Monday 22nd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jan-2018

برلنتي عبد الحميد: "زوجي المشير عبد الحكيم عامر لم ينتحر بل قتله رجال جمال عبد الناصر"
رمزي صوفيا - الدار البيضاء- المغرب
لا زال آلاف الناس من عشاق الفن الجميل والطرب الرخيم يتذكرون نجمة من نجمات الأمس وهي الفنانة برلنتي عبد الحميد الذي كانت ذات يوم مطربة يشار لها بالبنان كما كانت ممثلة سينمائية لعبت أدوارا رائعة في أفلام لن ينساها الجمهور العربي.
وقد ولدت نفيسة وهذا هو الاسم الحقيقي لبرلنتي، في  الحي الشعبي الشهير السيدة زينب بالقاهرة، وبعد حصولها علي دبلوم التطريز تقدمت إلى معهد الفنون المسرحية والتحقت بقسم النقد ولكن سرعان ما أقنعها الفنان زكي طليمات بأن تلتحق بقسم التمثيل في المعهد وتخرجت من المعهد العالي للتمثيل.
وبدأت العمل علي المسرح وكان أول أدوارها في مسرحية "الصعلوك" وشاهدها "بيبر زريانللي" واختارها للعمل في أول ظهور سينمائي لها من خلال فيلم شم النسيم خلال سنة 1952 ثم توالت أعمالها وتألقها في السينما المصرية.
وشاركت في العديد من المسرحيات بعد انضمامها لفرقه المسرح المصري الحديث، ومن هذه المسرحيات قصة مدينتين والنجيل.
زواجها من المشير
 
أما بدايتها السينمائية كممثلة رئيسية فقد كانت في سنة 1952 بفيلم "ريا وسكينة" الذي اختارها فيه المخرج صلاح أبو سيف لتكون محطة انطلاق لها في السينما.
ولكن الحب الكبير كان في الطريق إلى حياتها حيث تعرف عليها المشير عبد الحكيم عامر وعشقها عشقا كبيرا وبادلته الحب فقرر الاثنان الزواج بدون تردد. وهكذا تزوجت الفنانة التي كانت تتمتع بجسد يعبق بالأنوثة من أقوى رجال ثورة جمال عبد الناصر وهو المشير عبد الحكيم عامر الذي كان آنذاك أقوى رجال جمال عبد الناصر وكان يحتل منصبا حسّاسا في الدولة وهو منصب القائد العام للجيش والنائب الأول لرئيس الجمهورية. وبعد زواجهما استقرا في شقة فخمة بحي الهرم وبارك زواجهما جمال عبد الناصر بشكل سرّي ودون ان يعلم بذلك
 
رفاق الثورة. ورزقت برلنتي بطفل أطلق عليه المشير إسم عمرو لتكتمل بذلك سعادتهما بعد أن نسيت برلنتي كل علاقة لها بعالم الفن لتتفرغ لزوجها وحبيبها ذو النفوذ الهائل في دواليب الدولة. ولم تكن تعلم بأن سعادتها لن تطول وبان أيدي الغدر كانت ستمتد لتقطع تلك السعادة من جذورها وتتركها أرملة مقهورة وحزينة طيلة حياتها.
تعرفت عليها من خلال ماجدة
وبعد وفاة زوجها المشير عامر بعدة سنوات تعرفت عليها من خلال صديقتي الدائمة النجمة الكبيرة ماجدة الصباحي التي كانت تتردد عليها باستمرار وتواسيها في مصابها الجلل. ومن اللحظة الأولى التي جلست فيها مع برلنتي عبد الحميد اكتشفت بأنني كنت أمام امرأة مختلفة تماما عن بقية الفنانات، فقد لاحظت قوة هائلة في شخصيتها ومعلومات غزيرة عن حقائق الثورة وهي حقائق يجهلها الكثير ممن كانوا في محيط جمال عبد النصر نفسه. وكان سؤالي الأول لبرلنتي عبد الحميد: "ما هي حقيقة انتحار زوجك بتناوله لجرعة كبيرة من السمّ" فضحكت من فرط الحنق ضحكة استهزاء مليئة بالتحدي وقالت لي: "سأقولها للمرة الألف. وهي أن المشير عبد الحكيم عامر لم ينتحر أبدا. بل تمّت تصفيته بطريقة مكشوفة ومستعجلة جدا بعد أن قرر جمال عبد الناصر التخلص منه بدون تأخير خوفا من افتضاح حقيقة هزيمة 1967 التي حاولوا إلصاقها بزوجي رحمه الله. فقد كان الشعب المصري سيحاسبهم حسابا عسيرا وشعب مصر لا يرحم أمثال هؤلاء الذين جعلوه يعيش في وهم كبير إسمه الانتصار على إسرائيل تحت لواء ثورة 1952 وكل هذا كان هراء وضحكا على التاريخ. فالحقيقة هي أن سبب نكسة 1967 هي سياسة جمال عبد الناصر لوحده وقراره لوحده واختياراته لوحده أما زوجي فقد اقترح عليه خطة حكيمة لو طبقها عبد الناصر لتحقق النصر المبين بدلا من أن يلصقوا سبب الهزيمة بأن المشير كان معي في غرفة النوم. وهو الاتهام الذي ضحك منه كل المحيطين بعبد الناصر."
وصمتت قليلا ثم قالت لي بمرارة وحنق:" زوجي المشير عاش عظيما ومات عظيما ولم يكن رجلا ضعيفا لينتحر، لقد قتلوه بطريقة مستعجلة بعد أن صار من المستحيل عليهم أن يتركوه حيا خوفا من انكشاف حقائق نكسة 1967 وانكشاف حقيقة أصحاب ثورة 1952 الحقيقيين وهم زوجي ومحمد نجيب الذي أوقفه عبد الناصر حتى توفاه الله بعيدا عن الأضواء رغم أنه هو البطل الحقيقي وليس عبد الناصر وأتباعه" فقلت لها: "وكيف تأكدت من اغتيال زوجك وليس انتحاره؟" فقالت لي:"الدليل على الاغتيال جاءني من الطبيب الذي حقق في الوفاة والذي أكد لي بأن زوجي مات مسموما وتحقق من ذلك بأدلة مادية لا يمكن تكذيبها طبيا. بل والأكثر من هذا هو أن الطبيب أطلعني على صورة التقرير الطبي الأصلي الذي يثبت اغتيال زوجي. وللحقيقة والتاريخ فقد كان زوجي يتوقع ذلك المصير وكان يوصيني خيرا بابننا في حالة تعرضه لشيء ما. وكانت كل كلماته تكشف عن خيبة أمله في الرجل الذي وضع ثقته فيه وهو جمال عبد الناصر وقد قال لي ذات ليلة ونحن لوحدنا: " لقد وهبت لجمال عبد الناصر أعظم أفكاري الحربية ولكنه لم يطبقها أبدا بل تعنت واستسلم لنصائح شردمة من الجاهلين بحقيقة وضعيتنا العسكرية وصعوبة بل استحالة انتصارنا في تلك الحرب فكان كل ما توقعته وهزمنا شر هزيمة بسبب سياسة عبد الناصر البعيدة عن كل ما كنت قد اقترحته عليه. واليوم يا برلنتي لست أضمن لك البقاء حيا لمدة طويلة" فقلت له: "لماذا تقول هذا الكلام كفى الله الشرّ" فقال لي وهو ينظر بعيدا: "أنا وكما تعرفينني رجل مؤمن بالله وبالقدر
الرباني وعندما يحين موعد وفاتي فلن يتأخر ذلك الموعد. ولكني أشعر بأن هناك من سيستعجل حلول ذلك الموعد" وسكتت قليلا لتمسح دموعها ثم قالت لي: "لقد بكيت من الحرقة على حبيبي وزوجي الذي عرفته عن كتب وعرفت شهامته وقوة شخصيته وشجاعته فقد كان يشعر بأن مكيدة ما كانت تُدبَّر ضده في الخفاء ومع ذلك لم يفكر في الهروب من مصيره المحتوم على أيدي من كانوا يستعدون للغدر به على حين غرة. أؤكد لك بأنه كان تقريبا يعلم بتاريخ اغتياله لهذا أوصاني بعدم الاستسلام وعدم الثقة في أي شخص وأوصاني برعاية ابننا عمرو وتربيته على حب مصر وحب المصريين. ولم تمرّ أيام قليلة حتى جاءني الخبر الصاعق عندما اقتحم ضباط ومعهم نساء من اللواتي يعملن في خدمة الجيش وطوقوا شقتي ودخلوا علي ليخبروني بأن زوجي قد مات مسموما" فسألتها: "وهل سمحوا لك بمعاينة جثته وتوديعه لآخر مرة؟" قالت: "أبدا. لقد منعوني ومنعوا شقيقه من توديعه وعندما توجهنا للقيام بذلك كان جثمانه رحمه الله مغطى بطريقة لم تترك سوى جزء صغيرا من وجهه يظهر وهو جبينه وعينيه المغمضتين. ولم يسمحوا لنا بالاقتراب منه بل جعلونا نراه مسجى تحت غطاء الموت من بعيد. وأذكر أنني انهرت وأغشي علي وأنا أتوسل إليهم بأن يتركوني لأقبّله قبلة الوداع فسحبوني نحو غرفة أخرى وأغلقوها علي بدعوى أنني كنت منهارة في حين أنني كنت في قمة القوة من فرط صدمتي في زوجي الذي مات مغدورا على يد أجهزة جمال عبد الناصر". وقلت لها: "وبعد وفاة المشير هل حصلت على إرث كبير كما أشيع عنك؟" فقالت لي: "المشير عبد الحكيم عامر عاش نظيفا ونزيها وعزيز النفس ومات على تلك الخصال دون أن يترك لي شيئا وحتى الشقة التي أعيش فيها مع ابننا الوحيد عمرو هي مكتراة منذ زمن طويل. بل أقول لك بأنني بعد وفاة زوجي تعرضت لكل أنواع
الإهانات والتنكيل حيث اقتحموا علي شقتي وعبثوا بكل محتوياتها بحثا عن دفاتر عبد الحكيم التي تنكشف فيها حقائق الهزيمة ولكنهم لم يعثروا على شيء لأن الحقائق التي حاولوا إخفاءها اكتشفها الشعب المصري واكتشفها العالم أجمع وهي عدم مسؤولية زوجي عن النكسة
وأن عبد الناصر قتله كما قتل زميله في الثورة صلاح نصر وقتل عدة ضباط ممن رافقوه في ثورة 1952 التي أطاحت بنظام الملك فاروق، وكانت تلك الاغتيالات خوفا من انكشاف الحقائق الصادمة عن تصرفات عبد الناصر وقراراته التي تسببت في نكسة 1967.
تحت الحراسة والمراقبة
أقول لك يا رمزي بأنني عانيت الأمرين بعد مقتل زوجي حيث كلفوا حارسات بأن يعشن معي في شقتي لحراستي واحتساب كل حركاتي وكل سكناتي بما فيها لحظاتي الحميمة داخل الحمام. وعشت على الخبز والشاي لمدة طويلة لأنهم لم يتركوا لي شيئا سوى ذكرياتي وهي الصور الكثيرة التي احتفظ بها التاريخ عن رجل عظيم ومخلص لوطنه وهو زوجي المشير عبد الحكيم عامر رحمه الله."
وسألتها: وماذا كنت تمتلكين؟" فقالت لي باكية: "كان رأسمالي الكبير وثروتي الوحيدة هي ذكرياتي مع زوجي. وقد اضطررت لبيع مقتنيات منزلية مثل المذياع والفرن لأقتات من عائداتها أنا وابني" فسألتها: ومتى انتهت أزمتك وهل تراجعوا وساعدوك ماديا؟" فقالت: "أبدا. لم اتسلم من أتباع عبد الناصر سوى المهانة والتصنت علي  وعلى عائلتي ولكن الله يمهل ولا يهمل فقد عرفت وعرف العالم أجمع كيف كانت نهاية عبد الناصر وكيف كانت نهاية كل من كانوا يقتلون أحرار مصر ورجالاتها. ثم منّ الله على مصر بقائد عظيم وهو الرئيس أنور السادات الذي وبمجرد توليه لمنصب الرئاسة كلّف المسؤولين برعايتي ومعاملتي بأفضل طريقة وخصص لي راتبا شهريا كريما وكلف من يحمل لي على رأس كل شهر كافة احتياجاتي المنزلية وعشت في كنف الرئيس أنور السادات عيشة كريمة أعادت لي كرامتي المهدورة على يد جمال عبد الناصر."
 
اسرار حرب حزيران
وهكذا واصلت برلنتي عبد الحميد حياتها بكل هدوء وهي محملة بالكثير
من الأسرار عن حرب الأيام الستة التي سأعود لكم في موضوع آخر عنها من خلال حواراتي التي أجريتها مع هذه الفنانة الكبيرة والزوجة المخلصة التي حافظت على ذكرى زوجها حتى لحقت به بعد أن أصيبت بجلطة دماغية ألحقتها بدار البقاء يوم 1 دجنبر 2010 في المستشفى العسكري للمعادي بالقاهرة.