Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Jan-2020

الغياب في مجموعة «أبابيل الغياب» للشاعر أنور الأسمر

 الدستور-د. محمد عبدالله القواسمة

انطلاقًا من عنوان مجموعة الشاعر أنور الأسمر «أبابيل الغياب»(عمان: دار البيروني، 2014م)،بكونه دالًا على الموضوع الذي تقدمه المجموعة، بإمكاننا أن نعاين اهتمام الأسمر بالغياب عندما يستعير كلمة «أبابيل» في عنوان المجموعة للتعبير عن هول الغياب،وثقل وقعه على النفس، كما الحجارة التي ألقتها جماعات من الطيور على أبرهة الأشرم عندما أراد هدم الكعبة في القصة المعروفة، التي وردت في «القرآن الكريم» في سورة «الفيل».
يمتد هذا الاهتمام بالغياب من عنوان المجموعة إلى القصائد كلها؛ فيكاد الإيقاع الذي تقوم عليه القصائد يتممن خلال تكرار مفردة الغياب،أوالمفردات التي تشير إليه، أو توحي به، أو تقترب منه، مثل: الموت، الانتظار، الرحيل، الفراق، البعد، الحضور، الحنينوغيرها.
يطرح وجع الشاعر وألمه لحضور الغياب في المجموعة سؤالًا مهمًا عن هذا الذي سبب غيابه وجع الشاعر وألمه، وعما إن كان يمكن تحديده وتعيينه. والحقيقة أننا لا نجد إجابة مباشرة عن هذا السؤال، فما تعلمنا به قصائد المجموعة أن أبابيل الغياب تهاجم الشاعر لغياب إنسانة محببة إليه، تارة تكون طفلة،وتارة تكون امرأة حبيبة؛ فنلاحظ بأن اسم الطفلة فاطمةيردفي عنوانإحدى القصائد، وهي قصيدة» إلى طفلة تسمى فاطمة»، كما يرد الاسم نفسه في عتبة الإهداء: « إلى طفلة تسمى في الأرض فاطمة وللنائمين فوق الموج مثلي» كما يتكرر الاسم في متون قصائد أخرى فنقرأ في افتتاحية قصيدة «لو كانت على الأرض»:
لو كانت فاطمة/ كنت ابتكرت من الياسمين/ طريق الصعود إليها/ وحملت الفراش الذي يسرح شعرها/ أسماءها الحالمة/ لكنها طفلة/ تجمع بين الحضور وبين الغياب/ وقبلة تربت على شفاه ملائكة (ص55)
فهذه الطفلة فاطمة، مع حضورها في قلب الشاعر، فإنه لا يستطيع الوصول إليها؛ فهي قد رحلت عن الأرض، وغدت غائبة عنه،وكل الأمنيات التي تغمر قلبهفي لقائها ما هي إلا خيالات لا يمكن أن تتحقق.
أما غياب المرأة الحبيبة،التي ربما تكون الوجه الآخر لفاطمة فيتجلى في قصائد كثيرة؛ ففي قصيدة «كن على حذر من المرأة» نجد أن غيابها يوجع الشاعر،فنراه يجرد من نفسه إنسانًا يخاطبه، ويحثه على مواصلة الحنين إليها:
تابع حنينك/ وقل للحبيبة كسر الغياب ملامحي/ ولم ينتبه لانهيار الكلمات عن قمر/ في القصيدة/ وقل يا سماء كفي أبابيل الغياب/ ويا أرض ابتلعي أمكنة الانتظار (ص39)
نلاحظ في الأبيات شدة وقع الغياب على الشاعر وتأثره،من  خلال تكرار مفردة الغياب، وبروز عنوان المجموعة «أبابيل الغياب» كما ورد على الغلاف، ومن  خلال الدعاء والتمني بألا يكون على الأرض موت أو فراق؛ للتخلص من آلام الغياب والانتظار.
ويبدو غياب الحبيبة وانتظار عودتها في قصيدة» من أنا لأنتظرها، من أنا لتنتظرني» محورًا مهمًا في التقليل من شأن الذات تحت وطأة الغياب، الذي يبدو كأنه إنسان متعال.
حجتي أني أنا/ أوهن من خيط العنكبوت/ قد نظر الغياب إلى موضع قدميه/ ثم رآني (ص93)
وللغياب وقع كبير على الشاعر في قصيدة «لا أطمئن إلى قلبي» فالشاعر يرى تلك التي رحلت عنه ماثلة في كل الأشياء من حوله، وما كان بينهما لا يزال حيًا في القلب، الذي لا يستطيع أن يتمرد عليه.
لم تقولي لي حين رحلتِ/ أنك ستولدين حولي/ في كل الأشياء/ فأنا لا أطمئن إلى قلبي/ ولا أستطيع الخروج عليه (ص143)
ويبدو عذاب الغياب في قصيدة « حبيبي مرمن قربي» كما في القصيدة السابقة مقيمًا في قلب الشاعر من خلال إبراز ثنائية الحضور والغياب،وانتصار الحضور حضور الحب في قلب الشاعر على الغياب، وهي تعادل ثنائية الحب والكره التي تجلت في قصة قابيل وهابيل المعروفة، وفي ذلك تعالق نصي مع ما ورد في القرآن الكريم من سورة المائدة آية 28.» لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك  لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين»:
يا حبيبي/ لئن بسطت إلي رحيلك/ ما أنا ببساط قلبي لترحل/ فلا غراب يواري سوءة عاشق/ مطعون بالغياب (ص150)
ويبدو الغياب في قصيدة» لكي لا يغيب الحلم» مؤلمًا للشاعر؛ حتى إن إيقاع شعره قد طبع بطابع الغياب الذي يشبه الورم. وهو يعول على هذا الشعر في الانتصار على الغياب.
فانهض أيها الإيقاع من ورم الغياب/ وانتصر لشاعر يربي الأغنيات/ خلف الفصول ( ص117)
ويكون الشعر ملجأ الشاعر أيضًا في التخلص من عذابات الغياب في قصيدة «وأنا أهذب شكل المنام» فهو يواجه هذا الغياب الذي يشبه الوحش، من خلال جمع خيالاته وأحلامه الجامحة عن الغياب في شعره:
وأنا أراوغ وحش الغياب/ أدرب الكلام على الوثب/ أغسل بالدمع/ درج النجوم البعيدة/ وحين تصهل الأنثى/ تجمح الكواكب في القصيدة (ص159)
ويبدو اللجوء إلى الشعر للخلاص من عذاب الغياب أكثر وضوحًا في قصيدة «سر الكلام»، التي تعتمد في بنائها على تكرار «جملة» لا أعترف بقصيدة ..» في بداية مقاطعها. فالشاعر لا يعترف بالشعر إلا إذا كان ينبض بالحياة،ويبعث في النفس الهدوء والسلام، عندئذ يتحول ألم العذاب ودمعه إلى ندى وعصافير تغني بانتصار الحياة.
لا أعترف بقصيدة/ لا تعجن الفضاء بدمعة/ وتسقي سروة/ لتمنحني الندى/ والعصافير (ص168)
في النهاية نخلص إلى القول: إن الغياب في مجموعة الشاعر أنور الأسمر «أبابيل الغياب» ثيمةأساسية لا تفارق أي قصيدة من قصائد المجموعة، وهي تتسرب بخفة إلى نسغ القصائد؛لتبعث فيها الإيقاع الهادئ، والإحساس العميق بالحب، الذي يتجلى في صور درامية حينًا وغنائية في أحيان كثيرة، وبلغة واضحة، وموسيقى تقترب من الحداثة بحذر، ودون صخب.