«مشروع بابل» تصل قذائفه إلى ألف كيلو متر اغتيال وديع حداد وفتحي الشقاقي.. ومصمم مدفع صدام
عمليات الموساد (9)
مايكل بار - زوهار ونسيم ميشال
يعتبر نشاط وكالة الاستخبارات الخارجية الاسرائيلية (الموساد) مرتبطا بقوة بأغلب الاحداث التي شهدها الشرق الاوسط، وحملت من الغموض والجدل الكثير لا سيما في العمليات السرية والاغتيالات وشبكات التجسس والتأثير في الانظمة وغيرها.
نستعرض على حلقات احد الكتب التي تناولت هذا الجهاز بتأليف صحافيين اسرائيليين، عرضا معلوماتهما بطريقة روائية فيها من المغامرات والتشويق وسرد احداث امتدت منذ زراعة الجاسوس ايلي كوهين في دمشق، مرورا بتصفية قادة ايلول الاسود بعد عملية ميونخ واختطاف ادولف ايخمان وقصف المفاعل النووي السوري واغتيال علماء ايران النوويين والمحاولة الفاشلة لاغتيال القيادي في حماس خالد مشعل في عمان وفضيحة «ايران غيت» وصولاً إلى اغتيال المبحوح وغيرها.
ويجدر القول، ان الكتاب تجاهل الدور الدموي للموساد ولكنه يمثل وجهة النظر الاسرائيلية، فقد حاول «تمجيد» العمليات القذرة للجهاز او تبرير الاخر منها، الامر الذي تجاهلناه بدورنا، لنكتفي بسرد تسلسل الاحداث مركزين على المعلومات المعهودة على ذمة المؤلفين والتاريخ.
يتابع المؤلفان طموح رجلين: الأول يريد تحقيق حلمه بصناعة مدفع عملاق اسطوري، والثاني رغبته بامتلاكه.
جيرالد بول الموهوب الذي حصل على الدكتوراه في سن 23 عاماً كان مسؤولاً عن برنامج بحوث الارتفاعات العليا في جامعة ماكغيل في مونتريال، وحصل من سيدة مسنة زارت كندا، وهي قريبة فريتز راوز نبيرغ مدير التصميمات في شركة كروب الذي توفي، على وثائق تتضمن وصفاً تفصيلياً للمدفع العملاق وطريقة تشغيله.
وسعى بول الى تنفيذ مشروع المدفع العملاق بتمويل اميركي - كندي، واختار جزيرة باربادوس لتصنيعه بمشاركة مئات العمال والفنيين والمهندسين.
وقد تفوق مدفع بول باختبارات القصف بقذفه احمالاً ثقيلة الى ارتفاعات قياسية، وكان يخطط لاطلاق صواريخ من مدفعه يصل مداها الى 4 الاف كيلو متر.
ولاسباب مختلفة، قررت الحكومتان الاميركية والكندية ايقاف تمويلهما للمشروع، وارغم بول عام 1968 على مغادرة بربادوس، وفي هذه اللحظات بدأ يصيبه الاحباط من الاميركيين رغم انه يحمل جنسيتهم الشرفية.
غير انه استمر في مهنته وصنع في البداية مدفعا من طراز سي - جي - 45 وكان الاكثر تطوراً في زمانه، وباعه لاي جهة ترغب في شرائه مثل اسرائيل وجنوب افريقيا والعراق وتحول الى مهرب اسلحة لا رحمة في قلبه.
العلاقة مع العراق
في الاثناء، هناك رجل آخر لا رحمة في قلبه ايضاً يتمنى ان يموّل، وبالتالي يستحوذ على المدفع العملاق لهذا الموهوب، وكان العراق في غضون ذلك يخوض حرباً قاسية مع ايران، واشترى مدافع بول التي صنعها في النمسا وجرى تهريبها عبر ميناء العقبة الاردني.
وصدام حسين مثل بول كان لديه شعور عميق بالاحباط بعد قصف اسرائيل لمفاعل تموز النووي، الامر الذي بدّد حلمه لجعل العراق قوة نووية.
مشروع بابل
وعرض بول ان يصنع لصدام اكبر واطول مدفع عملاق في العالم، كما وعد بول بانه من خلال ذلك المدفع سيتمكن صدام من اطلاق اقمار صناعية في الفضاء، واطلاق قذائف لمسافة تبعد اكثر من الف كيلو متر، وادرك صدام انه سيكون في مقدوره ضرب اسرائيل، وقبل عرض بول بترحاب واطلق بول على مشروعه اسم «مشروع بابل».
ووضع بول مخططات مشروع بابل الذي سينتج من خلاله مدفعا طوله 150 متراً ويزن 2.100 طن وبعيار يصل الى متر، ولكن قبل انتاج ذلك المدفع الرهيب، قرر بول جمع وتركيب نموذج اصغر لاختبار قدراته. واطلق على المدفع الاصغر اسم «بابل الطفل»، وذلك بالرغم من ان ذلك الطفل يعد اكبر من جميع اسلافه. فقد كان طول ذلك المدفع 45 مترا، وذهل قائد المدفعية في الجيش العراقي باداء ذلك المدفع. لكن لا يمكن مقارنته بالمدفع الفعلي الذي يجري تصنيعه في الصحراء العراقية.
التجهيز في أوروبا
واختار بول ان يضع مدفعه العملاق فوق تل، ووضع كل مكونات اطول واضخم مدفع في العالم على المنحدر. وبعد اختيار الموقع طلب قطع المدفع من عدة مصانع اوروبية للحديد الصلب. وكان المكون الاساسي بالطبع ماسورة المدفع التي قرر بول تجميعها عن طريق عشرات الانابيب الحديدية الضخمة.
وطلب الانابيب من انكلترا واسبانيا وهولندا وسويسرا. وقد تم تمويه الطلبات على انها «اجزاء خط انابيب نفط ضخم». ولان العراق كان خاضعا لعقوبات دولية، ولحظر صارم على استيراد المواد الاستراتيجية، تم تقديم الطلبات باسم الاردن.
وبدأت الانابيب في الوصول. والامر المذهل في هذه العملية برمتها هو ان معظم الدول والشركات ذات الصلة بانتاج الانابيب كانت تدرك تماما بان تلك الانابيب ما هي الا قطع سلاح عملاق فتاك. غير ان مكرهم وجشعهم، الى جانب عدم اكتراثهم بالحروب في منطقة الشرق الاوسط، كان يعني انه لم تكن لديهم مشكلة في التعاون في هذا المشروع. وتم منح تصاريح تصدير لتلك الانابيب، وشحنت على سفن نقل وارسلت الى العراق من دون مواجهة اي مشكلة.
صواريخ بول
وبدأ جيش بول الخاص المشكل من الفنيين والمهندسين في تجميع قطع المدفع، غير ان بول ظل غير راض. فقد صنع للعراقيين مدفعين تلقائيي الاطلاق اطلق عليهما الفاو ومجنون. وقد تم ضم مدفع مجنون فورا الى سلاح المدفعية العراقية. كما وافق بول ايضا على تطوير صواريخ سكود في ترسانة صدام، وتعديل رؤوسها الحربية. وزاد من مداها وادائها. وقد تم استخدام تلك الصواريخ ضد اسرائيل ابان حرب الخليج الاولى.
وقد تخطى بول هنا خطاً. ووفق شهادة ابن بول، فان العملاء الاسرائيليين حذروا والده من مغبة الاستمرار في نشاطاته الخطرة. ورفض بول الاستماع لذلك التحذير. واسرائيل لم تكن وحدها الراغبة في وقف عمل ذلك العالم.
فقد كانت وكالة المخابرات المركزية الاميركية وجهاز الاستخبارات البريطاني يشعران بالقلق، وكذلك الايرانيون الذين لديهم حساب معه. فخلال الحرب الايرانية ــ العراقية استخدم العراقيون مدافع ضد ايران صنعها جيرالد بول. ويبدو ان بول كان لديه الكثير من الاعداء الذين كانوا عازمين على ايقاف مشروعاته.
بداية المطاردة
وبما انه تجاهل تحذيراتهم، بدأ العملاء الاجانب في زيادة نشاطاتهم. ففي خريف عام 1990 اقتحم اشخاص مجهولون عدة مرات شقة بول في ضاحية اوكلي في بروكسل، ولم يأخذ المقتحمون اي شيء بل بعثروا الاثاث وافرغوا الخزائن والادراج، مخلفين مؤشرات واضحة لنوايا زياراتهم. وكان ذلك تحذيرا اخر موجها لبول يقول: كنا هنا، ونستطيع دخول بيتك عندما يحلو لنا ذلك، وربما نفعل ما هو أكثر من ذلك. ومرة أخرى تجاهل بول تلك التحذيرات. وظلت قطع المدفع تصل إليه، وتم تركيبها واحدة بعد الأخرى فوق تلّ قاحل في العراق. ويبدو انه لا شيء سيوقف مشروع بابل، باستثناء أمر واحد.
اغتيال بول
في 22 مارس عام 1990عاد بول الى شقته في بروكسل، وأثناء تفتيش جيبه بحثاً عن مفاتيح الشقة خرج له شخص من عتمة الممر وهو يحمل مسدسا مزودا بكاتم للصوت، واطلق خمس رصاصات على رأسه من الخلف، فسقط أبو المدفع العملاق قتيلاً.
ودخلت الصحافة العالمية في سرد تكهنات حول هوية القتلة. وقال بعضهم انهم ارسلوا من قبل «سي. آي. ايه»، بينما اشار بعض اخر باصبع الاتهام الى الاستخبارات البريطانية (ام آي 6)، وانغولا وإيران، غير ان معظم المراقبين اتفقوا على قيام اسرائيل بذلك. وبدأت الشرطة البلجيكية تحقيقاتها، ولكنها لم تتوصل الى أي شيء ولم يتوصل أي أحد الى قتلة بول.
وبعد وفاة بول توقف فوراً العمل في مشروع المدفع العملاق. وتوزع مساعدوه والمهندسون والباحثون على أنحاء العالم، وكانوا يعرفون قطع ذلك المشروع، غير ان المخطط الرئيسي كان في ذهن جيرالد بول، وهو الوحيد الذي يعرف كيفية تنفيذه. وبالتالي فان موت بول مثّل موتاً لمشروع بابل.
وجاء اغتيال جيرالد بول في وقت تحولات عميقة في جهاز الموساد وطبيعته. فرئيس جهاز الموساد الجديد شبتاي شافيت، العميل المخضرم وجد جهازاً مختلفاً تماماً من الموساد الذي اعتاد عليه عندما تولى إدارته في عام 1989، فهو مقاتل سابق في القوات الخاصة، وبدا انه الرجل المناسب لتلك الوظيفة. وبات الموساد يتولى تدريجياً معظم العمليات الموجهة ضد المخاطر غير العسكرية وغير التقليدية التي تواجه اسرائيل.
اغتيال وديع حداد
الدكتور وديع حداد رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كان أحد أخطر أعداء إسرائيل. وكانت أشهر عملية نفذها هي اختطاف طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية كانت في طريقها من تل أبيب إلى باريس في 27 يونيو عام 1976. وارغم عدة مختطفين عرب والمان وجنوب أفريقيين قائد الطائرة على الهبوط في عنتيبي عاصمة أوغندا، وطالبوا بتبادل الرهائن الإسرائيليين ببعض المقاتلين المعتقلين والأسرى، وقد تمكنت مجموعة من قوات العمليات الخاصة الإسرائيلية من قطع آلاف الأميال جواً والهبوط في عنتيبي، حيث قتلت المختطفِين وحررت الرهائن. وبعد عنتيبي ادرك حداد ان حياته باتت في خطر ونقل مقره الى بغداد حيث شعر بالأمان. ومن العراق استمر في اطلاق عملياته ضد إسرائيل.
الشكولاتة القاتلة
وبعد عام من عملية الانقاذ التي تمت في عنتيبي توصل عملاء الموساد الى ان حداّد يحب حلوى الشكولولاتة، وبصفة خاصة تلك البلجيكية الراقية. وهذه المعلومات حول هذه العادة الخاصة لدى حداّد جاءت من مصدر فلسطيني موثوق تمكن من اختراق الجبهة الشعبية.
وقدم مدير الموساد اسحاق هوفي هذه المعلومات الى رئيس وزراء اسرائيل الجديد مناحيم بيغن الذي صادق فورا على العملية.
وشرع عملاء الموساد في تجنيد احد مساعدي حداّد الموثوقين الذي كان في مهمة، وعند عودته جلب لرئيسه صندوقا كبيرا يحتوي على شوكولاتة غودايفا الشهيرة. وكان عملاء الموساد قد حقنوا سمّاً بيولوجيا فتّاكا فيها.
وحمل العميل الصندوق الذي كان ملفوفا بورق لفّ الهدايا الى حداّد الذي كان لوحده وبدأ في تناول الحلوى. وبعد اسابيع قليلة بدأ حداّد يفقد شهيته، ويفقد وزنه. واشارت فحوص الدم التي اجراها الاطباء الى معاناته من انخفاض بالغ في كفاءة جهاز المناعة لديه.
ولم يدرك احد في بغداد ما كان يحدث للدكتور حداّد، فتدهورت حالته الصحية، واصابه ضعف بالغ وبات مثل هيكل عظمي، ونقل على عجل الى مستشفى في المانيا الشرقية.
غير ان خبراتهم المتطورة لم تكن ذات فائدة في هذه المرة. اذ لم يستطع الاطباء الالمان الشرقيون انقاذ حياة حداّد.
وفي 30 مارس عام 1978 توفي اثر اصابته باعراض لم تعرف طبيعتها وجاء تشخيص الاطباء الالمان يقول ان حداّد توفي نتيجة مرض عضال اصاب جهاز المناعة لديه. ولم يشتبه احد بالموساد.
بل ان بعض اقرب مساعدي حداّد اتهموا السلطات العراقية بتسميمه لانه احرج النظام. وانه فقط بعد مرور عدة سنوات جرى السماح للكتّاب الاسرائيليين بنشر حقيقة توّرط الموساد في اغتيال وديع حداّد.
اغتيال فتحي الشقاقي
في 26 اكتوبر عام 1995 وفي اواخر الصباح خرج فتحي الشقاقي زعيم حركة الجهاد الاسلامي من فندق ديبلومات في مدينة سليما في مالطا. وكان في طريقه للتسّوق قبل عودته الى دمشق التي ظل يقيم فيها خلال السنوات القلية الماضية، لكن الموساد كان له بالمرصاد.
وكان الشقاقي يرتدي باروكة شعر ويحمل جواز سفر ليبيا باسم ابراهيم الشاويش. وكان يشعر بالامان في تلك المدينة المالطية الهادئة.
ولم يكن يعرف ان هنالك عدة عملاء من الموساد كانوا يراقبونه منذ سفره بالطائرة قبل اسبوع مضى من مالطا الى ليبيا للمشاركة في مؤتمر سري للمنظمات الفلسطينية.
وتبين بعد 15 شهرا من اغتياله ان طالبا فلسطينيا جنده الموساد في بلغاريا ليصبح بعد 4 سنوات من بين مجموعة الشقاقي المقربة، هو الذي اخبر الموساد بتحركاته وسفره الى ليبيا عن طريق مالطا.
أهم عمليات الموساد (8)
لغز أشرف مروان حكاية «الملاك».. أكثر جاسوس صرف عليه الموساد
مايكل بار - زوهار ونسيم ميشال
يعتبر نشاط وكالة الاستخبارات الخارجية الاسرائيلية (الموساد) مرتبطا بقوة بأغلب الاحداث التي شهدها الشرق الاوسط، وحملت من الغموض والجدل الكثير لا سيما في العمليات السرية والاغتيالات وشبكات التجسس والتأثير في الانظمة وغيرها.
نستعرض على حلقات احد الكتب التي تناولت هذا الجهاز بتأليف صحافيين اسرائيليين، عرضا معلوماتهما بطريقة روائية فيها من المغامرات والتشويق وسرد احداث امتدت منذ زراعة الجاسوس ايلي كوهين في دمشق، مرورا بتصفية قادة ايلول الاسود بعد عملية ميونخ واختطاف ادولف ايخمان وقصف المفاعل النووي السوري واغتيال علماء ايران النوويين والمحاولة الفاشلة لاغتيال القيادي في حماس خالد مشعل في عمان وفضيحة «ايران غيت» وصولاً إلى اغتيال المبحوح وغيرها.
ويجدر القول، ان الكتاب تجاهل الدور الدموي للموساد ولكنه يمثل وجهة النظر الاسرائيلية، فقد حاول «تمجيد» العمليات القذرة للجهاز او تبرير الاخر منها، الامر الذي تجاهلناه بدورنا، لنكتفي بسرد تسلسل الاحداث مركزين على المعلومات المعهودة على ذمة المؤلفين والتاريخ.
نستعرض في هذه الحلقة الحكاية الاكثر جدلا وغموضاً في تاريخ الموساد وكذلك المخابرات المصرية، تلك التي كان بطلها صهر جمال عبد الناصر الذي كان يطلق عليه الاسرائيليون اسم «الملاك» والرمزي «الرشاش» فهل كان ملاكا لاسرائيل ورشاشا على مصر؟ وما السر الذي دفن معه منذ اللحظة التي القي فيها من نافذة منزله؟
في الخامس من اكتوبر 1973 وفي تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تلقى عميل الموساد الذي يحمل الاسم الرمزي «دوبي» مكالمة هاتفية من القاهرة.
وقد كانت المكالمة صادمة، فقد كان على الخط اهم عميل للموساد والاكثر سرية، فحتى مجرد وجوده كان يعرفه القليل من المسؤولين المختارين، وهو معروف باسم «الملاك» والاسم الرمزي «الرشاش» وقال الملاك بضع كلمات فقط احداها جعلت دوبي يرتعش، وكانت الكلمة «كيماويات» واتصل دوبي فوراً بالموساد في اسرائيل، ونقل تلك الكلمة الرمزية، وحال وصولها الى رئيس الموساد زافي زامير ابلغ مساعده فريدي ايني «انني ذاهب الى لندن».
وكان يدرك انه ليس امامه وقت، فكلمة السر «كيماويات» تحمل رسالة مخيفة وهي «ستشن الحرب ضد اسرائيل».
وقبل اسابيع قليلة من تلقي تلك المكالمة كان الملك حسين اجرى زيارة سرية للغاية الى اسرائيل، حيث حذر غولدا مائير من ان المصريين والسوريين ينوون الهجوم على اسرائيل.
غير ان غولدا في ذلك الوقت لم تكن تركز على تحذيرات الملك حسين، بل كان اهتمامها منصبا على الانتخابات المقبلة وكان حزب العمل الذي تنتمي اليه يقود حملة انتخابية شعارها «كل شيء هادئ على قناة السويس».
لقاء رئيس الموساد مع الملاك
وقبل مرور ثماني ساعات بالكاد قبل اندلاع حرب اكتوبر ظهر انه لا شيء هادئا على قناة السويس، فقد اخذ زافي زامير تحذير الملاك مأخذاً جاداً للغاية وغادر في اول رحلة متجهة الى لندن، وفي شقة في الطابق السادس في مبنى غير بعيد عن فندق دورشستر يحتفظ الموساد بمسكن سري، فيها اجهزة تنصت.
وقد تم شراؤها وتزويدها بالمعدات لغرض واحد فقط هو اللقاءات التي تجري مع الملاك، وحال وصول زافي زامير اتخذ عشرة من عملاء الموساد مواقع لهم حول المبنى لحماية رئيسهم في حالة ما اذا كانت الاشارة القادمة من القاهرة جزءاً من مخطط لاختطافه او اغتياله، وكان رئيس الوحدة العميل المخضرم زافي مالكين الذي ساهم في اختطاف ادولف ايخمان.
واستمر اللقاء بين زامير والملاك ساعتين وكان دوبي يسجل كل كلمة، وكان الوقت قد اقترب من الواحدة بعد منتصف الليل عندما انتهى الاجتماع، وعاد دوبي الملاك لاصطحابه لغرفة اخرى حيث دفع له الرسم المعتاد عن كل لقاء وهو مبلغ مائة الف دولار.
وبسرعة بالغة صاغ زامير برقية عاجلة الى اسرائيل، نصها: «ستوقع الشركة العقد في نهاية هذا اليوم» اي ان الحرب ستندلع اليوم!
لم يصدقوا ملاكهم
ولم يتم قبول التقرير الذي قدمه رئيس جهاز الموساد من قبل الجميع.
فقد كان الجنرال ايلاي زييرا رئيس جهاز امان وبعض القادة العسكريين مقتنعين بأنه لا يوجد اي خطر بنشوب حرب، وكان يرى ان التركيز الكبير للقوات المصرية والمدرعات في الجانب الاخر من قناة السويس لم يكن سوى مناورات ضخمة.
وفي تمام الساعة الثانية بعد الظهر استدعى زييرا المراسلين الحربيين وصرح بأن هناك احتمال ضعيف لنشوب حرب، وكان ما زال مستمراً في حديثه عندما دخل احد مساعديه الى مكتبه واعطاه ورقة صغيرة «لقد بدأت الحرب».
وخلال الحرب ظل الملاك يزود اسرائيل بمعلومات استخباراتية من الدرجة الاولى كما ان تحذير الملاك من وجهة النظر الاسرائيلية «انقذ الجولان» بعد ان تسنى للاسرائيليين حشد الدبابات هناك حتى المساء.
من هو الملاك؟
وبعد انتهاء خدمته حمل الجنرال زييرا احباطه العميق معه في قلبه، وكان مصراً على اثبات براءته وكشف الرواية الحقيقية لما حصل عام 1973 وقرر تأليف كتاب وتقديم رده عن ذلك السؤال: لماذا رفض تقرير الملاك؟ وقال زييرا ان الملاك لم يكن سوى عميل مزدوج تم زرعه ضمن الموساد من قبل المصريين بغرض تضليل الإسرائيليين.
لكن زييرا واتباعه اختاروا تجاهل الحقيقة، وهي ان كل تقارير الملاك منذ البداية وحتى النهاية كانت مضبوطة للغاية، وبالتالي اين هو الكذب؟
غير ان زييرا لم يقتنع بذلك، ففي عام 2004 عندما نشرت طبعة جديدة من كتابه، قام بخطوة اضافية، حيث كشف عن هوية الملاك إلى العلن: انه أشرف مروان، وقد أذهل هذا الكشف كل المطلعين على الدوائر السياسية المصرية، إذ لم يمكنهم تصديق ان يكون مروان جاسوسا اسرائيليا.
في عام 1965 التقت منى وهي الابنة الثالثة للرئيس جمال عبدالناصر بالشاب أشرف مروان الذي كان وسيما وساحراً في ملعب التنس في نادي هليوبوليس وتحابا.
وبعد وقت قصير من ذلك اللقاء قدمت منى صديقها إلى اسرتها، وكانت تلك هي الطريقة التي التقى بها ذلك الشاب والد منى الرئيس المصري جمال عبدالناصر، ولم يكن عبدالناصر متأكداً ان ابنته قد التقت الشاب المناسب، ولكنها لم تترك له اي خيار، فقد كانت المفضلة لديه، وأخيراً دعا ناصر والد الشاب وهو ضابط كبير في الحرس الجمهوري الى مكتبه، واتفق الاثنان على زواج الابن والابنة، وبعد عام من ذلك وفي يوليو عام 1966 عقد قران الاثنين.
ويبدو ان الشاب اشرف لم يكن راضياً عن وظيفته في الرئاسة وطلب من عبدالناصر الاذن بمواصلة دراسته في لندن ووافق الرئيس على ذلك، واستقر اشرف مروان لوحده في لندن تحت الرقابة الوثيقة للسفارة المصرية.
بيد انه يبدو ان تلك الرقابة والاشراف لم يكونا كافيين، فقد كان مروان يحب الحياة المرفهة والحفلات والمغامرات، ولندن الستينات كانت توفر تلك الظروف.
بئر الخيانة
وفي عام 1969 سافر مروان مرة اخرى الى لندن لتقديم بحث للجامعة، ولكنه في تلك المناسبة اتخذ أول خطوة في طريق خيانة والد زوجته، فالاذلال الذي عامله به الرئيس المصري خلف لديه شعوراً بالمرارة والاحباط، واقدم، من دون تردد، على الاتصال بالسفارة الإسرائيلية، وطلب الحديث مع الملحق العسكري، وعندما رد عليه احد الضباط عرف مروان نفسه باسمه الحقيقي، وقال مباشرة انه يرغب في العمل لصالح اسرائيل، وطلب ان ينقل عرضه هذا الى المسؤولين عن مثل هذا النوع من النشاط. ولم يأخذ الضابط الذي تلقى المكالمة الأمر مأخذا جاداً ولم يبلغ عن تلك المكالمة، كما ان مكالمة مروان الثانية لم تجد رداً، غير ان الحكاية وصلت الى بعض ضباط الموساد، وتلقى رئيس الإدارة الأوروبية في الموساد شمويل غورين مكالمة من مروان، وكان يعرف من هو اشرف مروان، ويدرك الوضع المهم للرجل وطلب من مروان عدم الاتصال بالسفارة مرة أخرى واعطاه رقما سريا.
العثور على الكنز
وعاد غورين الى لندن والتقى مروان الذي طلب مبلغاً كبيراً هو 100 ألف دولار عن كل اجتماع يقدم فيه تقريراً.
من جهته، كان غورين يريد دليلا ملموسا بان مروان يستطيع خدمة اسرائيل. ولم يدع مروان غورين ينتظر طويلاً حيث قدم له الوقائع الكاملة للاجتماع الذي عقد فيما بين عبد الناصر وزعماء الاتحاد السوفيتي في موسكو في 22 يناير 1970 الذي طلب فيه الرئيس المصري الاسلحة.
وقد اذهلت الوثيقة كل من قرأها، اذ لم يشهدوا مثلها من قبل ولم يكن هناك ادنى شك في صحتها، وادرك مسؤولو الموساد حينها ان لديهم كنزاً ثريا تحت ايديهم، وتم تعيين دوبي مسؤولا عن مروان حيث بعثوه الى لندن كما نفذوا فوراً كل الترتيبات اي تأجير شقة في لندن كمكان للقاءات مع الملاك وتجهيزها باجهزة سرية للتنصت والتسجيل وتأمينها، وتخصيص صندوق خاص لتمويل عميلهم النجم.
وكانت اللقاءات تتم بمبادرة من مروان نفسه، اي كلما كان لديه امر يود الابلاغ به يتصل بنساء يهوديات كوسيطات.
وقدم المعلومات الاستخباراتية ووثائق سرية للغاية سياسية وعسكرية، وقد شارك الكولونيل مائير مائير رئيس الفرع السادس والمسؤول عن الجيش المصري في المخابرات العسكرية الاسرائيلية، في العديد من تلك الاجتماعات. ووفقا لتقديرات الموساد فإن تقارير اشرف مروان خلال عمله مع الاسرائيليين كلفت الدولة العبرية اكثر من ثلاثة ملايين دولار.
من صهر عبد الناصر إلى نصير السادات
وبعد وفاة عبد الناصر عام 1970 قرر اشرف مروان مساندة السادات دون تحفظ، واخذ مفاتيح خزانة الرئيس ناصر الخاصة من زوجته وجمع اهم الملفات والوثائق وقدمها الى الرئيس الجديد.
كما سانده ايضاً مرة اخرى في مايو 1971 بالاطاحة بمراكز القوى الذين كانوا ينافسونه ويتآمرون عليه.
وقد حصد ثمار ذلك، فقد تم تعيينه في منصب سكرتير ومستشار الرئيس وكان يرافق السادات في زياراته الخارجية كافة ويشارك في المحادثات كافة التي تجرى على اعلى المستويات.
ومع تحسن وضع مروان تحسنت وتطورت كذلك تقاريره، وفي عام 1971 سافر السادات الى موسكو عدة مرات حيث قدم الى ليونيد بريجنيف قائمة مشتريات اسلحة يحتاجها في حربه ضد اسرائيل، وشملت القائمة من بين اشياء اخرى طائرات ميغ - 25 وقدم مروان القائمة الى العميل المسؤول عنه في الموساد وعندما طلب منه وقائع محادثات السادات مع بريجنيف، سلمه مروان ذلك أيضاً. وقد نالت تقارير مروان إعجاباً بالغاً من زافي زامير، والتقاه وجهاً لوجه.
دفن معه سره
وبعد الضجة التي أثارها زييرا، غرقت إسرائيل في فيضان من الاتهامات والاتهامات المضادة. وشكل الموساد وجهاز أمان لجنتي تحقيق توصلتا إلى النتيجة ذاتها وهي ان مروان لم يكن عميلاً مزدوجاً ولم يلحق أي أذى بإسرائيل. ولم يستسلم زييرا ورفع قضية على زامير في المحاكم. وقد حكمت المحكة بأن رواية زامير هي الحقيقية. وفي أوائل يونيو 2007 نشر قرار المحكمة الذي أكد رسمياً رواية زامير حول دور مروان في خدمة الموساد. وبعد أسبوعين من ذلك عثر على جثة مروان ملقاة على الرصيف تحت شرفة شقته.
واتهم المراقبون الإسرائيليون المخابرات المصرية بقتله. واتهم العديدون زييرا بأنه من خلال سلوكه المتهور أدى إلى مقتل مروان. وأرملة مروان اتهمت الموساد بقتل زوجها. وقال شهود عيان انهم رأوا أشخاصا ذوي ملامح شرق أوسطية كانوا يقفون مع مروان على شرفة شقته قبل دقائق من موته.
وقالت شرطة سكوتلاند يارد انها بعد التحقيق لم تتوصل إلى مرتكبي الجريمة. وقتلة الملاك مازالوا طلقاء.
اتصالات مع مخابرات أخرى
يبدو ان مروان كانت لديه اتصالات بأجهزة استخبارات أخرى، فقد اتصل بجهاز الاستخبارات الإيطالي وعرض العمل لصالحهم أيضاً، ووفقاً لأحد المصادر فإنه أقام صلة مع جهاز الاستخبارات البريطاني إم - آي - 6. ويفسر هذا الأمر كيف انه في 5 أكتوبر عندما كان في طريقه للقاء زافي زامير في لندن، توقف في روما حيث أبلغ الإيطاليين بموعد الحرب.
وقد أبلغ الإيطاليين أيضاً بخلية أمين الهندي التي كانت تنوي تنفيذ عملية انتقام ضد معمر القذافي لإسقاط طائرة مدينة ليبية من قبل إسرائيل فوق سيناء. رغم ان مروان نفسه من زود خلية الهندي بصواريخ «ستريلا» هربها باليريو الدبلوماسي بين السجاد.
وبعد ان كلفه السادات بمهمات خارجية عديدة أجرى علاقات مع الـ«سي آي إيه» لمدة 25 عاماً.
ومع زيادة ثروته اتجه إلى عالم المال والأعمال، واشترى شقة فاخرة في لندن. وبدأ في استثمار أمواله في العديد من المشروعات. وفي عام 1975 عين مروان رئيساً للاتحاد الصناعي العربي، وبعد اغتيال السادات، انتقل إلى لندن وبدأ أعمالاً تجارية ناجحة، جعلت منه شخصاً ثرياً للغاية، واستضاف دوبي المسؤول عنه في جهاز الموساد في فندق يملكه في مايوركا، وأبلغه انه تقاعد عن العمل في مجال الجاسوسية.
أهم عمليات الموساد (7) نهاية المطاردة الطويلة ضد «الأمير الأحمر»
مايكل بار - زوهار ونسيم ميشال
يعتبر نشاط وكالة الاستخبارات الخارجية الاسرائيلية (الموساد) مرتبطا بقوة بأغلب الاحداث التي شهدها الشرق الاوسط، وحملت من الغموض والجدل الكثير لا سيما في العمليات السرية والاغتيالات وشبكات التجسس والتأثير في الانظمة وغيرها.
نستعرض على حلقات احد الكتب التي تناولت هذا الجهاز بتأليف صحافيين اسرائيليين، عرضا معلوماتهما بطريقة روائية فيها من المغامرات والتشويق وسرد احداث امتدت منذ زراعة الجاسوس ايلي كوهين في دمشق، مرورا بتصفية قادة ايلول الاسود بعد عملية ميونخ واختطاف ادولف ايخمان وقصف المفاعل النووي السوري واغتيال علماء ايران النوويين والمحاولة الفاشلة لاغتيال القيادي في حماس خالد مشعل في عمان وفضيحة «ايران غيت» وصولاً إلى اغتيال المبحوح وغيرها.
ويجدر القول، ان الكتاب تجاهل الدور الدموي للموساد ولكنه يمثل وجهة النظر الاسرائيلية، فقد حاول «تمجيد» العمليات القذرة للجهاز او تبرير الاخر منها، الامر الذي تجاهلناه بدورنا، لنكتفي بسرد تسلسل الاحداث مركزين على المعلومات المعهودة على ذمة المؤلفين والتاريخ.
بعد قيام الموساد باغتيال معظم قادة ايلول الاسود، لم يتبق إلا علي حسن سلامة.
في الاثناء، وصلت رسالة عاجلة الى مقر الموساد، تقول ان مبعوثا خاصا لأيلول الاسود هو الجزائري بن آمنه كان قد ارسل للقاء علي حسن سلامة، وكان بن آمنه قد قطع اوروبا بطريقة غريبة متخذا طرقا مختلفة، حتى وصل إلى مدينة ليلهامر وهي منتجع في النرويج.
وبعد أيام قليلة من ذلك تمركز فريق الاغتيال التابع للموساد بقيادة مايك هراري في ليلهامر. ولم يكن لدى أي احد فكرة عما يفعله سلامة في هذه المدينة الجبلية الهادئة، وتابع الطاقم الأول بن آمنه الى حوض السباحة ورأوه يتحدث مع شخص ذي ملامح شرق اوسطية. ونظر ثلاثة من أعضاء الطاقم الى صور كانت بحوزتهم وتوصلوا الى ان الرجل هو سلامة من دون شك. وكان العملاء متأكدين من التعرف عليه، وتابعوه عبر شوارع ليلهامر وشاهدوه في صحبة امرأة نرويجية حامل.
ودخلت العملية مرحلتها الأخيرة، ووصل عدد إضافي من العملاء من اسرائيل. وستكون تصفية سلامة آخر خطوة من الحرب الطويلة مع ايلول الاسود.
واستأجر طاقم الاسناد سيارات وغرفا في الفنادق، وقد ذكر بعضهم ان سكان المدينة لاحظوا فورا حركة نشاط غير عادية، اي وجود عدد من «السياح» في ليلهامر كانت سياراتهم تنطلق في كل الاتجاهات، وهو أمر لا يشاهد كثيرا في تلك المدينة خلال الصيف.
وفي 21 يوليو 1973 شوهد سلامة وصديقته الحامل اثناء خروجهما من احدى دور السينما. وركبا الباص، حيث نزلا في شارع هادئ مهجور، وفجأة توقفت سيارة بيضاء قربهما، وقفز منها شخصان الى الرصيف يحملان مسدسي بيريتا وامطرا جسد سلامة بحوالى 14 طلقة. وسقط الأمير الأحمر قتيلاً.
كارثة الموساد
وبعد انتهاء العملية امر مايك هراري رجاله بمغادرة النرويج فورا. وتم الانسحاب وفقا للقواعد الموضوعة، أي مغادرة القتلة أولا وترك سيارتهم البيضاء في مركز ليلهامر، واخذ اول رحلة مغادرة من اوسلو. وكان على اغلب العملاء، ومن بينهم مايك هراري المغادرة بعد ذلك تاركين خلفهم الطاقم الذي يقوم باخلاء المساكن الآمنة، واعادة السيارات المستأجرة. غير ان مصادفة غير متوقعة قلبت الأمور رأسا على عقب، فقد لاحظت امرأة تقيم في بيت قريب من العملية ان لون السيارة البيضاء من طراز بيجو، وكان رجال شرطة شاهدوا السيارة البيجو البيضاء تقودها سيدة لافتة للنظر، ولاحظوا لوحات السيارة وفي اليوم التالي عندما اعيدت السيارة الى مكتب الاستئجار في المطار اعتقلت الشرطة من جاء بالسيارة وهما دان اربيل وماريان غلادينكوف. وادى التحقيق معهما الى اعتقال عميلين آخرين هما سيلفيا رافاييل وافرام غيمر.
كما اعتُقل عميلان آخران في اليوم ذاته. فقد انهار اربيل وغلادينكوف تحت ضغوط التحقيقات وكشفا عن معلومات سرية للغاية حول العملية وعناوين المساكن الآمنة في النرويج وعبر اوروبا وقواعد التآمر وارقام الهواتف وامور اخرى عن اساليب عمل «الموساد». وداهمت الشرطة شقة في اوسلو، وعثرت على مجموعة كبيرة من الوثائق هناك. كما اكتشفت انه كانت لدى ايغال آيال (ضابط الامن في سفارة اسرائيل) علاقة بالموساد، وكان ذلك كارثة.
يوم «الموساد» الأسود
وفي اليوم التالي نشرت وسائل الاعلام في النرويج انباء حول اعتقال عملاء اسرائيليين ألحقت ضررا بسمعة «الموساد» ومصداقيته، غير ان الصحافة نشرت انباء اخرى اكثر ضررا وهي ان «الموساد» قتل الشخص الخطأ.
فالرجل الذي اغتيل في ليلهامر لم يكن علي حسن سلامة بل احمد بوشيخي وهو نادل مغربي جاء الى النرويج يبحث عن عمل وكان متزوجا من سيدة نرويجية وكانت حاملا في شهرها السابع.
تغييرات في إسرائيل
لقد حدثت تغييرات عديدة في اسرائيل منذ نهاية نشاطات ايلول الاسود. فقد ذهبت غولدا مائير، واستقال خلفها اسحاق رابين. وتولى السلطة بعده رئيس الوزراء مناحيم بيغين. كما تم تعيين الجنرال اسحاق هوفي القائد السابق للمنطقة الشمالية مديرا لجهاز الموساد خلفا للمدير السابق زافي زامير. غير أن الهجمات الفلسطينية على اسرائيل ظلت مستمرة.
ويؤكد المؤلفان أن مناحيم بيغين قرر الرد على العمليات. وفي أواخر السبعينات كان اسم علي حسن سلامة ضمن قائمة من يجب الثأر منهم. وعليه تم ارسال عميل سري للموساد الى بيروت وتمكن من الانضمام الى ناد صحي كان يرتاده سلامة لممارسة التمارين الرياضية. وفي أحد الايام وأثناء دخوله غرفة الساونا، وجد نفسه وجها لوجه مع الأمير الأحمر (سلامة)، وقد أثار هذا الوضع المذهل حوارا ساخنا في الموساد ولكن تم التخلي عن تلك الخطوة.
الدور الغامض للعزباء الانكليزية
وعندها جاء دور اريكا ماري تشيمبرز، وهي امرأة عزباء غريبة الاطوار كانت تعيش في ألمانيا خلال السنوات الأربع الأخيرة. وجاءت الى بيروت، حيث استأجرت شقة في الطابق الثامن في مبنى يقع على ناصية شارعي فردان ومدام كوري. واطلق عليها جيرانها اسم بينلوبي. وقالت لهم انها تقوم بأعمال تطوعية لمصلحة منظمة تهتم برعاية الاطفال الفقراء. وقد شوهدت تعمل بالفعل في المستشفيات وفي وكالات الاغاثة، بل إن البعض قال إنها التقت علي حسن سلامة.
وتميزت تشيمبرز بحركة السير الدائبة في الشارع اسفل شقتها، وبصفة خاصة المرور اليومي لسيارتين تحت نافذتها، وهما شيفروليه ستيشن واغون بنية اللون تكون دائما متبوعة بجيب لاند روفر. وعن طريق استخدام شفرة معينة ظلت اريكا تتابع بالتفصيل أوقات واتجاهات حركة السيارتين. وكانتا تأتيان كل صباح من اتجاه الصنوبرة عبر شارعي فردان ومدام كوري متوجهتين جنوبا نحو المقر الرئيسي لمنظمة فتح. وترجعان في موعد الغداء وتظهران مرة أخرى في اوائل المساء متهجتين مرة أخرى الى مقر فتح.
وعند مراقبتها للسيارتين بواسطة المنظار تعرفت اريكا على سلامة وهو يجلس في المقعد الخلفي للسيارة الشيفروليه بين حارسين مسلحين. وهناك عدد آخر من المسلحين يتبعونه في سيارة اللاند روفر.
السقوط في فخ الروتين
وربما كان حراس سلامة قادرين على حمايته، ولكنهم لم يكونوا قادرين على انقاذه من اسوأ الأعداء الا وهو الروتين. فمنذ زواجه من جورجينا رزق باتت حياة سلامة تخضع لنسق ثابت. فقد استقر مع زوجته في منطقة الصنوبرة ويذهب الى العمل مثل موظف كل صباح في الوقت ذاته ويعود الى البيت لتناول الغداء وأخذ قسط من الراحة والعودة الى العمل مرة أخرى. وكان قد تجاهل القواعد الأساسية للعمل السري، وهي ألا تكون لديك عادات ثابتة وعدم البقاء في عنوان ثابت لفترة طويلة، وعدم استخدام الجدول الزمني مرتين، وعدم الخروج كل يوم في الموعد ذاته.
العملية الأخيرة
وفي 18 يناير عام 1979 وصل إلى بيروت السائح البريطاني، بيتر سكريفر، حيث أقام في فندق مديترانيه واستأجر سيارة فولكس فاغن غولف ذات لون أزرق.
والتقى في اليوم ذاته سائحاً كندياً يدعى رونالد كولبيرغ، الذي كان يقيم في فندق رويال غاردن، واستأجر سيارة كرايزلر سيمكا، ولم يكن كولبيرغ سوى ديفيد مولاند، وبعدها جاء العميل الثالث الذي استأجر ايضا سيارة في اليوم التالي، وهي اريكا شيمبرز، التي طلبت استئجار سيارة «للقيام برحلة في الجبال»، وكانت سيارة داتسون أوقفتها قريباً من بيتها».
وفي تلك الليلة اقتربت ثلاثة قوارب صواريخ إسرائيلية من شاطئ مهجور يقع فيما بين بيروت وجونيه، وتركت ثلاث شحنات متفجرات ضخمة على رمل الشاطئ، وكان هناك كولبيرغ وسكريفر اللذان نقلا المتفجرات في سيارة الفولكس فاغن.
وفي 21 يناير أجرى سكريفر إجراءات المغادرة في الفندق، وقاد سيارته الفولكس فاغن الزرقاء الى شارع فردان وأوقفها بحيث يمكن مراقبتها من نافذة شقة اريكا شيمبرز، وبعدها استقل سيارة تاكسي الى المطار، حيث لحق برحلة متجهة الى قبرص، وأنجز ايضا رونالد كولبيرغ اجراءات مغادرة الفندق وانتقل الى فندق مونمارتر في جونيه.
وفي الساعة الرابعة إلا الربع مساء، ركب علي حسن سلامة سيارته الشيفروليه وركب حراسه سيارة اللاند روفر واتجهت السيارتان نحو المقر الرئيسي لمنظمة فتح، وسارت السيارتان عبر شارع مدام كوري، والتفتا باتجاه شارع فردان.
ومن الطابق الثامن في المبنى الواقع على الناصية، راقبت اريكا شيمبرز قدوم السيارتين، وكان مولاد يقف الى جانبها وهو يمسك بجهاز تحكم عن بُعد، ومرت السيارة الشيفروليه بهدوء قرب سيارة الفولكس فاغن الزرقاء، وفي تلك اللحظة ضغط مولاد على زر جهاز التحكم.
وانفجرت سيارة الفولكس فاغن، وتحولت الى كرة ضخمة من النار، وحاصرت النيران السيارة الشيفروليه التي انفجرت بدورها، وتناثر زجاج نوافذ المساكن المجاور على الرصيف، وحدق المارة المرعوبون في جثث ركاب السيارة الشيفروليه.
وأسرعت سيارات الشرطة والإسعاف باتجاه مسرح الحادثة وبدأ المنقذون في إخراج جثث السيارة الشيفروليه، من بينها جثث السائق والحارسين الشخصيين وعلي حسن سلامة.
وفي دمشق حمل مراسل على عجل برقية إلى ياسر عرفات، الذي كان يحضر اجتماعاً هناك، وأصابه الذهول عند قراءة البرقية وسالت الدموع من عينيه.
وفي تلك الليلة انطلق قارب مطاطي من إسرائيل واستقر على شاطئ جونيه، وقفز على متنه رونالد كولبيرغ واريكا شيمبرز، حيث نقلهما الى سفينة كانت في انتظارهما، وبعد بضع ساعات كانا في اسرائيل.
لقد كانت تلك نهاية المطاردة والقضاء على منظمة أيلول الأسود.
زواج سلامة وجورجينا رزق
ومر عامان، وفي امسية ربيعية عام 1975 استضافت اسرة بيروتية اجمل امرأة في العالم وهي جورجينا رزق. وكانت قد حازت قبل اربع سنوات لقب ملكة جمال الكون.
وفي تلك الامسية في مسكن اصدقائها التقت شابا وسيما يتسم بشخصية كارزمية ووقع كل منهما في حب الآخر، وبعد عامين من ذلك، وفي 8 يونيو عام 1977، تزوجا، وكان الزوج هو علي حسن سلامة.
فبعد انحسار نشاط ايلول الاسود عين سلامة قائداً للقوة السابعة عشرة التي كانت مسؤولة عن الامن الشخصي لقادة «فتح». ورافق سلامة ياسر عرفات في زيارته الشهيرة الى مقر الامم المتحدة في نيويورك.
وكان سلامة يقف الى جانبه عندما سافر عرفات الى موسكو والتقى اهم زعماء العالم.
وما اذهل اسرائيل هو ان وكالة المخابرات المركزية الاميركية كانت تحاول استمالته. وكانت «سي آي أيه» تأمل في ان يتحول سلامة الى خادم موال للمصالح الاميركية، وعرضت على سلامة مئات الآلاف من الدولارات ولكنه رفض ذلك. غير أنه من جانب آخر وافق على قضاء اجازة طويلة مع جورجينا في هاواي غطت الوكالة جميع نفقاتها.
وتغير اسلوب حياة سلامة، وبدأ اصدقاؤه يشعرون أن حياته لم تعد في خطر، ولكنه كان يشعر ان ايامه باتت معدودة، ولم يكن يتوقف عن الحديث حول موته. فقد قال لمراسل «اعرف ان اجلي عندما يحين سوف اواجه موتي، ولن يتمكن اي احد من انقاذي وحمايتي».
حرب الموساد و«أيلول الأسود» في أوروبا اغتيال الهمشري وحسين ابو الخير والقبيسي
مايكل بار - زوهار ونسيم ميشال
يعتبر نشاط وكالة الاستخبارات الخارجية الاسرائيلية (الموساد) مرتبطا بقوة بأغلب الاحداث التي شهدها الشرق الاوسط، وحملت من الغموض والجدل الكثير لا سيما في العمليات السرية والاغتيالات وشبكات التجسس والتأثير في الانظمة وغيرها.
نستعرض على حلقات احد الكتب التي تناولت هذا الجهاز بتأليف صحافيين اسرائيليين، عرضا معلوماتهما بطريقة روائية فيها من المغامرات والتشويق وسرد احداث امتدت منذ زراعة الجاسوس ايلي كوهين في دمشق، مرورا بتصفية قادة ايلول الاسود بعد عملية ميونخ واختطاف ادولف ايخمان وقصف المفاعل النووي السوري واغتيال علماء ايران النوويين والمحاولة الفاشلة لاغتيال القيادي في حماس خالد مشعل في عمان وفضيحة «ايران غيت» وصولاً إلى اغتيال المبحوح وغيرها.
ويجدر القول، ان الكتاب تجاهل الدور الدموي للموساد ولكنه يمثل وجهة النظر الاسرائيلية، فقد حاول «تمجيد» العمليات القذرة للجهاز او تبرير الاخر منها، الامر الذي تجاهلناه بدورنا، لنكتفي بسرد تسلسل الاحداث مركزين على المعلومات المعهودة على ذمة المؤلفين والتاريخ.
يتتبع الكتاب عملية الاغتيال الثانية لأحد قادة «أيلول الاسود» في اوروبا فبعد مقتل زعيتر بفترة رن جرس الهاتف في شقة واقعة في 175 رو اليسيا في باريس.
ورد على الهاتف الدكتور محمود الهمشري. فقال المتصل الذي كان يتحدث بلكنة ايطالية واضحة «هل هذا الدكتور الهمشري ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا؟». وقدم نفسه على انه صحافي ايطالي متعاطف مع القضية الفلسطينية، وطلب اجراء مقابلة مع الهمشري.
واتفقا على اللقاء في احد المقاهي البعيدة عن مسكنه. يشار الى ان الدكتور الهمشري مؤرخ بارز يحظى بالاحترام، كان يقيم في باريس مع زوجته الفرنسية ماري ــ كلود وابنته الصغيرة وبات يتخذ مؤخرا بعض الحرص والحذر. وكان عندما يسير في الطريق يظل يراقب الناس حوله ممن قد يكونون يتبعونه. وكان غالبا ما يتأكد من جيرانه ما اذا كان اي غرباء سألوا عنه.
ولم يكن هناك اي شيء يدعوه الى الشعور بالقلق، فهو اكاديمي وشخص معتدل ومندمج بشكل جيد في الاوساط الثقافية الباريسية. وكتبت عنه آني فرانكوس في مجلة «جان افريك» الاسبوعية «انه لا يحتاج الى اي احتياطات لانه ليس خطيرا. واجهزة الاستخبارات الاسرائيلية تعرف ذلك تماما».
الاتهامات الإسرائيلية
بيد ان الاستخبارات الاسرائيلية تتهمه مثلا بالمشاركة في محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت بن غوريون في الدانمرك في عام 1969. وتورطه في تفجير طائرة للخطوط الجوية السويسرية في الجو في عام 1970، راح ضحيته 47 شخصا، وارتباطاته ببعض الشباب العرب الغامضين ممن يزورونه في الليل وهم يحملون حقائب ثقيلة. كما تعتقد الاستخبارات العسكرية ايضا ان الهمشري اصبح في ذلك الوقت نائب قائد «ايلول الأسود» في اوروبا.
اغتيال الهمشري
وعليه فإنه عندما ذهب الهمشري في ذلك اليوم لاجراء المقابلة مع الصحافي الايطالي، اقتحم رجلان شقته وخرجا بعد 15 دقيقة منها. ورنّ جرس الهاتف ورفع الهمشري السماعة. وجاء صوت الصحافي الايطالي مرة اخرى «الدكتور الهمشري؟» ردّ عليه «نعم». في تلك اللحظة سمع الهمشري صوتا حادا كصوت الصافرة وبعدها انفجارا مدويا. وقد كان ذلك نتيجة انفجار قنبلة زرعت تحت طاولته وسقط الهمشري وقد أصيب أصابة بالغة توفي اثرها بعد ايام قليلة في المستشفى، والقي اللوم على الموساد بمقتله.
حروب قبرص
وبعد اسابيع قليلة من اغتيال الهمشري وصل مايك هراري وشخص يدعى جوناثان انغلبي الى جزيرة قبرص. واقاما في فندق اولمبيا في نيقوسيا وكانت قبرص القريبة من اسرائيل وسوريا ولبنان ومصر قد تحولت الى ارض معركة بين العملاء الاسرائيليين والعرب. وكان متواجدا في قبرص حسين ابو الخير الذي عين قبل اشهر قليلة ممثلاً مقيماً لمنظمة أيلول الاسود في قبرص.
كما انه كان مسؤول العلاقات مع الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية.
وكما جرت العادة، فإن للموساد لائحة طويلة من الاتصالات تجاه ابو الخير، فقد اعتبرته ايضا مسؤولا عن تسلل المسلحين الى داخل اسرائيل، وعن تصفية الجواسيس العرب ممن يأتون إلى قبرص للقاء مسؤوليهم الاسرائيليين، وقد حكمت عليه اللجنة السرية بالاعدام.
وفي ذات ليلة، واثناء عودة ابو الخير الى غرفته في الفندق الذي يقيم فيه، وبعد اطفاء الانوار، كان جوناثان انغلبي يتربص به وبعد ان تأكد انه قد نام ضغط على جهاز التحكم على التلفزيون عن بعد، وحدث انفجار اهتز له الفندق. وانطلق موظف الاستقبال الى غرفة ابو الخير، وبعد انجلاء الدخان شاهد منظراً مرعباً لجثة أبو الخير التي غطتها الدماء.
رد فعل «أيلول الأسود»
وقد جاء ردّ أيلول الأسود سريعاً وفورياً. ففي 26 يناير 1973 التقى شخص اسرائيلي يدعى موشي هنان اشاي بصديق فلسطيني في حانة في مدريد. وبعد مغادرتهما الحانة ظهر امامهما شخصان اعترضا طريقهما.
وفرّ الفلسطيني بينما اخرج الرجلان مسدسيهما واطلقا النار على اشاي، واختفيا عن الانظار.
وبعد مضي ايام قليلة عُرف ان اسم اشاي الحقيقي هو باروخ كوهين وهو عميل مخضرم في الموساد كان قد شكل شبكة من الطلاب الفلسطينيين في مدريد. والشاب الذي التقاه في الحانة كان احد مخبريه وقد زرعته منظمة «أيلول الأسود» ضمن الشبكة وقد ثأر رفاقه لمقتل أبو الخير باغتيال باروخ كوهين.
كما اشتبه أيضاً ان {ايلول الاسود} وراء اطلاق النار وجرح عميل اسرائيلي آخر هو زادوك اوفير في احد المقاهي في بروكسيل، واغتيال الدكتور آمي شيركوري الملحق في سفارة اسرائيل في لندن باستخدام رسالة ملغومة.
وبعد اسبوعين من اغتيال ابو الخير عينت ايلول الاسود عميلاً جديداً في قبرص. وبعد 24 ساعة من وصوله الى نيقوسيا، التقى العميل الفلسطيني بمسؤول الاتصال في الاستخبارات السوفيتية (كي جي بي) وعاد الى الفندق الذي يقيم فيه. واطفأ النور وتوفي بالطريقة ذاتها التي اغتيل بها سلفه.
عملية ثأرية كبرى
ويصر المؤلفان على دس اسم ياسر عرفات في كل نشاطات «أيلول الأسود»، فمثلا كتبا ان عرفات وعلي حسن سلامة قررا تنفيذ «عملية ثأرية كبرى». وخططا لاختطاف طائرة، وتعبئتها بالمتفجرات وارسالها الى اسرائيل بقيادة طيار انتحاري ليدمرها في وسط تل ابيب. وكانت تلك نسخة مبكرة لاعتداء 11 سبتمبر على برجي التجارة الدولية في نيويورك. وحصل مخبرو الموساد على معلومات حول الاعداد لتلك العملية. وشرع عدة عملاء في متابعة ومراقبة مجموعة من الفلسطينيين في باريس ممن يبدو انهم كانوا مسؤولين عن تلك العملية، وفي احدى الليالي لاحظ العملاء التحاق شخص مسن بالمجموعة. وبعثوا صوره الى المقر الرئيس للموساد فجرى التعرّف عليه بأنه باسل القبيسي احد كبار قادة «أيلول الأسود».
اتهامات الموساد للقبيسي
والقبيسي فقيه قانوني بارز واستاذ القانون في الجامعة الاميركية في بيروت واكاديمي يحظى بالاحترام، غير ان الموساد يعتبره خطرا ويخطط لتصفيته.
فحسب ارشيف الموساد حاول القبيسي عام 1956 اغتيال ملك العراق فيصل الثاني عن طريق وضع سيارة ملغومة في موكبه، غير ان القنبلة انفجرت قبل الموعد، وفر القبيسي الى لبنان وبعدها الى الولايات المتحدة، وبعد سنوات قليلة من ذلك يعتقد الموساد انه حاول اغتيال غولدا مائير التي كانت في زيارة للولايات المتحدة، وعندما فشلت تلك العملية حاول اغتيالها في مؤتمر قمة الاشتراكية الدولية في باريس، وفشلت تلك العملية ايضاً، ولكن القبيسي لم ييأس حيث انضم الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واصبح نائباً لجورج حبش.
كذلك يرى الاسرائيليون ان القبيسي شارك في التخطيط لعملية 30 مايو 1972 التي نفذت في مطار اللد على يد مجموعة من الفلسطينيين واليابانيين، وقد اودت تلك العملية بحياة 26 شخصاً.
ويرى الموساد ان القبيسي التحق في وقت لاحق بمنظمة ايلول الاسود وقد كان حينها في باريس لادارة عملية الطائرة الانتحارية، واقام في فندق صغير في شارع رو ديزاركبيد المتفرع من ساحة بلاس دي لامادلين.
اغتيال استاذ القانون
وفي 6 ابريل، وبعد تناول وجبة العشاء في كافي روبي، سار القبيسي في طريقه نحو الفندق، وكان فريق الاغتيال التابع للموساد بانتظاره في ساحة بلاس دي لامادلين، وتمركز اثنان منهم في الطريق واثنان آخران في السيارة وعند اقتراب القبيسي توجه اليه العميلان مشهرين مسدسيهما غير ان امراً غير عادي حدث حيث توقفت سيارة فاخرة قرب القبيسي اطلت منها امرأة شابة وتبادلا بعض الحديث وركب القبيسي السيارة التي غادرت فورا وادرك العملاء ان تلك المرأة عرضت خدماتها للقبيسي.
وهدّأ رئيس الفريق الذي كان متواجداً افراد الفريق من الاحباط الذي اصابهم، وقال: علينا الانتظار والمراقبة لانها سوف تعيده الى المكان ذاته، وقد كان محقاً في قوله.
فقد عادت السيارة في وقت لاحق وودع القبيسي المرأة وبدأ في السير باتجاه الفندق وكان قد خطى بضع خطوات عندما خرج له شخصان في الظلام واعترضا طريقه كان احدهما ديفيد مولاد.
وعرف القبسي فورا ما يدور غير ان تسع رصاصات اخترقت جسده وسقط عند كنيسة لامادلين. وقفز عميلا الموساد الى سيارة الهروب وغادرا الساحة.
وفي الأشهر التي أعقبت ذلك اغتال مولاد وأفراد فريق كيدون عدة مبعوثين تابعين لأيلول الأسود ممن كانوا في زيارة إلى اليونان لشراء سفن لشحنها بالمتفجرات والابحار بها نحو الموانئ الاسرائيلية. غير ان هناك سؤالا ظل يطرح ولا يجد إجابة، الا وهو: أين هو مدبر عملية ميونخ؟ أين سلامة؟
عمليات جريئة لسلامة
لقد كان علي حسن سلامة في مقره الرئيسي في بيروت يخطط للخطوات التالية. وكانت أولاها احتلال السفارة الاسرائيلية في تايلند على يد فريق من {ايلول الأسود}. غير ان العملية فشلت. فقد واجه الفريق تهديدا جديا من جنرالات تايلند، وضغوطا من السفير المصري في بانكوك حيث اطلقوا سراح الرهائن، وغادروا تايلند.
وكانت العملية التالية لسلامة اكثر جرأة. فقد اقتحم رجاله ممن كانوا مدججين بالسلاح السفارة السعودية في الخرطوم خلال حفل وداع لسفير أوروبي، واعتقلوا جميع الدبلوماسيين العاملين في العاصمة السودانية تقريبا. بعد ذلك اطلقوا سراح معظم الرهائن وابقوا فقط السفير الأميركي نويل ونائب رئيس البعثة الاميركية جورج مور والقائم بأعمال السفير البلجيكي غاي عيد. وفي التزامهم بتوجيهات سلامة اجهزوا عليهم. وقد تم اعتقال منفذي العملية، ولكن جرى اطلاق سراحهم بعد أسابيع قليلة من قبل الحكومة السودانية.
وشعرت اسرائيل بعد تلك العملية ان الوقت قد حان لضرب ايلول الأسود ضربة قاضية.
وفي القدس صادقت غولدا مائير على تنفيذ عملية نبع الشباب التي مثلت مرحلة جديدة في العملية الشاملة والحرب المستمرة ضد منظمة «أيلول الأسود».
الحلقة العاشرة: اسوأ الأخطاء في تاريخ الموساد ورطة محاولة اغتيال مشعل