Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Jan-2018

مليكنا وصيانة سيادة القانون - د بسام الساكت

الراي -  يلفت نظرنا مرة أخرى توجيه جلالة الملك للأمة عن مسائل مركزية مازال فيها خلل مُقْلِق. ومنها ما أُبرِز في لقائه مع مجلس النواب بالأمس القريب حول أهمية إنفاذ وتطبيق القانون وإعلاء سيادته على جميع المستويات ،والازدواجية في سلوك البعض منا في خارج البلاد وداخلها ،وإستياء جلالته بل رفضه المطلق البات ، لأي تدخل في عمل القضاء-الجهاز الذي نفاخر به وبقضاةٍ فيه نجلهم لحضورهم المحلي والإقليمي.

 
ولفت جلالته الى ضرورة معالجة إجراءات التقاضي الطويلة ؛ وضعف بل تراجع أداء البعض من المسؤولين في القطاع العام ؛ ، «والتنافس « بل التفاخر عندالبعض في التهرب من دفع مستحقات الضريبه، التي هي بنظري ، «مسؤولية وطنية» ، وإستعانتهم «بمهندسين ماليين» للتشاطر والتفنن في التهرب. وجميعها عوارض مرض إداري وقيمي ، يهددنا، ويلمسه صاحب الشأن، والمواطن.وأنعش جلالته ذاكرتنا بالورقة النقاشية الإصلاحية السابعة وما تضمنته من رِفْعةِ المباني والقيم والتأكيد على إعلاء سيادة القانون والعدالة «ورفعٍ أكبر» لشأن القضاء والقضاة وتسريعاً لإجراءات التقاضي، وتحسين وضع القضاة العدول ، العاملين في جهازٍ مرجعيٍ مركزيٍ تُعَدُ سلامتُه شاخصة الاستقرار والاستثمار والعدل والاستمرارية. إنَّ من يُنصِف ويُحكِّمُ العقل ، يرى ان الورقة النقاشية السابعة إهتمت «بسيادة القانون»- الذي بنظري هو «مركزيةُ الإصلاح السياسي»، يُجَذِّر الديموقراطيةَ وصولا الى الدولة المدنية. خلافاً عن البعض بيننا ، ممن ينكرون «أية» جهود أو توجهٍ ،في هذا المجال. ولقد قمتُ بالتأكيد على مفهوم وتوجُّهات الإصلاح في الأُردن ،في لقاءاتي الاخيرة في أكسفورد ومع من يُنصِفنا وله صلاتٌ بالبرلمان البريطاني.
 
وقبل أيام ٍفي مطار لندن ، حيّاني مدير بنك أردني ، كان جالساً في قاعة المسافرين، مؤدباً لا يدخِّن ، ملتزماً بشاخصةٍ مانعةٍ للتدخين.
 
وما أن وصلنا مطار عمان وأثناء انتظارنا تسَلُّم حقائبنا شاهدت المدير يدخِّن متحدياً ومتجاوزاً القانون، نقيض تصَرُّفِه، قبل ساعات فقط في مطار لندن. فذكّرته التقيد بعدم التدخين ،لكنه أشار بلغة الجسد واللفظ ما يدلل على عدم إكتراثه. هذا مثل واحد بسيط للتدليل على إزدواجية السلوك عندنا ، فما الحال في قضايا أكبر عنده وعند أمثاله: جَهَالةً أو تجاهُلا، وغياب إنفاذ القانون ؟
 
الإنسانُ، هو كما نربيه وننشأه في المنزل والمدرسة ؛ هو وليد بيئته وحضيرته التربوية، والتشريعات الناظمة لحياته ومن يرعى نفاذها ويطورها. وتحضرني سُنَنُ السابقين- فإخترت «بعضاً» من نُصوص رسالة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب التي وجهها الى أول قاضٍ في الاسلام–أبو موسى الأشعري حينما وُلِّيَ على الكوفة: {{ القضاء فريضةٌ مُحْكمة وسنة متبعة....، فافْهم إذا أُدْلِي إليك،فإنه لا ينفع تكلُّمٌ بحقٍ لا نفاذ له....واسِي بين الناس ،في وجهك ،ومجلسك ،وعدْلِك ( هنا العدل مطلوب حتى في لغة ألجسد(Language Body ،(حتى لا يطمع شريفٌ في حيْفِك ( اَي يطمع الشريف في ميلك نحوه فتحكم له متجاوزاً ) ، ولا ييأسُ ضعيف من عدْلِك.. البيِّنة على من إدَّعى واليمينُ على من أنْكَر...والصُلحُ جائز.....ولا يمنعُك قضاء قضيته أمس ،فراجعت الْيَوْمَ فيه عقلك ،وهُدِيت فيه لِرُشْدِك، أن ترجع الى الحق ،فإن الحقَّ قديم ( موجود قبل الباطل )،ومراجعة الحق خَيْرٌ من التمادي في الباطل....
(إِجعل لِمَن إدَّعى حقاً غائباً،أو بيِّنةً أمداً ينتهي إليه ،فإن أحْضَر بيِّنَته أخذت له بِحقِّه...وإِيَّاكَ والقلق،والضجر،والتأفُّفَ بالخصوم ،فإن إستقرار الحق في مواطِنِ الحق يعظم االله به الأجر ويحسن به الذكر.... والسلام ) إنها رسالة تراثية من تاريخنا وإرثنا ، «لمُدوَّنةِ سلوك «وحوكمة. رشيدةٍ ، فيها «حدود وحقوق» واضحة.
 
لقد استحضر لنا جلالة الملك في حديثة للسادة النواب وللوطن ، وذكَّر أصحاب العقول بورقته النقاشية السابعة ، وأنعش ذاكرتنا بتاريخنا ،وبالتأكيد على القيم النبيلة في العدل والحوكمة الرشيدة وحق المواطن وحدود المسؤول وواجبه ، وإستقلال القضاء والقضاة -الذي نحترم ونفاخر بهما ؛ وأهمية خدمة المواطن بتسريع إجراءات التقاضي ; وتحصين الجهاز من التداخلات،هادفا الحفاظ على حصانة قراراتهم، ومراتبهم وإستقلالهم. لقد تحدث أحد الكتّاب الذي أحترم ، وبصِدقٍ ،واصفاً حديث جلالة الملك مع النواب والأمة ، بأنه «يَضْرِبُ على الوتر الحسّاس «.إن ذلك كله ، بنظري ، شواخص وتطلعات طيبةً، ونتطلع جميعاً، بأملٍ ،ودعاء، إلى حصادٍ في الأيام القادمة.