الغد
بالرغم من الفشل الكبير في عملية السلام بين العالم العربي والفلسطينيين من جهة والإسرائيليين من جهة أخرى، وتعدد مبادرات السلام منذ أكثر من 30 عاما بمفاوضات مباشرة وغير مباشرة وسرية وعلنية وتحميل الأطراف مسؤولية الفشل لبعضها بعضا، إلا أن الواقع الحقيقي وليس الافتراضي الذي أدركه المجتمع الدولي أن إسرائيل وخاصة اليمين المتطرف فيها لا تريد السلام.
أسباب الفشل إستراتيجية وعميقة لها جذور تاريخية أهمها عقائدية يؤمن بها أطراف الصراع يهودا ومسيحيين ومسلمين، وترسخت بشكل كبير لدى الطرف الإسرائيلي من المعتقدات التلمودية والفلسفة الصهيونية، التي جذرت حالة التمترس الإسرائيلي الرافض للسلام حتى الآن، والذي يقبل به الفلسطينيون والعرب، وقد انعكس هذا الفكر في آخر مبادرة أطلقها رئيس الولايات المتحدة ترامب فيما بات يعرف بصفقة القرن، التي انطلقت من نفس المبادئ والمعتقدات التلمودية والفلسفة الصهيونية التي قامت على أساسها دولة إسرائيل في أرض فلسطين.
إصلاح وإعادة مسيرة السلام أمر بات غاية في الصعوبة والقبول لأن ذلك يتطلب تنازلات قوية ومؤلمة من أطراف الصراع، وأن حكومة اليمين الإسرائيلي ترفض جميع المطالب الشرعية للشعب الفلسطيني التي تحظى بموافقة المجتمع الدولي وذلك خضوعا لأحزاب اليمين المتطرف ونفوذه الكبير في جميع مؤسسات صنع القرار في إسرائيل.
كما أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تلبي مطالب إسرائيل المجحفة بحق الشعب الفلسطيني، كحق العودة والقدس والحدود ويهودية الدولة.
النتيجة أن أطراف الصراع في القضية الفلسطينية عاجزة عن حل الصراع التاريخي، وبالتالي فإن حل هذا الصراع تمتلكه الآن الدول الكبرى في العالم التي يمكنها أن تفرض حلا على جميع الأطراف، بشرط توافق هذه القوى وعدم تفرد إحداها في هذا الحل كما هو الحال اليوم بدور الولايات المتحدة، ومحاولتها من جانب واحد فرض صفقة القرن على الطرف العربي والفلسطيني، وهذا يناقض القوانين والعلاقات الدولية ومبادئ السلام العالمي التي تؤمن بها معظم شعوب العالم.
تدخّل الدول الكبرى لفرض حل على الأطراف جميعها سهل ممتنع، ويمكن أن يكون مبادرة حقيقية صادقة لفرض السلام يراعي الحدود الدنيا لمصالح أطراف النزاع، على أن تتضمن مثل هذه المبادرة تهديدا جديا وحقيقيا بفرض عقوبات صارمة بحق الأطراف الرافضة.
إن إسرائيل اليوم بحاجة ماسة إلى قيادات تاريخية قادرة على اتخاذ مواقف شجاعة وصادقة تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، تكون مقدمة لبناء الثقة مع الفلسطينيين والأردنيين والعرب لتحقيق سلام حقيقي لمصلحة الإسرائيليين أنفسهم ومستقبلهم في المنطقة وبين شعوبها إن إرادوا العيش بسلام وأمن إلى جانب دولة فلسطين المستقلة والأردن الداعم الأكبر للسلام في المنطقة.
الدولة الفلسطينية قادمة لا محالة، وستكون وفق إرادة الشعب الفلسطيني، ودعم الأردن لعدالة قضيتهم، ولن تنجح أي مبادرة سلام مهما طال الزمن دون حقوق الشعب الفلسطيني.