Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Nov-2019

عن الفساد والاستبداد..*د. محمد ناجي عمايرة

 الراي

الفساد ظاهرة قديمة متجددة بل انها مستمرة ومتنامية ما لم تجد من يكافحها ويمنع تغولها على المجتمع ومؤسساته. وقد تواترت اخبارها منذ القدم في الكتب المقدسة لدى مختلف الديانات السماوية، واخبرنا القرآن الكريم بخاصة عن الشعوب والأمم القديمة عاد وثمود وارم ذات العماد وفرعون ذي الأوتاد، وما فعل الله بهم جراء فسادهم وطغيانهم.
 
وهذه الظاهرة الاجتماعية السلبية ترتبط دائما بالظلم والاستبداد الذي يشجع عليها ويحميها وتزدهر في اجوائه. ومعها تغيب العدالة وتنعدم المساواة وتضيع الحقوق وتختل الواجبات. وهذا ما نبه اليه العديد من المفكرين والفلاسفة والمصلحين والمؤرخين على مر العصور.
 
والظلم ومعه بالطبع الاستبداد والفساد مؤذن بخراب العمران كما قال ابن خلدون، وخراب العمران مصطلح يعني زوال الحضارات وانهيار الدول. وهذا مؤشر على ان الترابط بين هذا الثالوث «غير المقدس» هو ترابط السبب بالنتيجة.
 
إن وجود هذه الظاهرة او غيابها يفصح عن طبيعة الحكم والنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي القائم في أي بلد من البلدان. ولهذا يكون الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ضروريا وواجبا حتى لا تنهار الدولة ويتزعزع نظامها ويأتي نذير زوالها.
 
والإصلاح الواجب والملزم يتطلب معالجة أساسية وحاسمة وعاجلة، لهذا الداء الذي يصيب اسس الدولة ويهدد وجودها وكيانها. وبغير الإصلاح الحقيقي تصبح «البيعة» مفقودة والشرعية مغيبة والعقد الإجتماعي باطلا.
 
وهذا الترابط المنطقي المحكم يعطي الشعب الذي هو مصدر السلطات وصاحبها جميعا، حق الثورة او الانتفاض، ليأخذ زمام المبادرة ويستعيد القرار السياسي، وفقا لكل النظم الحديثة القائمة على «الديمقراطية» وحقوق الإنسان.
 
وهنا يتوجب ان تكون مكافحة الفساد اولوية عاجلة، ليكون الإصلاح حقيقيا ومنتجا. ولعل المشكلة الأولى في بلداننا العربية تكمن في اسلوب المعالجة ومصداقيتها وشفافيتها ووضوحها. لأنها تفشل حين تكون انتقائية او منحازة او جزئية او جهوية وتمييزية. حيث تصبح قاصرة وغير مؤثرة.. وتظل هذه الأمراض تنخر في عصب المجتمع ومؤسساته وهيئاته وتشكيلاته السياسية والاجتماعية. والأهم من هذا كله أن المعالجة المتكاملة والشاملة والحقيقية تتطلب أولاً إرادة سياسية، وإدارة حازمة وقوانين صادقة وقضاء عادلاً ومستقلاً وسرعة في إصدار الأحكام، وفي تنفيذها.
 
إن الديموقراطية تقوم على وجود سلطات ثلاث: تنفيذية وتشريعية وقضائية، وهي مستقلة تماماً عن بعضها لضمان العدالة وتحقيق المساواة، وإعلاء شأن تكافؤ الفرص. وكلها لا تكتمل دون التعاون بين هذه السلطات الثلاث، رغم استقلالها، ليأتي الأداء منسجماً مع متطلبات الدولة العصرية والمدنية، بعيداً عن الطائفية والتمييز العرقي أو الجهوي، وليكون جميع المواطنين سواء أمام القانون في الحقوق والواجبات تحت مظلة الحكم الرشيد والحاكم الصالح وفي ظل منظومة أخلاقية ضابطة.
 
وتبقى المسافة شاسعة بين عدالة السماء وسعي أهل الأرض إلى الحق والعدل لإعلاء شأن الخير والجمال.