Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Apr-2018

السنين العجاف - د. بلال عبد الحق

 الراي - لقد عانت المنطقة العربية في العشرين عاماً الماضية من أحداث جسام و تطورات دفعت بها إلى واجهة المسرح السياسي العالمي كأكثر مناطق العالم اضطراباً وغموضا في مستقبلها. هذا لا يعني أن جسد المنطقة كان متعافياً قبل ذلك بل بكل تأكيد جسداً هزيلاً ينوء بحمل مشاكله بما فيها ضعف التنمية والمشاركة السياسية ودخول القضية الفلسطينية في حالة مزمنة بدون آفاق حل سياسية أو حتى عسكرية وبوادر ظهور الصراعات الطائفية وعدم الوضوح في دور الدين بالدولة والمجتمع و فكرة خطورة الحل الديمقراطي بسبب تأهب جماعات الإسلام السياسي للانقضاض على السلطة بسبب حالة الإحباط لتنفيذ أجندتها التى قد لا تكون وطنية بل أيديولوجية.

لقد بدأت تلك السنين العجاف بأحداث الحادي عشر من شهر أيلول والتي وضعت الدول العربية في موقف محرج للدفاع عن نفسها في وجه الاتهامات بالتقصير بـ مواجهة الإرهاب و تمويله أو توفير البيئة الحاضنة للفكر المتطرف واختلاط المفاهيم ما بين الإرهاب والمقاومة والدفع بهذه الدول من خلال ضغوط غربية لمواجهة حركات الإسلام السياسي.
و في خضم هذه التحديات كان القرار الذي اتخذه التيار المحافظ في الولايات المتحدة لاتخاذ الخطوات للتدخل المباشر العسكري في المنطقة خلال غزو العراق بدعم من شركات النفط و السلاح و اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، رغم أن جميع القيادات السياسية في المنطقة العربية كانت مقتنعة بأن نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ما عاد يشكل خطرا على دولها وأنه على العكس من ذلك قد يكون مفيدا في ما بدا لهم بداية تشكل نفوذ إيراني يمتد داخل المجال الحيوي العربي.
وهنا إذا كانت الخلافات العربية واحتلال الكويت هو سبب حرب الخليج الأولى فإن الولايات المتحدة وحليفتها حكومة توني بلير هي المسؤولة عن حرب الخليج الثانية و معظم مضاعفاتها التى لا تعد ولا تحصى.
كان سقوط بغداد و سقوط الدولة العراقية وحل الجيش العراقي و دخول البلاد في حلقة مفرغة و مفزعة من العنف والقتل والإرهاب والطائفية بداية العدوى التي انتقلت بسرعة إلى دول أخرى في المنطقه كانت لديها نفس التربة الحاضنة للطائفية والقبلية والفساد والاستبداد وحكم الفرد أو الحزب أو الطائفة، وتدحرجت كرة الثلج بسرعة فائقة وتكررت مشاهد القتل و الدمار والعنف وكأنها مشاهد من افلام الرعب الدموي، والمخرج واحد، و حكام الجمهوريات العربيه مستنسخون، من نفس الخلية البيولوجية، وكأن الثورات كما يقال قد قرأت على يد شيخ واحد، لا يؤمن الا بالطائفية والتشدد و رفض الآخر و الحقد الطبقي والمذهبي و قد غاب عنه الفهم للديمقراطية والتعددية وغلبت عليهم التبعية لاجندات خارجية و أيديولوجية.
إن اللحظه التي تم فيها إطلاق النار على الجيش الوطني في أي من هذه البلدان حتى وإن كان هذا الجيش مواليا للنظام أو حتى قاسياً في تعامله مع الناس أو متهما بالطائفية هي لحظة خطيرة أدت إلى تدمير الأمن والاستقرار و انتشار الإرهاب و دخول السلاح والأجندات الاجنبية.
لقد تكفلت الولايات المتحدة بتدمير الجيش العراقي بينما تكفلت الثورات العربية التي فقدت بوصلتها
بسبب الحقد المتولد عن العنف و البطش بالإضافة للطائفية والقبلية والمذهبية.
والتطرف الأيديولوجي في تدمير بقية الجيوش، الا في مصر بسبب قوة مؤسسة الجيش و شعبيته وفي تونس بسبب عدم انخراط جيشها الواضح في السياسة مثل باقي دول ما يسمى الربيع العربي.
هذا الرأي لا يتعارض مع شعورنا بالألم لعذابات الإنسان الذي تعرض للموت و السجن و التهجير أو إيماننا بالنيات الصادقة لكثير من الذين خرجوا ليطالبوا بالإصلاح و التغيير، لقد استفادت دول الإقليم غير العربية مثل تركيا وإيران و توسع نفوذها نتيجة ما شهدته المنطقة العربية من حروب وثورات و صراعات كما أن إسرائيل قد تكون المستفيد الاكبر من الانهيار الكبير للمنظومة العربية وتدمير هيكلية الدول العربية الكبرى المحيطة بها.
انه ومما لاشك فيه أن هنالك عوامل جديدة رئيسية قد استجدت على الساحة العربية من بينها الدور
الروسي الجديد على الأرض و انحسار القبول لفكرة قيام دول ذات طابع ديني بسبب ما شهدته المنطقة من عنف وإرهاب ناتج عن التطرف الديني، وكذلك فإن بعض دول الإقليم الكبرى مثل إيران و تركيا و دولة الاحتلال الإسرائيلي والتي تجنبت حتى الآن إمتداد دوامة العنف على حدودها إلى داخلها بدإت تشعر بالقلق من امتدادها إذا ما استمرت الأمور على هذا النحو، كما أن الدول الكبرى ربما ترى في العشرين عاماً المقبلة فرصة للاستفاده من فرص إعادة الإعمار والاستقرار و تغليبها على الدخول في صراعات سياسية و تنافسية فيما بينها، على شرط أن تتوقف الولايات المتحدة على الأقل عن الدفع باتجاه الحل غير العادل أو الدائم التي تحاول فرضه على حساب العرب والفلسطينيين.
و مع وجود قوة دفع كبيرة باتجاه إصلاحات اقتصادية و اجتماعية في أكبر اقتصاد عربي ( المملكه العربية السعودية) و مؤشرات وخطط لمشاريع عمل عملاقه تحتاج إلى عمق ديمغرافي عربي مستقر ومتناغم فإنني قد ادعي بعض التفاؤل في السنين القادمة مقارنة بالسنين العجاف الماضية هذا ما لم يكن للرئيس ترمب و الصقور في إدارته رأي اخر.