Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Aug-2018

سيدي الملك.. ما لها إلا أنت!! - د. عمر الحضرمي

الراي - إن الراصد لتاريخ ظاهرة الفساد، يجد أنها ظاهرة لازمت العديد من الأنظمة السياسية غير الصالحة، إنْ لم يكن جميعها. وقد جاء ذلك على خلفيات تدنّي القيم والأخلاق، أو الابتعاد عن الرشد الذي لن يكون متحصّلاً إنْ لم تُحصّن المجتمعات بالثقافة والعلم، وتعظّم القيم والمبادئ الصالحة بالرعاية والمؤازرة. من هنا، فإن الفكر السياسي الحديث قد بدأ يدرس الأنظمة السياسية على أساس منهج الثقافة السياسية الذي أخذ أصوله من أواخر أيام الفكر الأفلاطوني، ذلك الفكر الذي ركّز على ضرورة تنمية المجتمع وتثقيفه، حتى يستطيع أنْ يُفرز سلطة راشدة، ومن ثمَّ إنشاء دولة ذات صلاح سياسي.

لم تُغِْفلْ أية مقاربة قديمة؛ أم حديثة تحدثت عن الأنظمة السياسية، إلاّ وأفردت جزءاً ليس بالبسيط لقضية الفساد، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ذلك في حديثها عن الإصلاح والرشاد. ففي القرآن الكريم وردت مفردة الفساد؛ جذورها ومشتقاتها، إحدى وخمسين مرّة. وضمن نصوص الكتاب المقدس نجد معالجة واضحة لظاهرة الفساد.
كما شخّص المفكرون في الغرب والشرق ظاهرة الفساد، فتحدث عنها حمورابي وسولون وأفلاطون وأرسطو، وجعل منها ابن خلدون الطور الخامس من مراحل عمر الدولة الذاهبة نحو الانحلال.
مما لا شك فيه أنّ المجتمعات من شرق الأرض إلى غربها ومن فوقها إلى تحتها، يشهد كل منها قدراً معيّناً من الفساد، ومن الحقيقة أيضاً انتفاء وجود "المجتمع الفاضل" أو "المدينة الفاضلة" الخاليين تماماً من الفساد ومن الفاسدين أو المفسدين، ولكن ما يشغل بال الناس هذه الأيام هو حجم الفساد وتشابك دوائره، وترابط حلقاته وآلياته بدرجة غير مسبوقة، الأمر الذي يهدد مسيرة المجتمعات ويصيب مستقبلها في الصميم، خاصة ما يترتب على ذلك من تدمير للقيم بعد إعادة تدويرها بشكل خطير يؤدي، بالفعل، إلى ضمور الأخلاق، ثم ضعف القانون، انتقالاً إلى مأسسة الفساد وبالتالي انهيار الدولة.
وهنا نرى الفاسدين والمفسدين يتوارون خلف مسمياتهم الجديدة فيصبح "الفساد" "احتجاجاً مبرراً" وتصبح "الرشوة" "هدية مقبولة"، ويصبح "المال العام الحرام" "مال حكومة" يحل الاعتداء عليه، ويصبح الفاسد والمرتشي يحملان ألقاب "البطولة" و"الجرأة".
إلا أنّ ذلك لا يعني استحالة القضاء على الفساد، ولا يعني توقف مسيرة الإصلاح، ولكن ذلك يحتاج إلى إرادة صادقة لتجفيف بؤر الفساد والقضاء عليها، وإلى نيّة حقيقية للإصلاح.
سيدي جلالة الملك، كنت دائماً صاحب المبادرات، وسعيت جهدك للتصدي للخطر الداهم، وليس لنا إلاّ االله ثم أنت وأنت وحدك، لأننا فشلنا أن نجد أحداً يوقف الفساد ويوقف المفسدين والفاسدين عند حدّهم سواك. نسأل االله لك التوفيق والسداد، وأن يعطيك القوة من عنده لدرء الفساد. اللهم آمين، اللهم آمين.
ohhadrami@hotmail