Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-May-2018

موسكو والأحداث الثلاثة - د. حسام العتوم

الراي -  تابعت باهتمام كبير وعبر القنوات الفضائية الروسية (I ،RTR ،24 ،روسيا اليوم) والانترنت الأحداث الهامة جداً الأخيرة الثلاثة والتي جاءت على شكل مناسبات وطنية روسية متتابعة كان أولها بتاريخ 7 أيار حفل تنصيب رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير بوتين في قصر الكرملين الرئاسي، وهو المنتخب لولاية رابعة مدتها ست سنوات وبنسبة عالية من أصوات الناخبين الروس بلغت نسبتها (67,76 (%في وقت بلغت فيه نسبة المشاركة (67،(% وترشح مستقلاً عن حزبه الحاكم (روسيا الموحدة) الذي سانده ذات الوقت، كما أنه استفاد ولا شك في ذلك من عمله في جهاز أمن بلاده (F.C.B (الـ(K.G.B (سابقاً الذي كان مديراً له، ومن أصوات الجيش الأحمر والأمن

العام، ونافس أعتى وأعرق الأحزاب الروسية (الشيوعي) باني الاتحاد السوفييتي والمعارض بشدة لسياسات
بوتين ورئيس وزرائه ميدفيديف الإصلاحية، ولباقي الأحزاب الهامة الأخرى مثل (الليبرالي الديمقراطي) بقيادة
النائب الساخر جيرينوفسكي و(العدالة) برئاسة ميروناف، وتجاوز ارتفاع حناجر المعارضة الناقدة لعملية
الاقتراع الرئاسية برمتها أمثال الكسي نافالي وكسينيا سوبجاك، وبدا عملاقاً، ومليئاً بالحيوية والكاريزما
البرّاقة أثناء حفل تنصيبه انطلاقاً من مكتبه الخاص، وفي وقت مروره بكاريدور طويل يعج باللوحات الفنية
تجاه الحفل الرسمي متفقداً لهن ومتعرفاً عليهن وكأنه يشاهد هنا أول مرة بحكم انشغالاته القيادية
الدائمة. وكما أن الشعوب الروسية ومنها القفقاسية تحب بوتين في الغالب، فإن طبقة الأوليغارج السياسية
والاقتصادية والأكاديمية والثقافية تحبه أيضاً، وشعبيته تمتد لتغطي مساحات واسعة على خارطة الأرض
وتحديداً وسط العرب، وكل ما يريده أهلنا في الشيشان هو أن تعتذر موسكو رسمياً لهم عن حقبة ستالين
وعن قضية النفي المؤرخة بيوم 23 شباط وبعام 1944م وتشمل الأنغوش، وفي المقابل الشيشان جزء لا
يتجزأ من الفدرالية الروسية، ورمضان أحمد قديروف ناجح ومخلص لعمقه روسيا ولقائده الأعلى بوتين.
ووسط تصفيق (5000 (مدعو إلى قصر الكرملين تقدم بوتين وكما الفارس المنتصر والواثق من قدراته العالية
بهدف خدمة وطنه روسيا ومواطني روسيا أينما كانوا، واستقل سيارته الرئاسية الحديثة المصفحة من نوع
سانتي (ليموزيل) رقم (776B YC 77 (وسط دراجات نارية تعدادها تسعة، وأدى اليمين الدستوري أمام
سلطات القضاء والأعيان والنواب، وأقسم على الدفاع عن سيادة بلاده والعمل على احترام حريات المواطن
وحقوقه المشروعة.
وفي اليوم التالي أي 8 أيار فاقت موسكو العاصمة البالغ تعدادها قرابة الـ(20 (مليون نسمة وكل روسيا ومن
يراقب سياستها من الخارج على قرار (الدوما) البرلمان والأعيان، والكرملين بتكليف دميتري ميدفيديف
بتشكيل الحكومة الجديدة وهي التي قدمت استقالتها يوم حفل التنصيب (أي قبل يوم واحد)، وهو الذي
سبق له أن شغل منصب رئيس روسيا عام 2008 لمساعدة بوتين على الاستمرار بمنصبه إلى الأمام واحتراماً
للدستور الروسي الذي لا يسمح للرئيس البقاء في موقعه أكثر من جولتين متتاليتين، قابلها الرئيس بوتين بعد ذلك بتمديد جولاته الرئاسية إلى ست سنوات بدلاً من أربع، وهي الطريقة التي أبقته في الحكم منذ عام
2000 ولمدة 18 عاماً، وكنا نراهن على خروج ميدفيديف من رئاسة الحكومة لعدم الحاجة لدوره إلى الأمام عام
2024 عندما تنتهي ولاية بوتين الجديدة الحالية، وخسر الرهان من كان يعتقد بأن بوتين ترك روسيا من دون
خليفة له في العلن أو في السر.
لكن هيهات فها هو ميدفيديف رجل القانون المهذب وابن مدينة الرئيس بوتين سانت بطرس بورغ يخلفه
في العلن، وجهاز أمن بلاده يمتلك جاهزية تحديد شخصية خليفته السري إن لزم ذلك، وتصريح حديث
للرئيس الشيشاني رمضان أحمد قديروف دعا فيه لإجراء استفتاء قادم يضفي إلى الإبقاء على بوتين رئيساً
بعد عام 2024 إن أعطاه االله مزيداً من الصحة والعافية وطول العمر، وهو ما ندعو له ذات الوقت.
وفي المقابل جرى حديث قوي وسط الشارع الروسي مطالباً باستبدال ميدفيديف بمسؤول آخر محباً للعمل
الميداني، وأكثر قرباً من هموم مواطني روسيا الذين يشكون من ضعف تعبيد شوارع مدن الدرجة الثالثة
والقرى، ومن ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء، ومن تدني الرواتب الحكومية ومنها التقاعدية، ومن انقطاع
المياه أحياناً، ومن أكبر المشاكل الداخلية التي واجهتها روسيا مؤخراً (مكب النفايات)، وحريق متجر
(كيميروفا) بالقرب من موسكو الذي ذهب ضحيته (56 (شخصاً معظمهم من الأطفال، وكلاهما سيطر على
مخارجهما بوتين شخصياً، وحرص على لقاء شعوبه البالغة حوالي (150 (مليون نسمة وعبر مسافة تفوق
الـ(17 (مليون كليومتر مربع من خلال فضاء الإعلام الروسي المحمول على الأقمار الصناعية، وبواسطة حوار
مباشر يمتد في كل مرة إلى ساعات أربع متتالية وأكثر، وقبل أيام دشّن فتح جسر وطريق القرم وأعلن رغبته
بالعمل من أجل الإنسان الروسي.
ومن اكثر المعارضين لحكومة ميدفيديف زعيم الحزب الشيوعي زوغانوف، وزعيم حزب العدالة ميروناف الذي
أعلن رفضه التصويت لميدفيديف، والانترنت، وعدد من الخبراء في السياسة، والمحللين لأسباب اقتصادية
لتعمد عدم البحث عن شخصية سياسية جديدة واقعية مقنعة للشارع الروسي بينما هي الهموم كثيرة
وكبيرة بمستوى مساحة روسيا نفسها.
والحدث الثالث الهام تلخص في احتفالية موسكو وعرضها العسكري التقليدي الشيّق في الساحة الحمراء
بمناسبة العيد (73 (ليوم النصر على فاشية أدولف هتلر، وهو احتفال جميل نعتز به ويؤرخ لنا قصة النصر
والكفاح السوفييتي الكبير بقيادة روسيا، وبفاتورة من الشهداء وصلت إلى (27 (مليون إنسان، وأعطت
درساً للبشرية ولكل العالم بأن لا حوار مع الإرهاب، وبأن الاحتلال مهما كان لونه لا بد له أن يندحر ويزول، ولقد
أثبتت روسيا تحديداً خارج حدودها بأنها في الوقت المعاصر طاردة للإرهاب، وللحرب الباردة، ولعالم القطب
الواحد الأميركي غير العادل، ومناديه بعالم متعددة الأقطاب، وبديموقراطية صناديق الاقتراع، وبأنها قادرة
على نقد ومواجهة الخطوات الانفرادية مثل الخروج من الاتفاق النووي الإيراني (1 + 5 (بجهد إسرائيلي أميركي
مشترك بحكم أن ما يهدد أمن إسرائيل هي الأيدولوجيا الإيرانية وليس مشروع قنبلتها النووية – السرية
فقط، رغم أن الاستخبارات الأميركية (CIA (لم تثبت شيئاً بهذا الاتجاه بينما هو الموساد الإسرائيلي يشكك
ويدفع بأميركا إلى الواجهة، وفي المقابل تعالى غضب العرب وعمقهم جراء الموافقة على نقل سفارتها إلى
القدس برعاية إيفانكا وزوجها كوشنير نيابة عن يهودية أميركا وصهيونيتها و(البنتاغون) و(الايباك)
و(الكونغرس)، بينما انفرد نتنياهو بإطلاق الرصاص على أهل فلسطين في غزة بدم بارد كعادته.
وما لفت انتباهي والعرب أيضاً هو حضور نتنياهو احتفالية النصر السوفييتي في موسكو الأخيرة هذا العام
2018 لعدة أسباب سياسية منها اعتراف (تل أبيب) بالنصر السوفييتي ولأول مرة وبشكل رسمي، ولاعتقاد
اليهود بأن هتلر استهدفهم أيضاً في الهولوكوست بينما نحن العرب نشكك بالمحرقة، وبكل الأحوال كيف
لنا أن نصدق بأن من هرب من المحرقة بجهد السوفييت يمكن أن يكون داعية للسلام ويطلق الرصاص في
فلسطين وغزة تحديداً على أهلها، ويمارس الاحتلال والاستعمار وسط العرب؟ وفي الوقت الذي أرادت فيه
موسكو بوتين أن تسمح لاقتراحاته حول مخارج الصراع الإسرائيلي العربي ومنه الفلسطيني، واصلت
إسرائيل قصف سوريا ومعاقل حزب االله وإيران وممارسة سياسة صب الزيت على النار بهدف المحافظة على
أمن إسرائيل السرابي.
ومع هذا وذاك نجد بأن لروسيا موقفاً مغايراً عن أمريكا في شأن القضية الفلسطينية ودولتها وقدسها،
فموسكو عبر بوتين ولافروف تنادي ليل نهار بأهمية إقامة الدولة الفلسطينية وبأن تبقى القدس الشرقية
عاصمة الدولة فلسطين ومفتاحاً للسلام كما يقول جلالة الملك عبداالله الثاني حفظه االله حسب لافروف،
بينما قفزت أميركا صوب صفقة العصر أحادية الجانب مدعية ذات الوقت بأنها ستكون برضى الطرفين
الإسرائيلي والعربي – الفلسطيني فاحتفلت بنقل سفارتها إلى القدس بتاريخ 14 أيار تحت وقع الرصاص
الإسرائيلي الموجه لصدور الفلسطينيين أصحاب الأرض والتاريخ والقضية العادلة. ويقابل هذه المعادلة قول
للمعارض الروسي مكسيم جيفجينكا الذي اتهم يهود روسيا بالتوجه لإسرائيل والانخراط بممارسة النازية
مباشرة ضد شعب فلسطين الأعزل حسب قوله، وتصريح غير مسؤول وأهوج لجاريد كوشنير مستشار
الرئيس الأميركي ترمب حول وصاية إسرائيل على القدس ناكراً ضمناً الوصاية الهاشمية الأردنية التاريخية
منذ عام 1924 ،ولاغياً اعتبار القدس الشرقية أرضاً محتلة، ومتنكراً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن
الخاصة بالقدس والقضية الفلسطينية العادلة برمتها.
وهنا نتطلع لموسكو من جديد وهي التي تمثل لنا ميزان السلام في الشرق الأوسط وعلى خارطة العالم أن
تعيد ملف القدس وقضية فلسطين ومخارجها إلى أروقة مجلس الأمن والمحكمة الدولية وإلى قبة الأمم المتحدة، وكلنا نقر بأن حاكمية القطب الواحد الأحادية يجب أن تنتهي وإلى غير رجعة، وآن أوان لجم نازية إسرائيل وعنجهيتها، وأن ينتصر الحق في عالم متوازن متعدد الأقطاب.