Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Jun-2018

تغيير القوانين .. من حيث المبدأ - د. زيد حمزة

 الراي - عادةً ما ترد في الدساتير نصوص تعطي الحكومة الحق في اقتراح القوانين الجديدة أو تعديل القديمة منها، لا بل إن ذلك واجب من واجباتها الاساسية فهي بوزاراتها واجهزتها المختلفة تدرك اكثر من اي جهة سواها مدى الحاجة لتجديد القوانين وتغييرها أو حتى الغائها انطلاقاً من خبرتها الميدانية بعد تطبيقها لفترة من الوقت وهي التي تتعرف على الصعوبات التي تواجه هذا التطبيق وكيف يمكن التغلب عليها بتعديل هنا أو اضافة هناك، كما أنها ترصد ردود فعل المواطنين نحوها وهل هم راضون عنها جزئياً أو كلياً وأين تقع نقاط الضعف فيها أو مواضع الخلل التي قد تؤدي الى الأَضرار بالمصلحة العامة أحيانا وذلك بالاصغاء لنبض الشارع عبر ما يُدعى بوسائل التواصل الاجتماعي التي حلت تقريبا محل ماكان سائداً من عرائض الشكوى أو برقيات الاحتجاج، وعبر الصحافة التي كانت تُلقب بالسلطة الرابعة لكنها الآن اتسعت كثيراً خارج النطاق التقليدي للصحف الورقية أو بواسطة المذكرات والتقارير والمطالب التي تتقدم بها مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها بالطبع النقابات ، وعلى رأس ذلك كله تتربع المجالس النيابية فهي الناقلة الدستورية لرأي الشعب والصانعة النهائية

للتشريعات خاصة حين تنهض بها الاحزاب السياسية.
من هنا لم يكن غريبا ولا شاذا أن تقوم الحكومة السابقة بتقديم مشروع قانون جديد لضريبة الدخل
يتضمن تعديلات عديدة لاقى بعضها إن لم يكن جلها اعتراضات واسعة من لدن فئات وشرائح مختلفة
وبعضها ذات أولويات متناقضة فيما بينها من حيث المكاسب والخسائر جراء القانون المقترح ، لكن الذي
كان شاذا وغريباً هو إصرارها على المضي قدماً في دفع مشروع القانون إلى البرلمان ليس فقط بالحيثيات
والاسباب الموجبة المرفقة به والتي قد يكون بعضها منطقيا وضروريا ومهماً ًبل بحجة اضافية ضعيفة
تقطع بعض الطريق على المعارضة إذ تقول: (( إنها قدمته ولا تستطيع سحبه لإعادة النظر فيه )) وهو قول لا
يستند الى أي نص دستوري ، ودفعته ايضاً بنيّةٍ أخرى خفية لكنها مألوفة عند المتابعين والمطلعين تكمن
في أنها كمعظم الحكومات السابقة كانت مطمئنة الى استطاعتها تمرير التشريع من خلال مجلس الأمة
ولو تفاهمت معه لاحقاً على بعض تغييرات شكلية بسيطة ذراً للرماد في العيون ، ولقد أصبح معروفاً لدينا
كيف تؤمّن الحكومة الاغلبية اللازمة في مثل هذه المواقف من الواضح أن تلك الحجة الواهية قد سقطت هذه المرة سقوطاً مدوياً بعد الاحتجاج الشعبي الجارف الذيعبّر عنه باقتدار مجلس النقباء منذ الاربعاء 30 أيار وتمخّض عن اقالة الحكومة وتشكيل أخرى وعد رئيسها
الجديد بسحب القانون من مجلس الأمة وأنجز وعده في اول اجتماع لمجلس الوزراء بقرار بسيط في ظاهره
كبير في مغزاه يعزز في ضمائر المواطنين قدرتهم على الرفض والاعتراض فلا تجرؤ الحكومات بعد الان على
تمرير مشاريع القوانين بالتذرع بعدم جواز سحب ما تبعث به لمجلس الأمة ولعله كذلك يكشف عن قرارات حكومية سابقة شبيهة بشأن قوانين استطاعت فعلاً أن تمررها رغم الاعتراضات عليها ورغم اعترافها احيانا بصحة بعض تلك الاعتراضات ، وقد كانت في النهاية تتخلص من المسؤولية وتلقي التبعة على النواب الذين وافقوا عليها ! وبذلك تزيد من تشويه صورتهم في عيون المواطنين، ما يعتبره بعض المحللين السياسيين تآمراً مبطناً على الحياة البرلمانية حتى يكفر الناس بقيمتها وبجدواها !
ومن الأمثلة القريبة التي مازالت ماثلة في الاذهان قانون المساءلة الطبية الذي ظلت النقابات الصحية ذات
العلاقة ترفضه على مدى سبعة عشر عاماً لا خوفاً على اعضائها من اطباء وصيادلة وممرضين وسواهم من
معاقبتهم على اخطائهم فتلك متوفرة ومطبقة في القضاء الاردني من خلال قانون العقوبات حين تصل اي
شكوى ضدهم الى المحاكم، لكنها كانت ترفضه لأنه يسلّم رقابهم ومصير مرضاهم لشركات التأمين، وفي
العام الماضي لجأت الحكومة لحيلة إرسال مشروع القانون الى مجلس الأمة وطلبتْ من النقابات ان تذهب
لتتحاور معه، وقد أعلن رئيس الوزراء لأول مرة وبصراحة تامة في اجتماع معها حضرتُه وآخرون أن الهدف منه
تسويق (!) السياحة العلاجية ولم يقل قط إنه لحماية المرضى من أخطاء الاطباء، ولا أريد هنا أن اكرر بأن
تسمين القطاع الطبي الخاص الذي يقدم خدماته كسلع تجارية لم يكن يوما من واجبات الدولة فهمّها الأول
توفير الرعاية الصحية لمواطنين خاصة الفقراء ، بل هو نهج البنك الدولي الذي يضغط على الحكومات في كثير من دول العالم كي تتبناه على حساب القطاع العام تمهيداً للخصخصة، وقد أقر مجلس الامة القانون بالطبع مع تعديلات هامة تعتمد صندوقاً للتكافل بدل شركات التأمين لكن السم يكمن في التفاصيل وما سيعقبها من انشاء اجهزة بيروقراطية طبقاً للقانون وتتعدى على السلطة القضائية كحرية القضاة في استشارة من يرونه مناسباً عند النظر في باقي القضايا مهنية منها او سواها وبعد ليست القضية مجرد فذلكة قانونية شكلية بل إنها - لمن يتمعنون - قضية مبدأ اذا استمر التهاون فيه فان الوطن هو الخاسر حتماً