Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-May-2017

في تونس يهتفون.. «مانِيش مسامِح»! - محمد خروب
 
الراي - لم يتوقف حراك الجمهور التونسي,وبخاصة جيل الشباب الغاضب الذي فجّر ثورة(17 كانون الاول 2010)أو ما استقرّت تسميتها لاحقاً ثورة(14يناير/ جانفي 2011),ذلك اليوم الذي «هرَب» فيه الجنرال المُستَبد بن علي الى الخارج, فرأى التوانسة انه اليوم الذي يجب ان يحتفلوا فيه,بتخلّصهم من الديكتاتور الذي أوصلهم الى ما كانوا عليه طوال ربع قرن,من ظلم واستبداد وقمع وانهيار في الخدمات والامن وسيطرة بطانة فاسدة تخفّت خلف حزب نخبوي لم تكن سوى المصالِح الشخصية,تعني من حازوا على عضوية الحزب الذي «يفيض»اسمه بايحاءات تُغري كل «وطني»الالتحاق به لتحقيق هدفين نبيلين,احدهما التزام الدستور والآخر العيش في مجتمع ديمقراطي,حيث حمل الحزب اسم «التجمّع الدستوري الديمقراطي», لكنه كمعظم الاحزاب العربية التي تحمل اسماء برّاقة,فيما تعاني من الخواء والتجويف الداخلي وغياب الديمقراطية والنقد الذاتي وخصوصاً البرامجية والتواصل الجماهيري,ما حوّلها بالفعل الى مجرد دكاكين يجتّر قادتها ذكريات «الزمن الجميل»الذي كان رغم اكلافه الباهظة وما يلحق بالمنتسبين الى احزاب ذلك الزمان,من عسف وتنكيل ومطاردة وحملات تجويع وفصل وظيفي ومنع من السفر والعمل وغيرها,مما يعجز المرء عن ايراد ما حفلت به اجهزة الانظمة العربية من «ابتكارات وإبداعات» في التعذيب وفنون القهر والاستبداد,الا ان الزمن الرديء الحالي, رغم «الحرّيَة» التي تتمتع به الاحزاب القائمة وخصوصاً تلك التي كانت محظورة,فإنها لم تأتِ بالخير على العمل الحزبي والسياسي والجماهيري,بما هو الاطار الذي تنمو فيه ثقافة الديمقراطية وتتجذر فيه الحياة الحزبية,ويأخذ النقاش الجماهيري فرصة لإبراز الوجه الوطني والديمقراطي الذي تسعى فيه النخب السياسية والحزبية,للتنافس على قيادة الدولة والاحتكام للجماهير في صناديق الاقتراع بما هي خطوة اولى – وليست هدفاً نهائياً – لتداول السلطة على نحو سلمي,والاستعداد للمساءلة والمحاسبة تحت طائلة العزل,امام الهيئات المنتخبة وليس المُعَيّنَة أو القادمة الى المجالس التشريعية بالتزوير وقوانين الإنتخاب المُفصّلة خصيصاً لرجالات السلطة والمال,او الحزب الحاكم وأزلامِه.
 
ما حدث في تونس طوال السنوات الست الماضية,كرّس مشهداً «هجيناً»ليس فقط على صعيد وجود عدد غير معقول – وغير مطلوب او لازم – من الاحزاب,وصلت حتى الان الى اكثر من مائتي حزب,وانما ايضاً في الظروف المُستجِدة وطبيعة التحالفات والاصطفافات التي لا تتوقف في مشهد الحياة السياسية والحزبية التونسية,فضلاً عن الانشقاقات والتشظي في الاحزاب الرئيسية التي تسيّدت مشهد ما بعد ثورة جانفي,وبخاصة صفوف حزب نداء تونس الذي يقوده الرئيس قائد السبسي.كل ذلك فتح الطريق على عودة رموز تيار بن علي الى مقدمة المشهد,بعضهم مستفيداً من حال الفلتان الأمني والسيولة السياسية والحزبية,والتراشق الذي لا يتوقف بين الاحزاب الرئيسية والتذبذب الانتهازي المحمول على غموض مقصود,الذي ينتهجه حزب حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي,هذا الحزب الذي لم يستقر بعد على موقف سياسي واضح,إزاء ما يجري على الساحة التونسية,من حراك واضطراب داخلي.تمظّهَر – وما يزال – في سلسلة احتجاجات غاضبة وتمرد شعبي متصاعد,كانت ولاية تطاوين (جنوبي البلاد) مسرحاً له منذ شهر تقريباً,ولم تنجح محاولات رئيس الحكومة يوسف الشاهد,في تهدئة المتظاهرين أو الحوار معهم,بل تم استقباله بإضراب عام وهتافات تطالبه بالرحيل, ما انتهى لاحقاً,بإقالة والي الولاية ومعتمَدِها الاول, ليس سوى انهما لم ينجحا في توفير «حماية» لرئيس الحكومة,وليس لأنهما اخفقا في اقناع المتظاهرين,أو لم يستخدِما الشدة المطلوبة لقمع هؤلاء الذين يتظاهرون,على خلفية مطالب اجتماعية وتنموية,وليس سياسية أو تهديد للحزب الحاكم او رئيس الحكومة.
 
مَن تظاهروا في شارع بورقيبة الشهير في العاصمة تونس,يوم السبت الماضي ضد مشروع قانون تُدافِع عنه الرئاسة التونسية ينص على «عفو يشمل قضايا فساد مقابل تعويض أضرار»,اعاد التذكير بالشعار العظيم الذي نَحَتَه التوانسة في مواجهة نظام بن علي: «الشعب يريد إسقاط النظام»لكن اصبح هذه المرة,»الشعب يريد إسقاط الفساد»,و»هذا القانون لن يمر»,في الوقت ذاته الذي برزت فيه يافطات باللهجة التونسية الجميلةتقول: مانيش مسامح (أي لن أُسامِح),وهو بالمناسبة اسم «الإئتلاف» الذي دعا للتظاهر.
 
.. لا يُخفي المتظاهرون اهدافهم ورغبتهم في مساءلة الفاسدين اولاً وقبل كل شيء,ثم تأتي بعد ذلك المصالحة,أما أن يتم الذهاب مباشرة الى «المصالحة»عبر القانون الذي كان اقترحه الرئيس الحالي السبسي منذ عامين,والذي يحمل اسم قانون»المصالحة الاقتصادية والمالية»وينص على العفو عن اشخاص وخصوصاً رجال الاعمال أو مسؤولين سابقين في نظام بن علي, مُلاحَقين في قضايا فساد, مقابل دفع المبالغ التي حصلوا عليها (دون وجه حق) إضافة الى «غرامة مالية»,فإن المتظاهرين يرفضون مثل هذا المنطق «المُتواطئ»الذي تقف خلفه دعوات وتبريرات متهافتة تقول: ان الامر كله,إنما جاء بهدف «تحسين مناخ الاستثمار» في بلد يُعاني صعوبات اقتصادية,وايضاً لاستعادة ثقة المواطنين في الادارة.
 
الحملة الرافضة لقانون كهذا آخذة في الإتساع,والدعوة الى سحبه الفوري والنهائي,من لجنة التشريع في البرلمان التونسي,لم تتوقف وتجد دعماً من منظمات غير حكومية تونسية واجنبية,حيث ترى تلك المنظمات ان القانون يُبيِّض الفساد,ويُهدِّد الانتقال الديمقراطي في البلاد,كما ويتعارض خصوصاً مع شعارات الثورة وأهدافها,في الحد من البطالة والفقر ومحاربة الفساد والمحسوبية,التي «مَيّزَتْ» نظام بن علي طوال ربع قرن,فهل ينجح المُعارضون في سحب القانون؟ أم سيمضي داعموه.. قُدُما لِإعادة «كل رِجال الديكتاتور» الى صادرة المشهد من جديد وكأن ثورة لم تنشأ ضد نظام فاسد وقمعي...وتابِع؟
 
.. الايام ستقول.
 
kharroub@jpf.com.jo