Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Aug-2017

كل هذه العربدة .. أو دبلوماسية العقوبات والبوارج! - محمد خروب
 
الراي - لا تريد الولايات المتحدة الاميركية، الاعتراف بأن عهد القطب الأوحد الذي يدير المعمورة ويُملي عليها اوامره ويتحكم في مواردها وخصوصاً نظاميها المالي والنقدي.. قد ولّى، وان ما يشهده العالم من تحولات وبخاصة على صعيد القوة العسكرية والبحرية منها تحديداً، فضلاً عن الصعود»السِلمي» المتدرج لدول عديدة وعلى رأسها الصين والهند، وإصرار روسيا على تطبيق القانون الدولي وعدم السماح لما يُسمى الاستثنائية الاميركية (المزعومة كما تجب الاشارة) ان تستنزف العالم وتكتب جدول اعمال البشرية، وترتهِن المصالح المشروعة للشعوب لمصالحها القومية التي لا يعرف احد متى تبدأ والى اين تنتهي، ناهيك عما يستبطنه هذا المصطلح الغامض من ذريعة لشن الحروب، والتهديد باستخدام القوة العسكرية ودائماً في فرض العقوبات الاقتصادية والمالية القاسية وغير المتناغمة مع القانون الدولي، من اجل إجبار حكومات العالم وبخاصة تلك المُنتَخَبَة ديمقراطياً وعبر صناديق الاقتراع وبكونها نزيهة وشفافة، على الخضوع للاملاءات الاميركية تحت طائلة النبذ وتشويه السمعة والاتهام بالديكتاتورية ونزع الشرعية عنها وشيطنتها، وصولاً الى وضعها في خانة الدول المارقة او داعمة الارهاب وغيرها من الأوصاف والمصطلحات، مما يتفنن اليانكي الاميركي في استبطانها وتوزيعها على زعماء الدول التي ترفض الخضوع لرغبة السيد الاميركي «الأبيض».
 
لا يختلف اثنان في العالم على ان الولايات المتحدة هي آخر دولة يحق لها الحديث عن او انتقاد الديكتاتورية والقمع والاستبداد وحقوق الانسان وحق تقرير المصير وانتهاك القانون والاعراف الدولية وغيرها مما تواضع علماء القانون والسياسة وحقوق الانسان على اعتبارها قيماً عليا للبشرية جمعاء، ودائماً في مساندة واشنطن للطغاة والفاسدين ومشاركتها الفاعلة في تدبير الانقلابات ونهب ثروات الشعوب وإفساد النخب السياسية في بلدان العالم والتدخل الفظ في شؤونها الداخلية وخصوصاً في شن الحروب واحتلال الدول ورعاية وتمويل وتدريب حركات الارهاب والتطرف في الدول التي لا تتماشى والسياسات الانانية لواشنطن.
 
مناسبة الحديث هو الضجيج المتصاعد الذي تقف خلفه ادارة ترمب المضطرِبة حدود الترنّح، ازاء ما حدث في فنزويلا وايضاً في تلويحها بالقوة العسكرية لِكوريا الشمالية بعد تجربتها الصاروخية الباليستية العابرة للقارات والناجحة التي قامت بها، ما اثار حفيظة واشنطن وحلفائها في المنطقة وبخاصة اليابان وكوريا الجنوبية، حيث قامت الاخيرة بنشر المزيد من بطاريات صواريخ THAAD المضادة للصواريخ الباليستية بعيدة المدى، ما يُنذِر بمواجهة مع الصين التي أَمِلَتْ ان يقوم الرئيس الكوري الجنوبي الجديد بإزالة ما كان منصوباً منها، الا ان «حزب الحرب» في واشنطن وفي سيؤول كذلك في طوكيو، يغتنم «فرصة» كهذه لرفع منسوب التوتر وعسكرة العلاقات في المنطقة، ناهيك عمّا يشكِّله «الصراع» حول بحر الصين الجنوبي، من قلق واحتمالات لمواجهة مفتوحة بين بيجين وواشنطن وحلفاء الاخيرة بالطبع.
 
واشنطن ترمب.. التي يقلقها ميل الميزان التجاري لصالح الصين، وهو الهاجس الأكبر لساكن البيت الابيض، الذي يعيش اوضاعاً سياسية وادارية لا يُحسد عليها، تضع اللوم على بيجين كونها لا تكبح بيونغ يانغ، وليس غريباً او مفاجئاً والحال هذه، ان يُغرِّد ترمب كاتباً :»اشعر بخيبة امل كبيرة ازاء الصين، لقد سمح لهم قادتنا السابقون (الأغبياء) بكسب مئات مليارات الدولارات سنوياً في التجارة، ورغم ذلك لا يفعلون شيئاً من (اجلنا) مع كوريا الشمالية .. سوى الكلام».
 
غني عن القول، ان المسألة الكورِّية اكثر تعقيداً من التبسيط الذي يسعى ترمب الى تكريسه كـَ»رواية» وحيدة لمغامرته المحتملة ازاء كوريا الشمالية، وتلويحه بالخيار العسكري الذي نحسب ان بيجين (كما موسكو) لن تقفا ازاءه متفرجتين، لأنه يُخل بموازين القوى الاستراتيجية في تلك المنطقة الحساسة من العالم، ما يعيد الى الذاكرة «حروب شبه الجزيرة الكورِّية» في ذروة الحرب الباردة التي كانت «ساخنة» وقتذاك، والتي يبدو انها تتقدم بتسارع كي تَسِم المرحلة الراهنة في العلاقات الدولية (الأدق القول: في خلافات واشنطن مع موسكو وبيجين).
 
أما في المسألة الفنزويلية التي تمنحها ادارة ترمب مكانة خاصة، كونها تجري في حديقتها الخلفية، فيتبدّى بوضوح حجم الغيظ الاميركي من صمود وتحدي الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وبخاصة نجاحه في تنظيم انتخابات عامة، جاءت له (قبل ثلاثة أيام) بجمعية تأسيسية مُنتخَبة ديمقراطياً، ستقوم بكتابة دستور جديد بعد حل البرلمان الذي عطّلت مفاعيله المعارضة «المخملِيّة» المدعومة من واشنطن، والرافضة لأي حوار مع حكومة الرئيس المُنتخَب والمتحالفة مع الكنيسة الفنزويلية التي انحازت للمعارضة، في رسالة واضحة بأن عهد «لاهوت التحرير»السِلمي حالياً، واصطفاف الكنيسة مع المُضطهَدين والفقراء قد انتهى، وأن الأمر سيكون لواشنطن وحدها، وبخاصة بعد تراجع اليسار في اميركا اللاتينية وتقدُّم قوى اليمين وأنصارالنيوليبرالية المتوحشة في اكثر من بلد لاتيني.
 
ليس مفاجئاً والحال هذه ان تصف واشنطن مادورو المُنتخَبْ ديمقراطياً بأنه «ديكتاتور» وان انتخابات الجمعية التأسيسِية زائفة، وتقوم بفرض عقوبات عليه شخصياً، والتخلي عن ابسط انواع اللياقات الدبلوماسية بالقول: إن مادورو يتجاهل ارادة الشعب الفنزويلي. لأن حلفاءها في المعارضة المُترَفة قد هُزِموا وباتوا مجرد غوغاء، يريدون دفع البلاد الى حرب أهلية. ولهذا كان رد مادورو متناسباً مع الصلف والغطرسة الاميركيتين عندما قال: أنا لا أخشى الإمبريالية ولا أهتمّ بما يقوله ترمب. فيما كان الزعيم الكوري الشمالي يُكرِّر عبارات التحدي ويقول بِزهو: اننا نمتلك الآن القدرة على ضرب اي مكان في الولايات المتحدة.
 
kharroub@jpf.com.jo