Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Jul-2017

عن العقّاد وقراءاته - ابراهيم العجلوني
 
الراي - ضمّت مكتبة «عباس محمود العقاد»، بحسب كتاب الصديق الأستاذ أحمد العلاونة: «العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم»، سبعة آلاف كتاب باللغة العربية على وجه التقريب، واثني عشر ألف كتاب بالإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية على وجه التقريب أيضاً، ومئتين واثنتين وتسعين دورية. والذي لا ريب فيه ان هذه الكتب لم تكن مجرد «ديكور» او زينة للناظرين – بل كانت مستراداً لعقل فذ طُلَعَةٍ لُهامٍ لا يفتُرُ الليل والنهار في طَلَب المعارف والعلوم. ولا يَفْتأُ يحاور عباقرة الأُمم ويستنبط الحكمة ودقائق الحقائق من مُبْدَعاتهم، ويعرض ذلك على بصيرته، ويتنَخّلُهُ أيّما تَنَخُّلٍ، ثمّ يخرج على الناس بأسفاره القيّمة التي تتابعت في مدى ستين عاماً، منذ كان في السادسة عشرة من عمره، حيث ألّف كتيّباً عن الأدب الفارسي، إلى أن سقط القلم من بين أصابعه في الخامسة والسبعين.
 
ويذكر الأستاذ أحمد العلاونة أنّ للعقاد ثلاثة وثمانين كتاباً، ولكنّ للعقاد فيما أعلم فوق مئة كتاب، ولعلّ كُلاًّ منّا اعتمد قائمة غير التي اعتمدها أخوه، ولكن لا جدال في ما ذهب إليه الأستاذ العلاونة من أن العقاد كان عملاقاً في فكره، وأنّ أعماله رفيعة المستوى وأنّه أبرز أعلام الفكر العربي في القرن العشرين.
 
وقد كان للعقاد خصومات أدبيّة وسياسيّة ملأت الدنيا وشغلت الناس. وكان خصومه يهابونه لسطوع حُجّته وسعة اطّلاعه وعُلوّ كعبه في المناظرة. ومن يقرأُ نقده للماركسية، والمادية الديالكتيكية، وللمذاهب الوجودية، والمذهب الوضعي والصهيونية العالمية، ولغير ذلك من تيارات الفكر والفلسفة والفن والأدب، يعلمُ تراحب آفاق موسوعيته، وقوّة جَدَله في الكلام والعلوم العقلية، على نحو ما يتجلى ذلك في كتبه: «الله» و»عقائد المفكرين في القرين العشرين» و»التفكير فريضة إسلاميّة» و»حقائق الإسلام وأباطيل خصومه» و»الإسلام في القرن العشرين»، و»الإنسان في القرآن» وغير ذلك كثير.
 
كان العقاد أكثر أهل زمانه – وينسحب ذلك على زماننا – إطلاعاً على كتب الفلسفة والعلوم في لغاتها الأصلية – ولا سيما الإنجليزية – وكان لا يخوض معركة فكرية الا وكان له قصب الظهور والفوز فيها. ولأجل ذلك وُصِفَ رحمه الله بالكاتب العملاق وبالقلم الجبّار، فوافق ذلك ما حباه الله من بسطة في الجسم، فكان شبيهاً بطالوت الذي «زاده الله بسطة في العلم والجسم».
 
ولم يكن العقاد مجرّد قارئ أو قارئاً ذكيّاً حسب للكتب الأجنبية في شتى صنوف المعارف ولكنه كان ناقداً ممحّصاً لهذه الكتب، وكان لنا من مجموع نقداته لها أُنموذج من استقلالية العقل وعمق التدبر وصفاء البصيرة، بحيث يمكن القول إنّ كتبه تعلّم المنطق والتفكير كما قيل في كتب الجاحظ إنّها تعلّم العقل والأدب، والذين يصبرون للمنجز العقّادي يفيدون منه كثيراً في مواجهة الغزو العولمي والتنميط الفكري، ويرون كيف أنه ما يزال شاكي الوعي، منتضي القلم، يدفع عن أُمّته في وجوه المستشرقين ومقلّديهم، ويجلو جواهر الإسلام لأعين عقلاء الأنام. رحمه الله كِفاءَ ما قدّم لأُمّته، وثبّتنا على منهجه وطريقه في طلب المعارف من مظانها، فذلكم النهج القويم والطريق المستقيم، وذلكم ما نملك أن ندفع به عن أنفسنا أمواج الغثاء المتتابعة باسم الفن والأدب والحريّة والحداثة وحقوق الإنسان، وحتّى باسم الدين الذي عاد غريباً كما بدأ، وصار لزاماً أنْ نواجه بنور العقل والإيمان هذه الظلمات كلّها، وأنْ نتخذ في ذلك سبيل المؤمنين ومناهج العارفين المستبصرين.