخطط الغزو للأرض والفضاء، وخرائط الحروب الجديدة...كلها تسير وفق ما رسمه الخبراء والمتخصصون، فجأة، من هنا مرّ «كورونا» ٫ او ربما طاف عليها وأهلها نائمون، فأصبح كل شيء «كالصريم»...قرى خاوية على عروشها «وبئر معطلة وقصر مشيد». 
 
هنا، سقطت آخر حصون «الرأسمالية»، هنا تبخرت أخلاقيات «الليبرالية»، هنا تهدمت معابد التدين المغشوش، هنا انتهت أساطير القوة والاستغناء والجبروت، وانكشفت لعبة حقوق الإنسان ومزاداتها القائمة، وانكسرت حواجز الخوف من الموت القادم على متن السفن المؤللة بالطائرات والصواريخ، هنا اكتشف الإنسان معنى جديداً للحياة وللحرية وللكرامة، هنا ستعانق الأرض السماء منذ قطيعة استمرت لقرون طويلة، هنا ستأخذ الأرض «زينتها» من جديد، ستتحرر من الكراهية والأساطير التي صنعها البشر لاستعباد البشر.
 
 كما مرّ المغول ذات تاريخ من الصين الى بلادنا ثم تمددوا على مرمى البصر، مرت جيوش كورونا على ذات الطريق، لينشأ عالم جديد لم نعرفه بعد، لكنه ربما سيكون أفضل من هذا العالم الذي طفح فيه الكيل من الظلم والقهر، ومن العبث بحياة وكرامة بني آدم وبموارد الكون أيضا.