Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Oct-2020

حرائق الحزن والوجع في ديوان «كيف أقنع العصافير» لميادة مهنا سليمان

 الدستور-الناقد فوزي الخطبا

 
شاعرة يفيض شعرها بمباهج القلب وجمرة الوجد وجمال الصورة وإيقاع متجانس منساب مع المولد الشعوري الثري، الذي يمتزج مع الشعر تنسج قصائدها بلغة وجدانية عالية تتعانق المباني مع المعاني بلغة صافية طازجة يشف عن قلب مسكون بالجمال والبهاء والوجد، تغذي قصائدها بحقول من الياسمين، في نصوصها إيقاعات موسيقية عذبة تغريك بالقراءة والتأمل بما يتناسب منها من موسيقى قريبة إلى النفس والقلب، في شعرها نزعة إنسانية وأبعاد قومية ووطنية وسمو روحي وإيحاءات ودلالات وتجسيد، وتوازن بين المضامين والمعمار الفني، وهي صاحبة ذائقة فنية متسامية.
 
وراءها ثقافة شعرية وأدبية عميقة وتستند إلى بحر من بحور زاخرة من تراث الأمة.
 
هي خريجة كلية الآداب وأستاذة اللغة العربية، وتتجول في حدائق الأدب وأزاهير البلاغة فجاء شعرها محملاً بأجمل الصور وأروع التراكيب بعيداً عن التأويل والألغاز والرمز المعمى. تدخل نصوصها القلب دون استئذان، فينابيع قلبها متفجرة غنية بالوجد والوجدان والأحلام والأمل وقيم الجمال والخير والمحبة، فتأتي نصوصها لوحات شعرية متدفقة عبر لوحات فنية أخاذة تفيض بوحاً وجمالاً وغناءً وكشفاً وشوقاً وصدقاً، جاءت هذه الدلالات في أعمالها الإبداعية وهي: (تبا للقرنفل الأحمر)، (عناية فائقة للحب)، (رصاص وقرنفل).
 
ولها أعمال شعرية و قصصية مشتركة تتجاوز سبعة أعمال مع مبدعين عرب.
 
وصدر لها أخيرا ديوان شعر بعنوان (كيف أقنع العصافير).
 
ويتألف من أربعة أقسام: يوسفيات: ثلاث قصائد، مواجع عربية: عشر قصائد، مواجع يتم: خمس قصائد، خفقات حب: عشر قصائد.
 
لقد عزف هذا الديوان على وتر الحزن الشفاف والموت الذي اكتوت بناره فجاءت نصوصها دفقات شعورية، وعاطفة جياشة مفعمة بالصدق والحميمية، تضج بالحزن والأسى على فلذة كبدها وشغاف قلبها ونور عينها «يوسف»، فجاءت قصائدها مكثفة شفافة بإيقاعات منسابة بموسيقى عذبة، تتدفق معانيها من روحها. تتماهى مع كل جملة ومقطع ونص، وينعكس حزنها الشفاف، وفيضٌ من صوفيتها الجوانية المتدفقة بالحب والحنان، فجاءت كلماتها تحمل صورة الشجن والوجع المضني وصدق العاطفة وحيوية الكلمات النابضة بالحركة وبراعة التصوير، وعفوية ناصية النصوص التي تأتيك بعفوية وبساطة لا تحتاج إلى معاجم وتأويل أو إسناد لأنها تعبر عن احتراق القلب ولواعجه الدفينة، والألم الموجع والأحاسيس والمشاعر الساخنة التي تعزفها الشاعرة على إيقاع حرائق القلب ومشاهد من الذكريات، فقلبها ممزق وروحها هائمة تستل من جمر الذاكرة تفاصيل من حياة الحاضر الغائب يوسف الجميل الذي كان بهياً في طلعته وحضوره وجماله، يضيء القلب ويبهج النفس، ويملي الوجد بعبق من روحه، يوسف في قصائد الأم الشاعرة سيل من الأمنيات والأماني المشتهاة قبل أن تخطفه يد المنون.
 
تقول في قصيدتها (كيف أقنع العصافير):
 
بعدَ رَحيلكَ
 
كيفَ أقنِعُ العصافيرَ
 
بأنَّها
 
لم تعُد يتيمةً بعدَكَ؟
 
وبأنَّ هناكَ طِفلًا ما
 
سيُهرِّبُ إليهَا
 
المَاءَ الصَّالِحَ لِلحُبِّ
 
وبأنَّ هناكَ طِفلًا ما
 
سينثُرُ لها حُبوبَ الفرَحِ..
 
لقد جاءت قصائد هذا الديوان بنسق جمالي في غاية الدهشة والجمال.
 
تقول في قصيدة (حَيْدَرِيَّةُ العِشْقِ أنَا):
 
بِزَمزَمِ شَفَتَيكَ
 
تَوضَّأْتُ
 
على سَجَّادَةِ الوَفَاءِ
 
أُصَلِّي..
 
بَخُّورُ أنفَاسِكَ
 
قِبلَتِي
 
يا أجملَ تَراتِيلِي!
 
يَا أنتَ!
 
لِخَفقِ الطُّهرِ في نَبضِكَ
 
كَمْ وَكَمْ مرَّةٍ رَكَعْتُ!
 
في ألفاظها وكلماتها حرارة واحتراق، هي لا تكتب رثاءً خطابياً وإنما تكتب حروفها من قلبها وتصف حالة نفسية شعورية داخلية برهافة دفاقة بعمق الألم والفقد، وحرارة نبضها عالي تبث نجواها وزفراتها وتشعر بنارها عن بعد، إن هول المصيبة أدمى قلبها وكساها حزناً عميقاً فهي تكتب من أعمق الأعماق.
 
وكذلك تحدثت عن حزن الأمومة (الأم) فجاءت قصائدها تنزف ألماً ووجعاً وحزناً وآهات وأنات.
 
تقول في قصيدة (أخبريني ياأمي):
 
أَخبِريني يا أُمِّي:
 
مَن يُزركشُ النُّورَ
 
على قمصانِ الفجرِ
 
مَن يصنعُ ربطاتِ عنقٍ
 
للعُمْرِ النَّازِحِ على أرصفةِ القهرِ؟
 
مَن يؤنِّقُ الحُزنَ
 
ومَن يغزلُ
 
لشرانقِ اللوعةِ
 
طرحةً من ألوانِ الفراشاتْ؟
 
بثت الشاعرة لواعج حزنها المقيم بحرارة وصدق وحرقة من أعماق ذاتها وأغوار نفسيتها، فجاء كل هذا بجمال التعبير وإشراقة اللغة وحسن بيان آسرة في بلاغتها وتشكيلاتها الفنية وإيقاع ألفاظها وترميزاتها المتعددة الدلالة وتدفق معانيها (وعندما تحدث الفجيعة يولد ذلك النوع من القلق الخلاق وبهذا تدفع الإنسان إلى التحول وإلى تجاوز ذاته) وهكذا كانت الشاعرة ميادة سليمان في ديوانها (كيف أقنع العصافير) تجاوزت ذاتها. وحلّقت في فضاء النسق الشعري وبرزخ الوجع ببراعة وقوة وذكاء.