Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Nov-2019

التكرار في ديوان «ما قاله الراعي لصاحبه» لهشام عودة

 الدستور-الشاعر والناقد عبدالرحيم جداية

 عتبة النص:
تعد عتبة النص المفردة الرئيسية التي تشكل مدخلا للولوج إلى الرؤية الكلية، التي يحتويها ديوان «ما قاله الراعي لصاحبه»، ومعرفة مدى الترابط بين عنوان الديوان والعناوين الفرعية، التي يتشكل منها ديوان هشام عودة الذي يتألف من مفردة رئيسية واحدة وخمس عشرة مفردة ثانوية، هي عناوين القصائد التي تشكل المحتوى الكلي للديوان، إضافة إلى مفردات الإهداء والتقديم التي تساهم في بث إضاءات تشكل رؤية كبرى للمحتوى الكلي الذي يحمله الديوان.
يحمل الديوان عنوانا لافتا، جاء صيغة لفظية دلالية، حيث يتساءل القارئ: من هو الراعي ومن هو صاحبه؟، أما عنوان القصيدة التي أخذ الديوان اسمه منها، جاء بصيغة ما قاله الراعي مما يدفع القارئ للسؤال: ما الذي  قاله الراعي؟ وهذه الحرفية التي قدمها لنا هشام عودة، دفعتنا إلى أكثر من سؤال عن صيغة واحدة، أضاف إليها أو حذف، وهذه العتبة أصلها (هذا ما قاله الراعي لصاحبه) حيث حذف المبتدأ من الجملة الاسمية، وبقيت الجملة ما قاله الراعي لصاحبه في محل رفع خبر للجملة الاسمية، وهذه التقنية اللغوية في التعامل مع المفردات في تراكيب فنية جمالية، حين تدفع القارئ للبحث عن مكونات الجملة والفائدة الجمالية من حذف المبتدأ والإبقاء على الخبر.
وتحمل قصيدة ما قاله الراعي صفحة (113) ستة أقوال وهي على الترتيب (قلت للبحر، قلت للصحراء، قلت للريح، قلت للنار، قلت للشارع، وقلت للراعي) مما يفصح أن الشاعر هو صوت الراوي الباحث عن الحقيقة، لكنه في قوله ( قلت للراعي) يفصح عن صاحبه، فالشاعر صاحب الراعي الذي يحاوره، ويكشف ذلك قوله في قصيدته:
«قلت للراعي
أفقت على أنين الناي
في ترنيمة المعنى
رحلت مع الرياح البكر
لكني بقيت أدور حول
منازل الأهل»
رد عليه الراعي بقوله:
«قلت لي
الليل يحضنني طويلا
حين تلتحف السماء رداءها
ويغيب وجه
كنت اعرفه
ولكني سألتك
أين قافيتي
وما لون السماء
وكيف يبدو الليل في أهدابها؟»
فيقول الشاعر:
«قلت يا الله
أمهلني قليلا
إن هذا الليل أعمى»
هذه الحوارية التي ابتدعها هشام عودة في قصيدة ما قاله الراعي، تكشف عن مكنونات النفس والبحث عن الذات، إذ نتعرف من خلال هذه الحوارية أن الشاعر هو الأساس في المشهد الشعري، الذي شكله بفنية مسرحية، وفي صيغة درامية ومشاهد حوارية توضح سبب اختيار المفردات، والعناوين، وهذا الفن كان الأقرب للتعبير عن حالة الشاعر وبيئته، التي يعيش فيها بين تضادات أمضى حياته في البحث الأكاديمي، والصحفي المكتوب والمسموع، والشعري والنضال ليجد مسوغاً لما آلت له الحالة الجمعية للفرد والمجتمع.
 عناوين القصائد:
إن تدبر عناوين القصائد هو المدخل الأساسي للتعرف إلى بنية الديوان، ومن ثم الوصول إلى البناء الفني في كل قصيدة، والناظم الشعري الذي يجعل من الديوان وحدة فنية ذات رؤية دلالية.
إن بنية الديوان قد جاءت لتعبر عن مضمون فكري وجمالي،  شكلا صورة الفعل النضالي في كتلة تأسيسية انتظمت في مقدمة الديوان في أربع قصائد وهي «القدس مبتدأ الكلام»، وقصيدة غزة التي أخذت عنوان «واحدة من بنات دمي»، وقصيدة «قرن من الشهداء» ورابعها قصيدة «وطن تعلق في إهابك»، هذه القصائد الأربعة شكلتها رؤية المناضل الذي عاش القضية مدافعا بكل ما أوتي من جهد.
تشكلت هذه الكتلة التي خصت مفردات الوطن، ورموزا ثلاثة هي القدس وغزة والشهيد، مما شكل بنية متماسكة، كانت الجناح الذي ركن إليه الشاعر، وقد جاء ترتيب القصائد على هذا الشكل بقصدية عالية كي يتعرف إلى الواقع من خلال أحاسيسه المباشرة، التي نهضت بالكتلة التأسيسية للديوان.
وقد تشكلت البنى الفنية والجمالية، المضمرة في إشارات تداولية في قصائده، التي أخذت عنوان (لم أقل شيئا، طوبى لها، الليل ليلي، ليس لي أخوة، ما قاله الراعي ) وغيرها من القصائد، والفاصل بين هاتين الكتلتين حين انتقل بحواسه من الحقيقة إلى الانعكاس، وكان وسيط المرآة، حيث قصيدته «شاهدت في المرآة» هي حلقة الوصل بين جناحي ديوانه الواقعي والمتخيل، إذ يقول في قصيدته «شاهدت أضرحة من الرمل المبعثر» ويقول «شاهدت قبرا».
ويؤكد على ذلك بقوله: «شاهدت في المرآة شرطيا» ويتبعها «شاهدت نفسي»، هذه القصيدة شكلت فاصلا بين كتلتين، لكنها في نفس الوقت كانت حلقة الوصل بين المحسوس وانعكاسه، وفي كلتا الحالتين كانت العاطفة تحمل مشاعره تجاه وطنه وقضيته، مقدما الفكرة مرة، ومقدما فتنة الجمال الشعري في بوح قصائده التي تشكل منها الديوان.
 التكرار
ومن أهم أنواعه التكرار المتباعد، وهو تقنية تتضمن فترات متزايدة من الوقت، كفواصل من أجل استغلال تأثير التباعد النفسي، ويأتي التكرار المجتمعي بشقيه الصاعد والنازل، الذي يستخدم رياضيا إضافة إلى التكرار النسبي، مما يشكل جداولا وتوزيعا تكراريا، ومنها تستخرج الفئات. هذا البعد الرياضي للتكرار، يدفع الناقد المتمعن للبحث في قيمة التكرار الفني في القصيدة العربية، ويقول عصام شرتح في مجلة رسائل الشعر: «إن التكرار قيمة جمالية لا غنى عنها إطلاقا في تأسيس شعرية النص في كثير من المواضع للنصوص الإبداعية، ذلك أن الشاعر من خلال التكرار يمد روابطه الأسلوبية لتضم جميع عناصر العمل الأدبي في ربط فني موح، ومجسدا الحالة النفسية الشعورية».
ويقول الدكتور رسول بلاوي عن ظاهرة التكرار ودلالاتها الفنية في شعر الدكتور علي مجيد البديري،  «أنه ظاهرة فنية عرفها الشعر العربي القديم وأقبل على توظيفها كبار الشعراء مؤكدا على الدلالة النفسية والانفعالية» عادا التكرار أحد وسائل الموسيقى الداخلية، وفي رسالة الماجستير التي قدمها مهند أشتي عام 2017م في جامعة الخليل بعنوان «التكرار في شعر عبدالرحيم محمود»  مؤكدا على تكرار المبنى والحروف والاسم والفعل وتكرار الجملة والعبارة، ويقول إن بواعث التكرار نفسية إيحائية إيقاعية، وقد درس التكرار عدد من الباحثين في دراسات وأطروحات أكاديمية مثل خالد فرحان البدانة الذي درس التكرار في شعر العصر العباسي الأول،  معتمدا على ظاهرة التوازي والتكرار اللفظي والموضوعي بأشكالها المختلفة، كما درس التكرار في ديوان «ذئب الخطيئة « للشاعر عبدالله رضوان الدكتور عماد الضمور الذي اعتبر التكرار من أهم الظواهر الأسلوبية.
 ومن هذا المنطلق  حيث تجلت ظاهرة التكرار الجمالي في النص الشعري للشاعر هشام عودة، حيث شكل التكرار ظاهرة في ديوان «ما قاله الراعي لصاحبه» جاءت هذه الدراسة لسبر البعد الجمالي والفني والأسلوبي في شعر هشام عودة، الذي تجلى بأبعاده النفسية والإيقاعية.
يصل قارئ ديوان «ما قاله الراعي لصاحبه» إلى قيمة أسلوبية في التكرار الذي وظفه هشام عودة في مجمل قصائد ديوانه، مشيرة ومدللة هذه الدراسة الأسلوبية للتعرف إلى شخصية الشاعر وأسلوبه الفني، وأبعاده النفسية والإيقاعية، كما تحملنا دراسة ناديا مداني في دراستها من جامعة بسكرة  التي جاءت بعنوان «الخصائص الأسلوبية في ديوان «في القدس» للشاعر تميم البرغوثي»  تركيزا على الاتجاهات الأسلوبية، وهي الأسلوبية التعبيرية والأسلوبية البنيوية والأسلوبية الأدبية، أو ما يسمى بأسلوبية الكاتب، حيث ركزت الباحثة على قيمة الانطلاق في البحث الأسلوبي في العمل الأدبي، بوصفه كيانا لغويا قائما بذاته، معتبرة إن البحث الأسلوبي هو بمثابة حلقة الوصل بين اللغة وتاريخ الأدب، لأن معالجة النص تفضي بالقارئ، إلى الكشف عن الظروف المصاحبة له، وأن الظاهرة الأسلوبية هي الانزياح الشخصي الذي يميز الاستعمال اللغوي للكاتب بخلاف الاستعمال العادي للغة.
وفي هذه الدراسة يستخلص القارئ نمطا شعريا خاصا في ديوان «ما قاله الراعي لصاحبه» حيث استفاد الشاعر من التكرار فنيا في بناء القصيدة ذات الدوائر الشعرية المتعددة، ولم يكتب القصيدة ذات الدائرة الشعرية الواحدة، لأن التكرار ساعد الشاعر في التحكم في النفس الشعري والدفقة الشعورية عند الشاعر، كما ساهم التكرار في معالجة الموضوع من زوايا مختلفة تعالج كل دائرة حالة ما تطرحها القصيدة، وهذه الفنية ذات سمة التكرار أعطت مساحة حرة لتنقل الشاعر بين دائرة وأخرى في نفس القصيدة مشكلا تصاعدا فنيا في البناء الشعري، ليتتبع القارئ الدوائر الشعرية المقفاة حسب رؤية الشاعر وتحكمه في المدى الصوتي الأكوستيكي للقصيدة.
وبعد قراءة هذه التكرارات الرأسية والأفقية، في ديوان ما قاله الراعي لصاحبه للشاعر هشام عودة، الذي يمارس حسه الإنساني تجاه وطنه، بنضال الشاعر ونضال الإعلامي ونضال الباحث عن توثيق الوطن بذكرياته ليبقى هاجس العودة طريقا له ولأبنائه وهذا ما قدمه لنا بتكرار مفردات الوطن والمنفى والشهيد، حيث التضحية التي قدمها الشهداء بالروح والدم، أما مفردة البلاد في تكراراتها، فهي ذاكرة الآباء والأجداد في استحضار البلاد في ذاكرتهم، وسرد القصص لأطفالهم، حتى تناقلها الأبناء عن الآباء، والآباء عن الأجداد، فأصبح الحنين حالة جمعية  رغم الغربة والمنفى.
وكثيرا ما دلت مفردة البلاد في تكرارها على القرية أو المدينة التي نزح منها الفلسطيني، أما تكرار البيت فقد ذكر الجزء وأراد الكل، فذكر البيت يعني فلسطين ويعني البلاد ويعني القرية والمدينة التي خرج منها وبهذا فإن الشاعر قد رسم خارطة الوطن ضمن العالم، فأخذ الوطن لونا واحدا، وأخذ العالم لونا آخر يسمى المنفى، فالوطن واحد والمنفى متعدد الأشكال والألوان، وهذا يقودنا عند ذكر الوطن إلى نظرية الآحاد عند ابن عربي/ والتصاق الشاعر بهذا الوطن الواحد، الذي لا يجد له بديلا في الأرض مهما اتسعت له الأرض، ومهما ضاقت عليه البلاد.
ويقول الشاعر بأن الوطن قديم بأرضه وسماءه، قديم بتاريخه قديم بأسمائه، قديم ببلداته وقراه ومدنه، قديم ببحره وشاطئه ومراكبه، قديم بجباله ووديانه وسهوله، وبهذا يؤكد على معنى الحادث، فالحادث ذلك الكيان السرطاني الطارئ على أرض فلسطين الوطن الأزلي، وأما الطارئون سيزولون، وهم يجرون أذيال الخيبة حتى لو رفعوا شعار القومية اليهودية على ارض فلسطين.