Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-May-2016

نتائج انتخابات طرابلس: فوز “الحريرية الجذرية” على “الحريرية التسووية”

بيروت- “القدس العربي” -وسام سعادة: ما لا شك فيه أنّ الفوز الذي حققته اللائحة المدعومة من وزير العدل المستقيل أشرف ريفي، في انتخابات بلدية طرابلس يعدّ التطور الأبرز الذي حمله موسم الانتخابات المحلية المتمم على دفعات. فاذا كان الموسم قد أظهر حجم التصدّعات الشاملة وان يكن المتفاوتة، في خارطة نفوذ القوى السياسية الأساسية على امتداد الساحة اللبنانية، الا انه، حتى مفاجأة طرابلس، كان لا يزال يلزم هذه التصدّعات بحدود لا تتجاوزها، بما يتيح لكل تيار وازن في طائفته الافلات من “القطوع″ بشكل أو بآخر. لكن ما حصل في طرابلس كان مختلفاً ونوعياً بامتياز. اللائحة التي يدعمها ريفي ربحت بشكل قوي وباتت تشكل  أكثرية ساحقة في المجلس البلدي الجديد، بعد أن كان المتفائلون بها في وجه “تحالف سعد الحريري – نجيب ميقاتي – محمد الصفدي – الأحباش”، يقدّرون لها خرق اللائحة المنافسة بثلة أسماء فاذ به يحدث العكس.

الخلاف بين ريفي والحريري طري العهد. الانفصال حدث قبل بضعة شهور، فبعد ان أديرت لسنوات بشكل أو بآخر ثنائية الصقور والحمائم ضمن التيار الذي يقوده سعد الحريري، تدهورت الأمور بشكل دراماتيكي وسريع مع وزير العدل، الصقري في أيام المواجهة الأهلية في طرابلس مع الميليشيات العلوية المدعومة من نظام آل الأسد، والصقري أيضاً في انتسابه لثورة الأرز، وما يسميه هو “ثوابت رفيق الحريري”، فضلاً عن قضية المغدور بهم بدءاً من الحريري ووصولاً الى وسام عيد ووسام الحسن. عشية عودة الحريري الى بيروت، انفجر الخلاف مع ريفي، على خلفية مطالبته باحالة ملف الوزير السابق، المدان في قضية ارهابية، ميشال سماحة الى المجلس العدلي، في مقابل رغبة الحريري بمنع الحكومة من التعطل نهائياً في ظل حالة الشغور الرئاسي المستشرية وغيرها من عناصر التفاقم. وبدل أن تنجح المساعي لرأب الصدع، كان العكس تماماً، وبعد قليل من عودة الحريري، ومشهد العناق بينه وبين ريفي، في ذكرى اغتيال الحريري الأب، تصاعد التوتر أكثر، وصولاً الى استقالة ريفي من الحكومة، وتداخل هذا التوتر مع ما يتواتر من مشكلة سعودية مع ميوعة خط الاعتدال الذي يقوده الحريري، وبالتالي مع تقديم ريفي نفسه كحالة جذرية هي عين المطلوب في مواجهة “حزب الله”، فكانت القطيعة، وتطورت في المقابل علاقة ريفي بالقوات اللبنانية، بالتوازي مع تصاعد التوتر هنا أيضاً، بين القوات وبين رئيس “المستقبل”.

اذا كان سعد الحريري واجه في بيروت تحدياً من على يساره، من خلال لائحة “بيروت مدينتي” المدنية الليبرالية، دون أن يؤدي تبادل الأصوات الى خرق، أو الى اهتزاز التوزع مناصفة لمقاعد المجلس البلدي بين المسلمين والمسيحيين، فان التحدي الذي واجهه في طرابلس كان من “الحريريين الجذريين المنشقين”، بقيادة ريفي. في بيروت، انزلقت المعركة الى نوع من المواجهة مع الحريرية ومع تجربة شركة سوليدير ككل، لدى قسم من داعمي لائحة بيروت مدينتي، في حين ان المعركة كانت مختلفة الى حد كبير في طرابلس، دون ان يلغي ذلك ما اعطته انتخابات بيروت للطرابلسيين من جرعة ثقة. في طرابلس، سقط تحالف يجمع سعد الحريري، بمن واظب اعلام “المستقبل” على انتقادهم لسنوات بوصفهم تابعين للنظام السوري و”حزب الله” كالرئيس نجيب ميقاتي، رئيس ما يصفه الـ١٤ آذاريون بحكومة “القمصان السود”، والوزير محمد الصفدي الذي حذا حذو الميقاتي يومها، ومع فيصل كرامي وجمعية “المشاريع″ (الأحباش) المرتبطة بالنظام السوري، المدينة التي نكبت بسنوات من المواجهة مع عملاء هذا النظام، والتي انتعشت بوقائع ومناخات الثورة السورية، قالت كلمتها، واسقطت هذا التحالف المدعوم من أهم رجال الأعمال في البلد.

من الخاسر؟ للوهلة الأولى قيادة تيار المستقبل. خصوصاً، وانها رفضت ادارة الخلاف مع ريفي بمبادرة ديبلوماسية قبل أسابيع. بتدقيق أكثر: القيادات الطرابلسية لهذا التيار غير القادرين على استشراف منحى الناس في الأسابيع الماضية. بتدقيق مزيد: ميقاتي والصفدي، كونهم اعتبروها معركتهم بالذات، وكون التصويت السلبي ضد اللائحة الائتلافية كان دافعه الأبرز حجب الاصوات عن المدعومين منهما.

من الرابح في طرابلس؟ “الحريرية الشعبوية” بقيادة ريفي على “الحريرية التسووية”. لكن ايضاً الزعامة المناطقية الجديدة القادمة من تجربة في جهاز الدولة – الأمن الداخلي ثم مديريته العامة، ثم وزارة العدل، على مجموعة من كبار رجال الأعمال. هذا الفوز بحد ذاته يحمل استفهامات كثيرة حول كيفية العناية به ومنحى تجييره. هل يؤدي الى صدمة ايجابية لدى كل القوى التي عندها مشكلة جدية مع “حزب الله” في البلد، لاعادة التفتيش على ارضية جدية لادارة الخلاف ضمنها قبل اي شيء آخر، أو يؤسس لتمايز بين مسار سنّة الشمال وبين القسم الآخر من سنّة لبنان، الذين مع تنامي اعجابهم بـ”الحريرية الشعبوية” ما زالوا ملتزمين الى حد معقول بـ”الحريرية التسووية”، خصوصاً انهم اقرب الى التداخل مع البيئات الشيعية مما هو الحال في الشمال، الأبعد من “حزب الله” والأقرب الى سوريا وتطورات الأوضاع فيها؟

المفارقة ان “الحريرية التسووية” كانت تسووية  مع ميقاتي والصفدي وكرامي بلدياتياً، لكن جذرية في قطيعتها مع “الحريرية الشعبوية المنشقة”. أقل الايمان ان تقرّ بأن ذلك كان خطأ، وبأنه لو قدّر للتحالف الطرابلسي المناوئ لريفي ان ينتصر، لما جيّر الفوز للحريري، وانما لميقاتي والصفدي وكرامي، وشكل مرتكز لهم عند التباحث في اي انتخابات نيابية قادمة.

بالتوازي، فاذا كانت الصدمة التي حققها ريفي بانتصاره المدوي هي أمر حيوي ونافع فيما يتعلق بتزخيم الرأي العام المناوئ لحزب الله في البلد، وكيفية اعادة تحريكه، بعد ان شرذمته التسويات غير المدركة لشروطها، يبقى امر اساسي، يفترض بالمناوئين لهيمنة “حزب الله” عدم اغفاله: اضعاف سعد الحريري ما زال، في التحليل الأخير، نقطة قوة لدى “حزب الله”. جمع طرفي هذه المعادلة فيه مصلحة لكل من الحريري وريفي بعد انتخابات طرابلس. لكن الجمع كي يتأسس عليه بشكل أفضل صار يحتاج الى مراجعة كل من الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع لخياراتهما الرئاسية فيما يتعلق بترشيح سليمان فرنجية وميشال عون، حليفي بشار الأسد، خاصة وان الترشيحين لم يؤد ايا منهما الغاية المقدمة له، غاية انهاء الشغور الرئاسي، ومع الوقت تحولا الى مبررات اضافية للشغور الرئاسي نفسه، والى الابتعاد عن قضايا الخلاف الاساسية نحو دوامة مرهقة للاثنين، لـ”تيار المستقبل” المهتم باظهار محدودية التمثيل المسيحي لثنائية القوات وعون، وللقوات المهتمة باظهار محدودية التمثيل السني لـ”تيار المستقبل”، كما لو ان الوضع اللبناني بما يرزح تحته من شغور رئاسي وتعطيل مؤسسات واستعصاء سلاح حزب الله وحرب استنزافه في سوريا وتبعاتها، يمكنه ان يتعافى بهذا النوع من السجالات والزجليات المرافقة لها.