Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Jun-2019

مستقبل "داعش" ونهاية التنظيم في مصر*منير أديب

 الحياة-لا يمكن القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي أو التفكير في ذلك، من خلال وضع رؤية عامة ذات تفصيلات خاصة ضمن استراتيجيا أكبر للقضاء عليه في مصر. وأي تعامل أمني أو عسكري مع قيادة "التنظيم" أو فروعه خارج مصر، سيكون بلا قيمة ولن يؤتي بنتائج مثمرة في سياق المواجهة الشاملة إلا من خلال مواجهة فرعه في مصر.

 
 
إن مواجهة تنظيم "داعش" تبدأ من مصر وتنتهي أيضاً في مصر، على رغم أن "التنظيم" فشل في فرض سيطرته الأمنية في هذا البلد ولن ينجح في ما حققه خارجه، عندما أنشأ إمارته «الساقطة» في الرقة والموصل في 29 حزيران (يونيو) 2014، وقد يعود ذلك إلى طبيعة مقاتليه وشكل الأرض التي يقاتلون عليها، والهدف غير المحدود لـ«التنظيم» في مصر. هذه المقومات تدفعنا إلى القول إن مواجهة «التنظيم» في مصر محورية في سياق المواجهة العامة والتفصيلية لرأسه في العراق والشام وذيوله في بقية "الولايات" التي يتواجد فيها في دول العالم.
 
المعركة التي يدور فيها الصراع مع تنظيم «ولاية سيناء» هي محافظة شمال سيناء الحدودية والظهير الصحراوي لهذه المحافظة والحدود مع الجارة فلسطين، من خلال عشرات الأنفاق التي يستحيل التخلص منها بشكل نهائي، والتي باتت تمثل تهديداً منذ بداية المواجهة مع «الدواعش» خلال السنوات الخمس الماضية وما قبلها، عند تشكل جماعة "التوحيد والجهاد" وتفجيرات طابا وشرم الشيخ، إضافة إلى ما يجري عند الحدود الممتدة مع ليبيا، والتي تفرض تحدياً لا يمكن إغفاله أو نسيانه. إن مزارع الزيتون التي تُشكل ثروة قومية والنسبة الأكبر من محاصيل هذه المحافظة وأهم مصدر دخل لمواطنيها، تجعل من الصعب التخلص منها، ذلك أنها تمتد على مساحات شاسعة، ويستخدمها المتطرفون في معاركهم مع أجهزة الأمن المصرية.
 
ويتسع المقام والمقال للتوضيح هنا والقول إن «التنظيم» ليس قوياً بالشكل الذي يضخمه البعض، وأن أجهزة الأمن المصرية نجحت في القضاء على أكثر من 90 في المئة من بُناه التحتية، غير أن تحديات الطبيعة الجغرافية، تفرض نفسها على المعركة الأطول نفساً بين غيرها والتي ربما تكون أصعب من معركة إسقاط رأس "داعش" في الرقة والموصل في 22 آذار (مارس) الماضي. وهنا نكرر عبارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عندما قال إن "سيناء بخير". نكررها بمضمونها الذي يُعبر عن شكل المعركة الأمنية ولكننا في الوقت ذاته نؤكد استمرار الصراع وعمقه ولا تعارض بين المعنيين.
 
وقع المجتمع الدولي في خطأ كبير بتسليطه الضوء على وجود "داعش" في الرقة والموصل، بينما استهان بقوته في سيناء. علماً أن قوة التنظيم في سيناء، مستمدة من وجود المقاتلين الأجانب الذين يتوافدون على هذه المنطقة الحدودية عبر البوابتين الشرقية والغربية؛ فانتشار الأنفاق في سيناء، إضافة إلى الحدود الممتدة مع الجارة ليبيا والتي يصل طولها إلى قرابة 1200 كيلومتر، تفرض تحدياً تعترف به مصر وتواجهه. ومن هنا، فإن على المجتمع الدولي إدراك شكل المعركة مع الإرهاب في مصر وما تقوم به السلطات المصرية نيابة عن العالم في مواجهة «داعش».
 
تواجه مصر هؤلاء المتطرفين على أراضيها، ولكنها بهذه المواجهة تقوم بمنع شر مستطير عن العالم، فضلاً عن تعرضها في الوقت ذاته لأكبر حملة تشويه من خلال بعض الدول ووسائل إعلام تابعة لها، بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان. هنا، ارتكب المجتمع الدولي جريمتين. الأولى عدم تقديم الدعم للسلطات المصرية ولو على سبيل المعلومات الاستخباراتية والثانية تشويه مصر أثناء القيام بدورها في هذه المواجهة.
 
نحن على يقين بنهاية «داعش» الجغرافية وتطهير سيناء بشكل كامل خلال وقت قريب، وهو ما تعمل عليه القيادة السياسية المصرية بموازاة خطواتها الثابتة في معركة التنمية، وهذا كفيل بالقضاء على «داعش مصر»، ولكن يبقى خطر «التنظيم» الحقيقي متمثلًا في أفكاره التي تنتشر بسرعة صاروخية، ما يعكس أهمية دور أجهزة الدولة ومؤسساتها ممثلة في وزارة الثقافة والمؤسسة الدينية، إضافة إلى وزارة التربية التعليم والدور الذي يجب أن تضطلع به من خلال وضع تصور للمواجهة الفكرية، يسير بالتوازي مع المواجهة الأمنية ومع معركة التنمية في سيناء. وإن لم يحصل ذلك، فسوف يظل الوضع يحتاج إلى إصلاح على خلفية معركة الإرهاب وسوف تتكاثر الخلايا الخبيثة وسط الجسد المعافى.
 
لا مستقبل لــ «داعش»، فالتنظيم يحتضر في مصر، ولكن ما هو أخطر من مواجهته، يتعلق بمواجهة بقاياه، فلا أحد شكك في قدرة مصر على مواجهة الموجه الثانية للعنف بعد العام 2013، ولا أحد يمكن أن يزايد على دورها في مواجهة الموجه الأولى للإرهاب في تسعينات القرن الماضي، ولكنها تحتاج في الوقت ذاته إلى أن تستفيد من تجاربها، فإذا نجحت في المواجهة الأمنية والعسكرية للإرهاب، وهي حتماً سوف تنجح في ذلك، عليها أن تلحق خطوتها هذه بمواجهة فكرية، لا أن تعتبر أن دورها ينتهي بمجرد استخدام الأسلحة للتخلص من الإرهابيين، بينما تترك بذور التطرف تنمو من جديد من دون مواجهة فكرية تُشرف عليها المؤسسات المعنية وتُستفز للقيام بدورها في هذا السياق.
 
عندما نصل إلى هذه القناعة، نستطيع أن نقضي على مستقبل التنظيم الإرهابي في مصر وخارجها.
 
* كاتب مصري.