Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-Jul-2017

الدولة العميقة في الولايات المتحدة والرئيس ترمب - رومان حداد
 
الراي - قدوم دونالد ترمب كرئيس للولايات المتحدة الأميركية وما خلقه من انطباعات حول قربه من الرئاسة الروسية وإمكانية بناء علاقات صداقة قوية مع روسيا ومع الرئيس بوتين لم يتحقق على أرض الواقع، حيث اختلف التعاطي الأمريكي مع الأزمة السورية بصورة أزعجت روسيا، وتم تشديد العقوبات الأمريكية على روسيا مرتين خلال فترة حكم ترمب التي لم تتجاوز الستة أشهر بأيام قليلة، وهو ما يعيد إلى الذهن مصططلح الدولة العميقة ودورها الحقيقي في إدارة الدول الغربية.
 
رغم تكرار المصطلح إلا أنه لا يوجد تعريف محدد للدولة العميقة، ولكن يمكن تعريفها بأنها منظومة القوى المتواجدة في أماكن صنع القرار السياسي المبني على القرار الأمني والتصور الذي تمتلكه منظومة الدولة العميقة حول قضية معينة، وإذا ما ظهرت في الأماكن العامة سوف تقتل أسطورة الديمقراطية الغربية إلى الأبد، إنها (طاغية) دون وجه ولا يمكن التعرف عليها.
 
وكانت منظومة الدول الغربية، سواء تلك التي انضوت تحت عباءة حلف الناتو أوتلك التي لم تنضو، جزءاً من المشروع الضخم للدولة العميقة، حيث كان الهدف الأساسي من الدولة العميقة وفق المنظومة الغربية هو الحفاظ على دول هذه المنظومة وحمايتها من السقوط بيد المد الشيوعي والأحزاب الشيوعية.
 
إذن الدولة العميقة الغربية هي دولة أيدولوجية عقيدية، فهي لا تدافع عن مصالح آنية أو شخصية بل هي تتبنى عقيدة ذات قيم أخلاقية، وبالتالي فليس من السهل حرف مسار الدولة العميقة في المنظومة الغربية.
 
وكأي تصور أيدولوجي عقيدي فإن وجود عدو خارجي يهدد الوجود يشكل ضرورة وجودية لاستمرار الدولة العميقة، وهو ما يعني أن انتهاء الخطر الشيوعي الذي كان دافعاً لتشكيل الدولة العميقة لم يؤدِ لانتهاء الدولة العميقة في المنظومة الغربية بل اضطرها إلى إيجاد عدو جديد تمثل بالإسلام السياسي المتطرف على مستوى المنظومة الغربية وبالقوميين اليمينيين المتطرفين في أوروبا، وبعض أجزاء من الولايات المتحدة الأمريكية، وبقاء روسيا عدواً دائماً للولايات المتحدة بما يمثله الرئيس بوتين من حالة قومية روسية مناهضة للمشروع الأميركي.
 
ومن الضروري إدراك أن الدولة العميقة لا تمتلك منظومة أخلاقية تردعها عن القيام ببعض التصرفات، فكل ما يمكن أن يحقق المصلحة المتوافقة عقيدياً مع الدولة العميقة يعد مباحاً، بما في ذلك جرائم القتل والتفجير وتجارة المخدرات وتبييض الأموال لتمويل نشاطات الدولة العميقة، بمعنى أن الدولة العميقة تطبق شعار (الغاية تبرر الوسيلة) بأوضح حالاته.
 
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم إنشاء تنظيمات سرية للحلف الأطلسي، وأصبح من المتعارف عليها باسم الجيوش الخلفية، تم تصور مهمتها في البداية كميليشيات تتحرك في حال تعرض أوروبا الغربية للاحتلال السوفييتي، ورأت الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه الميليشيات كانت ضرورية لتجاوز عدم استعداد الدول التي تعرضت للاحتلال الألماني لمواجهة المد الشيوعي.
 
ووفق الوثائق التاريخية فإن الدولة العميقة في الدول الأوروبية التي ضمت جيوشاً سرية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لم تكن تمتلك روادع أخلاقية، فاستخدام الخبرات النازية في التعذيب والاستجواب وتدريب الجيوش السرية، بعد أن تم تهريب قيادات نازية من واجهة الأحداث وحمايتهم من محاكمات نورنبرغ، يظهر إلى أي مدى وصل استخدام منطق (الغاية تبرر الوسيلة).
 
وتبدو الدولة العميقة في الولايات المتحدة أنها تخوض معاركها تحت مسميات عدة أبرزها الحرب على الإرهاب، وهي في حقيقة الأمر تخوض صراعاً من أجل الهيمنة على الطاقة في هذه المنطقة (الأوروأسيوية) ذات الموقع الاستراتيجي الذي يبدأ من أذربيجان ويمتد إلى السعودية والعراق والكويت والخليج العربي وإيران، حيث تتركز أهم احتياطات النفط والغاز ويدور ما يسمى بالحرب على الإرهاب
 
الدولة العميقة قد تستخدم العنف لتحقيق مآربها كما حدث باغتيال الرئيس (جون كنيدي) ولكنها قد تقنع باستخدام الوسائل الديمقراطية في التغيير، وبهدوء لحين الوصول إلى ما تريده، كما حدث في حال (نيكسون) حين أطاحت به عبر قضية (ووترغيت) ومن ثم جاءت بنائبه (الضعيف) (فورد)، واضطرت لانتظار مرور أربعة أعوام أخرى بعد نهاية فترة حكم (فورد)، وذلك حين وصل (جيمي كارتر) واستمر حتى نهاية عام 1980، ومنذ ذلك الوقت وحتى نهاية عام 1992 كانت الدولة العميقة الأميركية في واحدة من أقوى مراحلها، بسبب التوافق الحاصل مع من يجلس على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، وهو كل من الرئيس الأمريكي (رونالد ريغان) والرئيس الأمريكي (جورج بوش الأب).
 
اليوم الدولة العميقة في الولايات المتحدة أو (The establishment) أي المؤسسة في الاصطلاح الإنجليزي تدرك قدوم الرئيس الأمريكي من خارج بنائها التقليدي، وبالتالي ستضطر لتوجيه ضربات عدة لإضعافه وإخضاعة لتصورها، وهو ما نشاهده بصورة واضحة في المسألة الروسية.