Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Dec-2018

حكومة المعارضة* ابراهيم عبدالمجيد القيسي
الدستور - 
 
عنوان فريد من نوعه؛ أعني أردنيا، وربما عالميا، فالمعارضات السياسية لا تسمى معارضات الا بسبب موقفها من الحكومات، أي أن لا حكومات تعارض دولها بشكل شامل، لكن ربما تختلف مع بعض السلطات الأخرى في المواقف، لكن وحسب الدستور الأردني، فالحكومة الأردنية هي صاحبة الولاية، والمواقف السياسية الموالية أو المعارضة في الأردن تقاس حسب علاقتها بالحكومات وسياساتها..
لكن لماذا أكتب مثل هذا العنوان..بل يكون السؤال أكثر دقة وأوضح معنى حين نقول:
 لماذا قام رئيس الحكومة بعقد اجتماع لمدة 3 ساعات ونصف مع نشطاء معارضين؟!.
نحن دولة صاعدة على طريق الديمقراطية، أتحدث عن الديمقراطية الاصطلاحية المعروفة، لكننا في الأردن نمارس ديمقراطية فريدة قبل أن نتحدث عن أية ديمقراطية قياسية، فموروثنا الاجتماعي والسياسي والثقافي يزخر بمعان وأخلاق وأعراف بالكاد نلمحها في الديمقراطيات العالمية، ولم يلتفت مفكرونا ومشرعونا على امتداد عمر الدولة الأردنية الى صياغة هذه الديمقراطية الأردنية في قوانين، لأنها أخذت شكل الأعراف النبيلة، وهي أعراف تمضحل بتسارع خطير مع كل أسف، لكنها نبيلة، ولمسنا حالة من استنطاق لها من خلال فكرة الحكومة بالاجتماع والاستماع وإسماع الشباب الأردني، المتحرك «الحراكي» في الواقع «وهو الشارع» وفي المدارات الافتراضية وهي «انترنت وغيرو وغيراتو».
طالعتنا وسائل الاعلام بمختلف أشكالها بأخبار ذلك اللقاء الذي جمع الناشطين بالحكومة، بل تم عرض بعض الفيديوهات التي تم تصويرها أثناء اللقاء، وبغض النظر عما دار في اللقاء، فإننا نسجل للحكومة هذا الموقف الفريد، الذي لم يسبقها اليه أحد، قياسا على الظروف العامة أعني، فاللقاء مع شباب يهاجمون الحكومات والسياسات ويطرحون خطابا بهذا السقف وتلك اللغة.
مثل هذه الأعراف السياسية مطلوبة، لأنها تقدمية مستنيرة، تعبر عن روح الديمقراطية وغاياتها السامية، فلغة الحوار هي أهم مفردة تعنى بها الديمقراطيات، وهي التي تتناسل منها أعراف احترام الآخر، ومحاورته ببدائل وأفكار وليس بتمترس خلف خطاب كلاسيكي، يجعل من المعارضة مهنة لا تنتهي رغم تغير السياسات والحكومات.
الأردنيون؛ حين يختلفون بينهم ويبلغوا حد التفاهم الحاسم، وحين  يناكفهم أحدهم أو يخالفهم ويطالبهم بما هو ليس من حقهم، يقولون له : «تعال خيوه نقسم هالبيدر بيننا»،»خيوه انت بايعنا بغلة؟!»..و»خيوه انت شريكي..تعال نفرط هالشركة»..الخ، وبشكل أو بآخر فإن هذه التعابير الشعبية البسيطة في ظاهرها، هي عميقة وتتحدث عن عرف ديمقراطي فيه مساحة شاسعة للحوار..
لم يقل الرزاز تعالوا نقسم البيدر، بل أيد الناس في حقهم بالتعبير عن وجعهم فوق مطلبهم، وعبر عن رغبته برؤية شعارات في وقفاتهم الاحتجاجية، فالمطالب يجب أن تكون واضحة، وأن نتخلص من الظاهرة الصوتية التي تسيطر علينا في الفرح والغضب والموافقة والرفض..
يوجد في ثقافتنا السياسية المعارضة ما يمكن تسميته بالتطرف الحقوقي، وهي مطالب لو وضعناها على الميزان الديمقراطي والعدالة والحق، لوجدناها تنفر خارج حدود ومستوى المنطق وتساوي الأردنيين بالحقوق والواجبات، لأنها تنطوي على انكار للآخر ولحقوقه، وتجعل من الوطن مجرد مزرعة حازت عليه الدولة كغنائم، يجب تقسيمها بناء على «ديماغوجيات» الخطاب..وقد تابعنا تحصيلات بعض النقابات لصالح أعضائها، وما زلنا نلاحظ هذه الحالة من التطرف المطلبي الحقوقي حتى في خطاب المعارضة المنظمة «التي تقودها أحزاب وقوى اجتماعية مختلفة كمطالبة بعضهم بوظائف عليا مثلا»، والمعارضة المستقلة «العفوية التي يتحدث بها أفراد مستقلون من بينهم سياسيون غادروا مواقعهم «، ولن نتحدث عن الاستعراضيين.. كلها مظاهر مبنية على فكرة متطرفة تقصي الآخر، ولا تنظر الى الأردن كدولة ولا الى حكوماته كسلطات تلتزم الحياد وتتوخى العدالة في اجراءاتها.
علينا ارساء أعراف السياسة الديمقراطية الحقيقية، ونبذ الخطاب الديماغوجي الذي يتحدث بالمطلقات ولا يحدد مشكلة او يقدم حلا بديلا، او يتكرم علينا بشذرة بسيطة من عصف ذهني على الأقل.. تجد من يقول «معناااااااش» بينما نقول له «ولك انت اللي معك والله يزيد الخير عليك»، فهو يرتدي ملابس يبلغ ثمنها مئات وآلاف الدنانير، أو يركب دراجة نارية ثمنها 50 الف دينار، ويمكنه أن يقضي شهرا في كوفي شوب مع ضيوفه.
يكون الخطاب منطقيا حين يحترم السلطات الأخرى، فالولاية العامة للحكومة تحتم عليها أن لا تتدخل بالسلطة القضائية مثلا، واجترار الحديث عن الفساد بشكل نمطي لا يقدم قضية واضحة متكاملة تصلح لمحاكمة المفسدين المزعومين، حديث فائض عن حاجات العقلاء سواء أكانوا غاضبين او في حالة حبور واسترخاء.
نريد المزيد من هذه اللقاءات فهي تقدم للأردنيين زاوية أخرى مطلوبة للنظر الى وطنهم وقضاياه ومستوى وعي ابنائه، وتعزز الجميع وتحثهم على تطوير خطابهم لا سيما وهم يتحدثون عن بلدهم وعن مستقبلهم، وحين تنفتح هذه القنوات بين الحكومات والناس على اختلاف مواقفهم من السياسات العامة، فإننا بلا شك سنستعيد بل نبني عقل دولة حيويا، وتصبح الحكومات للمعارضة كما هي للموالاة.