Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Feb-2017

مقولة استعمارية نرفضها - ابراهيم العجلوني

 

الراي - يذهب «أرسطو» الاغريقي و»روسّو» الفرنسي، كما يذهب بعض العلماء الغربيين المحدثين، الى ان الانسان تنمو ملكاته الفكرية ومداركه العقلية في المجتمع وللمجتمع.
 
ثم يُستشهدُ على ذلك وها هنا موضع الاستشكال بما كان من بعض الاطفال الذين نشأوا في احراش الهند واستراليا حيث تبيّن من اختبارات ذكائهم ان مستوياتهم منحطّة جداً – بحسب زعم الدارسين – وانهم اقرب الى الحيوانات منهم الى الأُناسي. 
 
وإذا كان مثلُ هذا الكلام – ولا سيما مدخله النظري دون الشاهد المضروب عليه – مقبولاً للوهلة الاولى، وقبل ان يتناوله العقل الناقد بالنظر المدقّق، فإنه يوشك لدى التحقق ان يغدو بعضاً من تعلاّت المركزية الغربية او من تبريراتها للانتداب الكوني الذي يمارسه الاستعمار على شعوب الارض، ذلك ان درجة الذكاء بحسب المثال السابق هو فقر الاشياء ومحدوديتها او غناها وكثرتها، لا أنماط العلاقات التي يمكن للعقل ان ينشط في ادراكها في الحالة الاولى او التي يمكن له اغفالها او ان يكون عميّاً عنها في الحالة الثانية.
 
إن من شأن العقل الذكي ان يركّبَ من المعطيات المحدودة عوالم متراحبة، ومن شأن العقل الكليل أن يخسر وعيه عن جبال من المعطيات المتراكمة، ولقد نجد طفلاً هندياً يعيش في غابة أذكى فؤاداً وأبعدَ بصيرة من عشرة اطفال يحيون في عاصمة الولايات المتحدة الاميركية او في لندن او باريس.
 
إن غلبة الغرب العسكرية والاقتصادية على شعوب الارض – وهي غلبة مؤقتة – لا ينبغي ان تدفعنا الى التسليم بما يقوله مفكّروه ومنظّروه، ولا سيما المسكونون بالنزعة العِرقية الاستعلائية الواهمة، وعوداً الى المثال المذكور آنفاً، فإن لنا ان نتصور عشرات من اطفال الغابة الهندية وهم يبزّون اقرانهم الغربيين في المفاعلات الذرية وصناعة الاقمار الصناعية والمركبات الفضائية، حيث لم يمنعهم المجتمع المحدود الذي نشأوا فيه من أن تبلغ مستويات ذكائهم درجة تتقاصر دونها عقول آلاف الشباب المكدّسين في صالات الديسكو في عواصم الغرب او المزدحمين في عيادات الاطباء النفسيين او الذين تقف بهم أحلام الهرويين بين اليقظة والمنام في خَدَر حضاري يستغرق اعمارهم.
 
لقد كان من بعض تعريفات الفلسفة انها (قَدْر محدود من المعلومات مع قدرة متميزة على التفكّر) وهذا يعني ان المعطيات القليلة لا تمنع من ارتفاع مستوى الذكاء بحال.
 
على أننا لا نسلّم بأن ساكن الحرش او الغابة اقل آفاق نَظَرٍ ومعطياتٍ من ساكن لندن او واشنطن، لان الذي عليه المعوّل في هذه المسألة هو «درجة الانتباه».
 
ومن أُتيح له أن يقرأ قصّة «حي بن يقظان» لابن طفيل يرى الى «العقل الفطري» كيف أنجز بناءً فلسفيّاً لا تندّ عنه اي قضية من قضايا «العقل العالِم» الذي اختلف الى المكتبات والجامعات في الحاضرات.
 
ومهما يكن من أمر فإن من محصول تجاربنا المشهودة أنّ فلاحاً فصيحاً قد يكون أقوى منطقاً وأنفذ رؤية من مدرّس أكاديمي وأن مرجع الأمر في اختبار الذكاء ليس كثرة الاشياء حول أحدنا وإنما القدرة على درك أبعادها ودلالاتها.