Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Feb-2019

مسألة غياب الثقة* حسن البراري

 الغد

وكأن لسان حال الأردنيين يقول طفح الكيل، فالمراقب لما يقوله الأردنيون على وسائل التواصل يشعر بأن الناس ما عادت تحتمل أي خطوة تقوم بها الحكومة إن لم تكن هذه الخطوة شفافة، وعليه لا يعقل أن تقوم الحكومة بتعيين أشقاء النواب في مراكز قيادية دون أن يرف لها جفن في وقت هناك المئات من أصحاب الكفاءة النادرة من دون عمل. لست متأكدا من أن الحكومة تستوعب التراكم في حالة الاحباط العامة وهي حالة ساهمت بها الحكومة الحالية بشكل لم يعد يخفى على القاصي والداني.
ما يبعث على الأسى أن الحكومة غير قادرة على التعلم، فمجرد أن ينبه جلالة الملك الحكومة بشأن التعيينات الأخيرة يعني أن رأس الدولة يشكك أيضا بالإجراءات الحكومية، وبدلا من أن تقوم الحكومة بتوضيح الأسس التي اعتمدت يصر رئيس الحكومة على أن حكومته ستراقب أداء المعينين. هذا الدفاع عن وجبة التعيينات ليس مفيدا بل يعزز انطباعا سائدا بأن هناك فجوة بين الحكومة والأردنيين وأن الحكومة تتعامل مع الشارع ببلادة سياسية عز نظيرها.
ولكي نضع المسألة في سياقها السياسي الصحيح لا بد من التوقف عند حقيقة عكستها كل استطلاعات الرأي والتي تفيد بأن هناك فجوة ثقة متنامية بين الأردنيين والحكومة، والمتابع للشأن العام لا بد له إلا أن يلاحظ بأن كتب التكليف السامية تطلب من الحكومات المتعاقبة استعادة ثقة الناس، وهذا يؤشر إلى أن رأس الدولة يعي بأن الأردنيين لا يثقون بالحكومات.
بالنسبة لي المسألة تتجاوز التعيينات، فهم ربما يمتلكون المؤهلات المطلوبة، لكنها ليست المرة الأولى التي تقوم بها الحكومات بتعيين محاسيب النواب وغير النواب، فعدم الانتباه إلى التراجع الكبير في ثقة الناس بالحكومة من شأنه أن يخلق حالة من البلادة السياسية وهي أخطر ما يمكن أن تكون على الاستقرار الداخلي. بمعنى آخر، لم يعد الناس مقتنعين بما تقوله الحكومة وهي تعطيك من طرف اللسان حلاوة لكنها في واقع الأمر أبعد ما تكون عن ملامسة احتياجات الأردنيين في ثلاث قضايا مركزية وهي: البطالة والفقر والارتفاع الجائر بالأسعار.
وحتى لا أكون انطباعيا، أقول بأن هناك دراسات علمية واستطلاعات تفيد بأن مجلس النواب لا يحظى على ثقة المواطنين، فهناك فقط 14 % راضون عن أداء المجلس، لكن الغالبية الساحقة من الأردنيين ترى بالمجلس – الذي تحول إلى حلبة مصارعة – أحد أهم أسباب حالة الاحباط الوطنية التي أصابت البلاد منذ سنوات دون أن تحاول الحكومات أن تعمل أي شيء من شأنه استعادة ولو جزء يسير من ثقة المواطنين.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن المؤسستين الأهم – التنفيذية والتشريعية – التي كان ينبغي أن تحققا توازن السلطات تتحولان إلى عبء على المواطنين، وما حالة التنمر اللفظية التي يقوم بها أعضاء من البرلمان إلا سحابة دخان تخفي خلفها صورة بشعة من الصفقات التي تتم بين الحكومة وأعضاء من المجلس. والنتيجة أن الشارع لا يثق بهما معا. والحق أن عدد النواب الذين يمكن أن يخاطبوا الناس بشيء من الاقناع يكاد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، وذات الأمر ينطبق على الوزراء. وعلينا أن نتخيل لو انفجرت أي أزمة في البلاد وحاول النواب والوزراء التدخل، فهل سيأخذهم أحد على محمل الجد؟ هنا مكمن الخطورة وبخاصة بعد أن تجاوز الشارع الجميع وأصبح له منابره الخاصة في تكوين الرأي العام والتأثير على مزاج الأردنيين.
لا أعتقد أننا نمتلك رفاهية الانتظار أكثر مما مضى، فهناك حاجة وطنية للبدء باستعادة ثقة المواطن الأردني بمؤسساته وإلا لوصلنا إلى حالة من اليأس سيكون لها ما بعدها. نعرف أن الحكومة لا يمكن لها التصدي لكل ما يريده المواطن لكن بما أن الحكومة هي من يدير دفة الأمور فإن عليها العمل ولو بالحد الأدنى وفق رؤية علمية لاستعادة ثقة المواطن الأردني بالمؤسسات. وللتأكيد لم يهب الشارع اعتراضا على تعيين أردنيين لكن تنتابه الشكوك من اجراء ربما طبخته الحكومة مع أعضاء من مجلس النواب.