Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Aug-2017

الأردن - عبدالهادي راجي المجالي
 
الراي - عرفت الأردن جيدا , في الصف الثاني الإبتدائي حين كنا نجلس على الرحلاية وبين صرير القلم , وبرد الشتاء ورجفة اليد ..تخرج رائحة الرصاص وهو يحتك بالورق ونحاول عبثا أن نرسم حرف (الباء) جيدا حتى لا نلام من المعلمة ..وتغوينا رائحة الرصاص ونشتم من خلالها ..الإصرار على العلم , ورغبتنا بأن نكتب حرف الباء دون أخطاء ..ما زالت رائحة قلم الرصاص في أنفي , كأنها توصيني بالأردن ...
 
عرفت الأردن جيدا , حين مررت ذات يوم ...بشارع في الكرك , وعلى جانبه سور لمنزل قديم من زمن تركيا , كان أهل الدار قد أحاطوا السور بشجيرات من الورد الجوري ولفت انتباهي جذر أحدها وكيف شقت (الباطون) وتمرد على قساوة الطبيعة والظرف ...كأنها صورة عن البلد وأهلها , صور الورد وكيف يشق الصخر كي ينبت ..من قال أن الورد رقيق مخطئ , فالورد في بلادنا مثل الناس يقاتل هو الاخر .
 
وعرفت الأردن جيدا , ذات يوم حين مررنا في رم ..وكان أحد البدو يقود جملا وقد نفذت شظية من الصخر لحافره , وكان يمشي والدم خضلا .. يعانق رمل الصحراء ويترك توقيعه فيه عند كل عبور ,وسألته :- عن وقفة يداوي فيها جمله ..فقال لي البدوي :- الرمل سيدمل جرحه ...ومضى يمشي , كأنه وطن ...يسير بالرغم من النزف .. ولا أظن أن صبرا في الدنيا طاول صبر الأردن , ولا أظن أن جملا نازفا في الصحراء طاول بالامه وكبريائه الام الأردني وصبره ...
 
عرفت الأردن جيدا , في وميض عيون أمي ...في رعشة الأكف لعجوز عبرت التسعين وهي ترفعها لله وتدعو ..قبيل الصبح بقليل ...عرفته وشاهدته أيضا , في الصوان الذي يسكن رؤوس الجبال في الشراه ....في الطرق التي ليس لها نهاية ..في الوشم الذي تربع على فك عجوز ..ابتسمت للفجر , فكان من الضوء أن عانق الوشم .
 
لم يكن الأردن يوما صغيرا , والأردن ليس رقيقا كما وصفه بعض الشعراء الكاذبين ..والأردن ليس عابرا في التاريخ , من يده اليمنى كتب أول سطر ...وهو لم يتخاذل ولم يترك القافلة يوما ...والتراب في جنوبه , حين تشرق الشمس تشعر فيه وهو يصعد ويختطف أشعتها ...كأن التراب عاشق وقد حن للجدائل ..
 
والأردن ليس قصيدة تقرأ في مناسبة , وليس علما يرفع ..وهو ليس كلمة نارية تتلا ومن ثم يصفق الحضور , ...هو العشق بين الأرض والسماء , هو الذي تتساقط حبات المطر على ترابه , وهي مشتاقة للتراب وهو الذي يمر السحاب هائما في سمائه , ويظلل العشاق ...وهو الذي عين الله ترعاه ويدعو الأولياء له ...وتباركه الرسل ....ماذا أقول أكثر ..
 
الأردن يستحق منا أكثر من ذلك , ..فإما أن نكون بمستواه ..بمستوى الصبر والجبروت والقوة ..وإما أن لا نكون أبدا .
 
لو يعودون مثلي للصف الثاني الإبتدائي , ويشمون رائحة صرير الرصاص على الورق مثلما كنت أشمها ..لعرفوا معنى الوطن في قاموس القلب وقاموس الحب .