Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-May-2019

طبول الحرب تُقرَع.. أميركا وإيران في مسار تصادمي

 الغد-تقرير خاص – (الإيكونوميست) 8/5/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
عندما أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، يوم 5 أيار (مايو) عن نشر المجموعة الضاربة لحاملة طائرات أميركية من البحر المتوسط إلى المياه القريبة من إيران، صرح بأن “الولايات المتحدة لا تسعى إلى الحرب مع النظام الإيراني”. وسوف تقود القوة الضاربة حاملة الطائرات “يو. إس. إس. أبراهام لنكولن”. كما تم نشر فرقة مهمات منفصلة من القاذفات في المنطقة. وقال بولتون إن هذه الخطوة جاءت رداً على التحذيرات الاستخباراتية “المقلقة والمتصاعدة” بشأن سلوك إيران.
قليلون هم الذين صدقوا قصد بولتون المسالِم. لم تكن الاتهامات الموجهة إلى إيران -حيث أعلن مسؤولون لم تُذكر أسماؤهم أنها ربما تخطط لمهاجمة القوات الأميركية أو حلفائها- محددة وكانت غامضة بشكل مثير للريبة. وبعد كل شيء، كان السيد بولتون هو الرجل الذي كتب في العام 2015 مقالة افتتاحية في صحيفة “نيويورك تايمز” بعنوان “لكي توقفوا قنبلة إيران، اقصفوا إيران”. والأمر الأكثر إثارة للقلق، والذي ربما ينطوي تداعيات أكبر، هو أن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بدا وكأنه يلعب دور بولتون عندما أعلن يوم الثامن من أيار (مايو) أن إيران ستتوقف عن الامتثال لبعض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي الذي وقعته مع أميركا وقوى عالمية أخرى في العام 2015.
وكان الاتفاق، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، قد فرض قيوداً صارمة على البرنامج النووي الإيراني، لمدة عقد أو أكثر، في مقابل الرفع الجزئي للعقوبات الغربية على البلد. لكن السيد ترامب مزق الاتفاق في العام 2018، واصفاً إياه بأنه “أسوأ صفقة في العالم”، وأعاد فرض العقوبات على إيران. كما هددت أميركا بتطبيق عقوبات قاسية ضد الشركات التي تتاجر معها. وتم إيقاف الإعفاءات الأميركية التي سمحت لبعض الدول بمواصلة شراء النفط الإيراني، بداية هذا الشهر.
حتى الآن، ظلت إيران ملتزمة بشروط خطة العمل الشاملة المشتركة، على أمل أن تحميها الدول الأوروبية من أسوأ الآلام الاقتصادية. لكن هذه الدول فشلت في القيام بذلك، ومن المؤكد أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن يختار روحاني الذكرى السنوية الأولى لسحب ترامب بلاده من الاتفاق النووي ليعلن عن رد فعل معاكس محسوب.
ادعى روحاني أن إيران سوف تتصرف في إطار قرارات النزاع التي نصت عليها خطة العمل الشاملة المشتركة، من دون أن تخرق الخطة. وقال في خطاب متلفز: “إن الطريق الذي اخترناه اليوم ليس طريق الحرب؛ إنه طريق الدبلوماسية. لكنها دبلوماسية بلغة جديدة ومنطق جديد”.
وقال روحاني أيضاً إن إيران ستبدأ في بناء مخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب والماء الثقيل، والتي تستخدم في أنواع مختلفة من المفاعلات النووية، وهو ما يهدد بخرق القيود التي وضعتها خطة العمل الشاملة المشتركة على البرنامج النووي الإيراني.
وقال للقوى الأوروبية إنها يمكن أن تلغي هذه الإجراءات إذا وجدت طرقاً لحماية الاقتصاد الإيراني (خاصة قطاعي النفط والمصارف) خلال 60 يوماً. أما إذا لم تفعل، فسوف تنهي إيران القيود المفروضة على مستوى تخصيب اليورانيوم. وبموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، تقوم إيران بإنتاج اليورانيوم المخصب بتركيز أقل من 4 في المائة، الذي يستخدم للمفاعلات النووية، والذي هو أقل بكثير من تركيز 90 في المائة أو من المستويات الأعلى المطلوبة لإنتاج الأسلحة النووية. كما حذرت إيران من أنها يمكن أن تعيد بناء مفاعل آراك النووي، الذي تم تعطيله بموجب خطة العمل المشتركة المشتركة.
بعيداً عن كونه مفهوماً دبلوماسياً جديداً، يبدو هذا منطقاً إيرانياً قديماً، يتمثل في المضي قدماً ببرنامج البلد النووي -والانتقال أقرب من خيار بناء قنبلة نووية- رداً على الضغط المتزايد من الغرب. ولطالما ادعت إيران أنها تسعى إلى تطوير التكنولوجيا النووية فقط لتوليد الطاقة المدنية. لكن الكثير من التكنولوجيا نفسها يمكن استخدامه لصنع قنابل نووية. وقد وجد المفتشون النوويون التابعون للأمم المتحدة أدلة كافية في الماضي على نشاط متعلق بالأسلحة إلى حد أثار مخاوف جدية بشأن الهدف النهائي لإيران.
كانت إسرائيل قد فكرت صراحةً في القيام بعمل عسكري أحادي الجانب ضد إيران، لكنها تراجعت عن ذلك بسبب الضغط الأميركي. وكان السيد بولتون بارزاً بشكل خاص بين الصقور الذين آمنوا باستخدام الضغط الاقتصادي من أجل إسقاط النظام الديني الإيراني، واللجوء إلى العمل العسكري الأميركي (أو الإسرائيلي) لعرقلة البرنامج النووي إذا لزم الأمر.
كانت الدبلوماسية الأميركية مع إيران تحت قيادة باراك أوباما تهدف إلى كسر هذه الدورة المتصاعدة التي تؤدي إلى ذلك الاختيار القاتم بين قنبلة نووية إيرانية أو قصف إيران. ودفعت خطة العمل الشاملة المشتركة البرنامج النووي الإيراني إلى التراجع عما ربما كان بضعة أشهر فقط تفصله عن امتلاك قدرة صنع قنبلة بحيث أصبح امتلاكها يتطلب أكثر من عام. لكن المنتقدين قالوا أن الخطة فرضت قيوداً مؤقتة على إيران، ولم تقيد تكنولوجيا الصواريخ؛ ومن خلال تحرير الأموال الإيرانية المجمدة، منحت النظام وسائل أكبر لنشر نفوذه في الشرق الأوسط -وخاصة في حروب العراق وسورية واليمن- ولتمويل الجماعات المسلحة المتحالفة معه مثل حزب الله، الميليشيا الشيعية في لبنان.
كان ما فعله قرار السيد ترامب بالتخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة، على الرغم من ضغوط الحلفاء الأوروبيين والعديد من مستشاريه لإعادة النظر، هو قتل الصفقة. ويبدو أن الجهود الأوروبية لإبقائها على أجهزة دعم الحياة تفشل؛ وقد اختارت معظم الشركات الأوروبية الالتزام بالعقوبات على الرغم من وجود آلية أوروبية تهدف إلى حماية المتاجرين بالإمدادات “الإنسانية” مع إيران. والآن، ربما يدفن السيد روحاني الاتفاق كله جملة وتفصيلاً.
تعرَّض الرئيس الإيراني، بدوره، إلى ضغوط من صقوره الذين كرهوا خطة العمل الشاملة المشتركة وضغطوا عليه للتصرف بطريقة أكثر حزماً. كما أن إعلانه يشكل محاولة لفصل الأوروبيين عن أميركا. لكن هذه استراتيجية محفوفة بالمخاطر، لأن من شأن خرق خطة العمل الشاملة المشتركة والتحرك في اتجاه امتلاك القدرة النووية أن ينفر الأوروبيين، ويعطي أميركا سبباً واضحاً لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه بلده.
في الماضي، بدت إيران وكأنها تشجع أميركا على القيام بعمل عسكري تقريباً، ربما معتقدة بأن الأخيرة لن تجرؤ على القيام بمثل ذلك في وقت كانت فيه القوات الأميركية متورطة بعمق في الحرب في العراق وعرضة للهجمات الانتقامية التي قد تشنها الميليشيات الوكيلة لإيران.
لكن هذا الخطر تقلص إلى حد ما مع انتهاء الحرب في العراق. وقد يكون العنف الذي يمارسه وكلاء إيران هو نوع الاستفزاز الذي يبحث عنه صقور الإدارة الإميركية، مثل بولتون، لتبرير شن حملة عسكرية. وربما لا يريد السيد ترامب، المنتقد المرير لحروب أميركا في الشرق الأوسط، والذي أراد سحب القوات الأميركية من المنطقة، أن يخوض هذه الحرب. كما لا يريدها السيد روحاني أيضاً. لكن الصقور من كلا الجانبين يسيطرون. ومهما يبدو ذلك غريباً، فإن الرئيس، بعيداً عن السيد بولتون، يبدو الشخص الحذر والعاقل الوحيد في البيت الأبيض.
 
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Beating the drums of war: America and Iran are on a collision course